أفكار في الاستثمار


الاستثمار مرة أخرى. كان لقاءً عابرًا حول موضوعٍ مُقيَّم، مَعَ شخصٍ اقترب منّي ليسألني إنْ كنت أنا معن القطامين. ابتسمت له مشجعًا فجلس قائلاً: أنا فلان الفلاني مسؤول استقطاب الاستثمارات إلى الأردن في دولة ما وقد تابعت اهتمامك بشؤون الاستثمار وأودُّ أن أتحدث معك قليلاً. أحسست بأن القدر قد أرسله لي لأستفسرَ منه عن استراتيجية الأردن في هذا الشأن. فاجأني بالإجابة بأنه قد تمَّ إنهاء عمله بعد سنين من شغله له. "لماذا؟" سألته. الإجابة كانت صادمةً لي. قال: "لسببٍ بسيط، وهو توجُّه الإدارة الجديدة لهيئة الاستثمار في إغلاق جميع المكاتب الخاصة بتشجيع الاستثمار خارج الأردن، وقد كان عددها على ما أذكر سبعة". "لماذا؟". أجاب: "بدعوى توفير النفقات... يعتقدون بأن هذه المكاتب لا تجلب إلا مزيدًا من النَّفقات، وبالتالي حين تقدموا بهذا التوجّه إلى الحكومة وافقتهم عليه. وبهذا أصبح عدد المكاتب التي تسوق للاستثمار خارج الأردن صفرًا، وتكلفتها صفرًا، وبالتالي فإنَّ مردودها أيضًا صفرًا". لم تطل المحادثة لأكثر من هذا حيثُ بدأت مكبرات الصوت في صالات المطار تعلن اقتراب إغلاق البوابة، وبالتالي كان علينا التوجه إلى الطائرة حيث كان يحمل هو هَمُّ خسارته لوظيفته، وأحمل أنا هَمًّا جديدًا وهو هَمّ الفكر المنغلق على نفسه.

حين نفكر بتسويق الدول علينا أن لا نخترع ما يختلف عمّا اتَّفق الناس على جدواه، وإنَّما نحن مطالبين بأن نبتكر أساليبًا جديدةً تصبُّ مياهها في بحيرةٍ أوشك ماؤها على النّضوب وأصبحت هي نفسها مهددة بالجفاف. كيف نغلق مكاتب تشجيع الاستثمار في وقتٍ يجول فيه جلالة الملك العالم ليروج للاستثمار وبعد أن تنتهي الجولات لا يجد من يكمل ما بدأه؟ كيف للمستثمر الأجنبي أن يطَّلع على ما نعتقده ميزة تنافسية لا يعرفها أحد سوانا. منذ مدة كان هناك شعار للأردن (مكتوب بحروف عريضة في المطار) يقول "الأردن...أفضل سر يمكن الاحتفاظ به". مقولة تعبر عن خواء فكري وترويجي لا يدانيه خواء. ولكن ما قد يفاجئنا جميعًا أنه بالفعل تمَّ الاحتفاظ بهذا السّر لدرجة أننا نتحدث عنه بيننا فقط، ولا نريد بل ونصرُّ أن لا يسمعه من يجب أن يسمعه سواء سائحًا كان أم مستثمرًا. سياسة الصفر أتت بأُكلها.

إنَّ الفكر القائم على إطفاء محرك السّيارة لكي لا تصرف وقودًا لن يقودنا إلا كما سيقود تلك السيارة وذلك إلى مكانها فقط وبالتالي ستجدها بعد مدة مهترئة صدئة. ولكن أين سنصل إن لم نعتمد سياسة ترويج شرسة ترتكز على الإنفاق السّخي والموجه في آن واحد لاستهداف رؤوس الأموال التي قد تجد في الأردن بعض الملاذ لها، وبعض الوعاء الاستثماري ليساعدها في الوصول إلى أسواق المنطقة وربما تحقق عائدًا جيدًا ضمن سلة استثمارات تتوزع على أرجاء المعمورة.

باختصار شديد لنتعلّم من الشركات متعددة الجنسيات والشركات الكبرى التي تنفق مبالغًا طائلة على التسويق والترويج والمبيعات، وذلك لكي تحقق لها وجودًا في أذهان المستهلكين بحيث تصبح منتجاتها من البدائل التي ترد فورًا إلى الذِّهن حين يُتَّخذ قرار الشراء. نحن نتحدث عن قيمة العلامة التجارية حتى وإن لم تقد هذه الجهود إلى بيعٍ مباشر فإنَّها حتمًا ستساعد في ترسيخ موقع الأردن في أذهان لسوّاح والمستثمرين إلى حين يأتي موعد القرار.

لذا لابدَّ من إعادة فتح هذه المكاتب وإعادة إطلاقها وبقوة، بل وزيادة أعدادها بناءً على دراسات حقيقية وواقعية للأسواق المستهدفة، وتوظيف الأكفأُ فيها وبرواتب مجزية وتنافسية جدًا في تلك الدول وذلك لاستقطاب الموارد البشرية الأفضل الذين قد يتمكّنون من دفع عجلة الترويج للاستثمار في الأردن. إضافة إلى هذا أرى أن على الهيئة أن تؤسس أكبر قاعدة بيانات استثمار في الأردن وأن يكون لديها فريق من أجدر الكفاءات الذين يقع عليهم الجزء الأكبر من مسؤولية إعداد الملفات الاستثمارية والعروض التقديمية والأدوات الترويجية التي سيتمُّ استخدامها من قبل المكاتب الخارجية وذلك لتوحيد الرسالة وأدوات الاتّصال وإضفاء لمسة احترافية على عملية الترويح للاستثمار.

حمى الله الأردنَ ملكًا وشعبًا وأرضًا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات