لو اتبع الحق أهواءهم


الحق لا يمكن أن يدور مع الهوى، وبالحق تقوم السماوات والأرض، وبالحق يستقيم الكون، وتجرى السنن في هذا الوجود المنظور وما فيه ومن فيه، فالحق واحد ثابت، والأهواء كثيرة متقلبة، وبالحق الواحد يدبر الكون كله، فلا ينحرف نظامه المحكم لهوى عارض، ولا تتخلف سنة لرغبة طارئة، ولو خضع الكون لللأهواء والميول العارضة، والرغبات الموقتة لفسد كله، ولفسد الناس معه، ولفسدت القيم والأوضاع، واختلت الموازين، وتأرجح الإنسان بين الغضب والرضا، والكره والمحبة، والرغبة والرهبة، علماً بأن بناء الكون ومنه الإنسان السوي في حاجة إلى الثبات والإستقرار على قاعدة ثابتة، ومنهج مرسوم، حتى يقوم بوظيفته على أكمل وجه، قال الله تعالى: ﴿ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن﴾.

يعلو الحق عندما يجد من يعلمه ومن يتعلمه، ومن يمثله ويصبو إليه، إنّ مجتمعنا اليوم ضعيف من ناحية بنيته العلمية والفكرية، وفقير من جهة حياته الروحية والقلبية، ومحروم من القيادة والتوجيه الصائب إلى درجة يرثى لها، وما لم يتم القضاء على الأنا القاتلة، والأهواء الفاسدة، والتعصب الأعمى للرأي الذميم الذي يصدر من نفس أمارة بالسؤ تجد سرورها في الإنحراف والبعد عن الحق، لن يجد الإنسان حلاوة الإيمان والحق في قلبه وروحه، ولن يشعر بالراحة النفسية، والصدق مع ربه وذاته، إذا غََلبّ حبه للمنافع الآنية طمعاً في اقتناص الملذات على حُبه للحق والعدل.

إن وجود الإنسان مرتبط بإحسان وإنعام الخالق عز وجل، ولكي يتم الوصول إلى النعمة التي وهبها الله، فعلى القلب أن يتدفق دوماً بمعاني الثقة والرحمة والتواصل مع الآخرين، وأن يكوم مملوءاً بالمحبة والشهامة والمروءة، وما لم يتم الإبتعاد عن الأثرة وعبادة النفس وعقلية الأوهام، فسيبقى الإنسان حبيس أدراج المنفعة والهوى، الذي يقتل روح المبادرة والإبداع والإنسياق الأعمى وراء الطمع والجشع، وفي هذا الفساد الحقيقي لحياة الإنسان، والتلوث القهري بالمبادئ والأفكار الضالة التي تضلل وتعمي بصيرة الإنسان، وصدق الله العظيم: ﴿ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور﴾، والأرواح البائسة هي التي لا تستطيع رفع الأستار عن عيونها وآذانها، إنّها لا تستطيع الإرتفاع لمعرفة الحقيقة في وجدانها.

وحتى يكون الإنسان إنساناً لا بد أن يخضع طوعاً لأوامر قلبه، ويستمع إلى نداء روحه، رغماً عن بدنه، وعليه أن ينظر إلى الحق بعيون مفتوحة مبصرة، وأن يطلق النوازع الآئمّة التي تسكن في أعماقه، ولا ينبغي أن ينسى أن الذي لا يحفظ نقاء قلبه، وصفاء روحه من الكدر، لن يوحي بالثقة لمن يحيط به، ولن يحوز على التصديق والإقناع قطعاً، مهما توسع في رحاب العلم والمعرفة والأدب والخبرة، وعلينا أن نعلم أن الأرواح الطاهرة والقلوب الصافية قد اتبعت دائماً الفكر النزيه، والسلوك السوي النابعين من القلب الذي تخالطه نورانية الحق آناء الليل وأطراف النهار، والمؤمن لا يبدل الأعلى بالأدنى حتى ولو أحاطت به الخطوب، فلن يكسر سياج الحق من أجل لعاعة من لعاعات الدنيا، حتى ولو بات رفيق الجوع والحرمان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات