هاظا (هذا) انا !


في برنامج تلفزيوني محلي مكرر حتى حدود الضجر والسأم ومستنسخ عن برامج عديدة مشابهة عرضت على الجمهور الأردني, في هذا البرنامج (كوجبة العصرونية) تجري لقاءات مع شخوص يقال عنها (قامات) وطنية مرت على شبكية المواطن لكنه لم يحفظها ولم يدم لها الإبصار برهة, الشيء الذي لا نفهمه ولا نستوعبه هو أمر الاعتداء الصارخ على وقت المواطن وذوقه وإرادته حين يُقتطع جزء من نهاره في مشاهدة شخوص عاديين وان كانوا لاعبين حصريين في لعبة ( رن رن يا جرس حول واركب ع الفرس) ولعبة (الحُوّيطيّة) على كراسي الدولة ردحا من زمن, ما الذي يعنيني كمواطن متخم بهموم العيش في مسيرة حياة ذكر أو أنثى عاديين جدا لم يخترقوا حاجز الصوت مرة ولم يكتشفوا صحراء الربع الخالي ولم يكتشفوا لنا دغل من أدغالنا يقال له قطر في المنطقة الجنوبية حتى اللحظة؟ ما الذي فعلناه نحن المواطنين بكم وانتم تنبشون في أجسادنا دمامل الفرص الضائعة وتنثرون أملاح ترفكم فوق جراحنا وتقيحات صديدنا تفضح كل افتئات لكم؟ ما الذي يعنيني من عيد ميلاد وتاريخ زواج الجهبذ الثبت السبط راعي العبيّة كيف ومتى تعرف على حرمه المصون؟ وما الذي يعنيني كمواطن جل همه التفكير بقوت يومه ومصروف عياله وعلاجهم ودفع غرامات الشرف لأنه أردني بأمر ابنة أو ابن فلان ماذا درسوا وفي أي سلك من أسلاك الحكومة تشعلقوا كالبلابل يتراقصون على أغصان شجرة وارفة محملة بالفرص السانحة الحصرية لهم؟
البرنامج الذي يبث عصرا ولا اعلم متى يعاد أيضا في عنوانه (انا هاظا) يعكس ثيمة قديمة ( يتندر عليها الجميع منا حين يتذكرونها) كنا نعايشها في أزقة حوارينا وفي باحات (حيشان مفردها حوش) منازلنا المتهالكة حين كنا نتسلل ليلا لتدخين نصف سيجارة خفية أو لإجراء لقاء خلسوي مدفوع بعشق طفولي بريء, كان الآباء أو الأمهات يستيقظون على وقع حفيف خطواتنا ونحن نخطو بوجل, يندهون علينا كخفير نابه في وردية ليلية, يقولون (من هناك؟) فنجيبهم على الفور بخوف وارتعاب (هاظا انا) فيطمئنوا ويعودوا إلى شخيرهم حتى فجر يوم جديد آت.
البرنامج المستنسخ والمكرر أكثر من عشر مرات لا أرى فيه جديدا إلا ترتيبه في سلسلة التكرار (رقم 10) فأين نحن من إعلام موضوعي يرتقي إلى مستوى الأحداث وإعلاميين جادين مؤهلين يحترمون فكر المواطن وذوقه ومشاعره؟ أين نحن من إعلام لا يتلاعب بأعصاب الناس ولا ينكأ جراحهم بما يعرضه لهم على التلفاز؟ أين نحن من إعلام لا يدحش (يحشي) يده حتى إبطه في حلقك فيجبرك على الأنين والعويل وأنت تصرخ (حلّوا عنّا ياه).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات