لا تُسْلِموا الأردنَّ تَسْلَموا ..


مَنْ يتتبعُ وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي يجدها - بلا عناءٍ في البحث! - وقدْ عجّت و رجّت بمقالات الإنكار على الحكومات ، وتشريح الفسادِ وأهله !

وعادةً ما يكون بلا عِلْمٍ شرعيّ ولا هُدىً ولا كتابٍ منير !

أنْ يتحول شيبُ الأمّة وشبابُها إلى أساطين في السياسة العصريّة فصدّقوني سَيَهْلَكون ويُهْلِكون ! ، وما كلّ هذا التيه الذي دخل فيه المُسلمون إلّا ببعض انْصرافهم عن العلم الشرعيّ ، وانْشغالهم بما لا ينفعهم ولا يُغنيهم في تغيّر الحال شيئاً ..!

والمُسلم ينبغي له حُسْن الظنّ بأخيه ؛ فنرجو لمن كَثُر منه إشهارُ قبائح النّاس وذنوبهم ، وإظهارُ فسادهم وعيوبهم ؛ أنْ يكون من قبيل التحزّن والشفقة أنْ يقع غضبُ الله - تعالى - عليهم ، وحرصاً وغيرة على ( البلد ) .

لكنّ الإيغال والمبالغة أو الغلو في هذا يُفضي إلى شرّعريض وفساد ؛ قد يفوق المُنكر الأصلي ، ويعْظُم هذا إذا تضمن ّقدْحاً وتعييباً للحاكم والحكومات على المنابر وفي وسائل الإعلام ! ؛ فإنّ الفتن - اليوم - قد استشرتْ ، ومذاهب أهل الباطل تطاولت و انتشرت ، والناس قلوبهم - فضلاً عن تديّنهم - ضعيفة والأمور اختلطت عليهم واشتبهت ! ، وبلادهم تسير على خيطٍ رفيع تتأرجح أو تترنّح! ؛ فليس من الفقه - في شيء! - التركيز على الذنوب وتفخيم العيوب ! ؛ بل الفقه عكْسُه فانظروا .

في الصحيحين أن أبا هريرة كره التحديث بحديث الجِرابَين الذي فيه تنقص بعض الحكام لظهور بوادر الخروج عليهم في وقته مع تفشي ( الجهل ) وكان يقول : ' لو شئتم لسمّيتهم '.

قال الحافظ : ' ولهذا كره أحمد التحديث ببعض دون بعض الأحاديث التي ظاهرها ( الخروج ) على السلطان '.

ولمّا طلب الناس أيام الفتنة من أسامة بن زيد أن يدخل على عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فيكلمه في بعض الأمور ؛ قال : ألا ترون أني لا أكلمه إلا أُسمِعُكم ؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرًا لا أحب أن أكون أنا أول من فتحه .. ! والقصة في الصحيحين.

وهذا أثرٌ له دلالات عظيمة منها : أن الناس طلبوا إلى من هو أهل للنصيحة ، وصاحب سبقٍ في الصحبة و العلم ، ومن ذوي المكانة عند الناس ؛ فيكلم الحاكم وينصح له ، ولم يتصدر لهذا الأمر أيُّ أحدٍ ومن تلقاء نفسه! .

ثم إن أسامة بن زيد بيَّن للأمة منهج السلف الصالح في نصحهم للحكام بقوله ( ألا ترون أني لا أكلِّمُه إلا أسمعُكم ؟ والله لقد كلَّمته فيما بيني وبينه ).

قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - : ' الطريقة المتبعة عند السلف النصيحةُ فيما بينهم وبين السلطان ، والكتابةُ إليه '

ولنا سؤال أولئك الذين استفاضوا بتعداد الذنوب ووصف الفساد في بلدنا الأردن - حماه الله - ويعِدون الأردنيين الهلاك القريب أو ( الإسراع نحو الهاوية )!، ويدعون النّاس للنهوض إلى إنكار المنكر :

بأيّ شيءٍ يكون النهوض ؟ بالكلام على المنابر وفي وسائل الإعلام ؟
أم بالمظاهرات والثورات ؟

إذا كان تحذيراً للناس من عواقب المعاصي وبياناً لشؤمها على الفرد والجماعة ؛ فلا خلاف بل هو من اوجب الواجبات ؛ على أنْ يكون بعلم ورفق وحِلم ، دون تعصّب لمنهج أو مذهب ، ومع حُسن توضيحٍ لطريق النجاة والسلامة .

فأمّا ما كان على وجه الإبهام والإيهام فليس هذا من الإنكار الشرعيّ في شيء ؛ إذ العقول - اليوم - مائلة في فهم الإنكار إلى الوسائل البدعيّة كالمظاهرات والإضرابات وما أشبه ! ؛ فإذا تقوّى هذا الوجه بلغة الخطاب والمقال وطريقته كان عودةً بالأمة إلى الدائرة الأخطر ، والمُنكر الأكبر ؛ مِن حدوث الفتن وحلول المحن ..!

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - : ' الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهاد هو من أعظم المعروف الذي أمرنا به، ولهذا قيل ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر،وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبات فالواجبات والمستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، إذ بهذا بُعثت الرسل ونزلت الكتب ، والله لا يحب الفساد بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذم المفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر اللهُ '
( مجموع الفتاوى : 28/126)

وقد سأل الحكمُ بن عبدالله أبا حنيفة فقال له : ما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك أناسٌ فيخرج على الجماعة هل ترى ذلك؟ قال: لا، قلت: ولم وقد أمر اللهُ ورسولُه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فريضة واجبة؟ قال: هو كذلك لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون ؛ مِن سفك الدّماء واستحلال الحرام .

نعم .. والفرق دقيقٌ بين الإنكار الشرعيّ والإنكار بمنكر ، لا يهتدي إليه إلا ذوو البصائر والنُّهى وأهل النّظر في العواقب ؛ فإنّه كما قيل : مَن نظر في العواقب سَلِمَ من النوائب .

نقول هذا ونحن نرى خيراً كثيراً في بلدنا الأردنّ - على الأقلّ مقارنة له بما عليه كثير من البلدان - وهذا من فضل الله علينا وكرمه ؛ وأكبر ذلك الخير أمننا ، وأنّ الدعوة إلى الكتاب والسّنة ونشر العلم لا ضيم واقعٌ بها ولا تضييق ؛ ولا نفرّ من الإقرار بوجود الفساد الذي لا تخلو منه بلدٌ على وجه الأرض ؛ لكنّ أهله والسائرين فيه منّا .. فيقلّ بعلم الكتاب والسّنة وإظهاره بين المسلمين ؛ ولئن كانت الطريق طويلة ومحفوفة بالمشقة فإنّ منتهاها النّصر والتمكين والغلبة لدين الله .

خاتمة :

لا تُسْلِموا الأردنَّ إلى الحزبيين والفتّانيين ؛ فأمْرُهم أكبرُ مِن مُجرّد الإنكار .... ، ومَنْ أراد السلامة نظرَ في عواقب الكلام والأعمال ولو مع حُسن النيّة ، واحفظوا لوطنكم قَدْرَه وقُدْرتَه ...

قال إمام أهل السّنة أحمدُ بن حنبل - رضي الله عنه - : " ... الصبرُ على ما نحن فيه خيرٌ مِنَ الفتنة ؛ يُسفك فيها الدّماء وتُستباحُ الأموالُ والأعراض " .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات