من يوميات باحث تعداد


وقف الباحث الإحصائي في التعداد السكاني , أمام بيت من دون باب في الشطر الجنوبي للمدينة الجنوبيّة , همّ بان يقرع الجرس , فواجه اصبعه الفراغ , كان عليه أن يحصي عددا من البيوت في اليوم الاول لعمله , الذي اقتنع به بعد أن شرح له المسئول الكبير عن فوائد التعداد السكّاني الذي تقوم به الحكومة ,الكثيرة والعديدة , فالتعداد السكاني مفيد في جمع كثير من المعلومات التي سيقّدمها هو وزملائه الى صانع القرار , ومن فوائده معرفة النمو السكاني السنوي و معرفة المنشآت والمباني المدرسية والتعليميّة والكثافة السكانية و المجالات التي يتوّجب على الدولة توجيه الاستثمار اليها وأماكن النمو الاقتصادي ومعرفة أعداد العاطلين عن العمل وحصر الكفاءات العلمية وتخصصاتهم و ذلك لتوجيه المواطنين لدراسة تخصصات ليست متوّفرة و يحتاجها سوق العمل, وايضا لكي يتمكّن صانع القرار من معرفة حجم العمالة الوافدة الموجودة على ارض الوطن , والتي ليس لها احصاءات دقيقة لغاية الآن , وغيرها من الفوائد الكثيرة , مما يوجب على الجميع , التجاوب معهم كباحثين ميدانيين لتقديم المعلومة الصحيحة لهم .

نادى بأعلى صوته , على من بالدار , علّه يسمع جوابا , رحّب به صاحب الدار الذي على ما يبدو أنّه لم يستقبل زوّارا مهمّين منذ زمن , وأستعد للإجابة , ولكن لم يستطع الباحث أن يدوّن شيئا , فلا البيت مربوط على الصرف الصحي , ولا فيه جلاّية للصحون , ولا يسمع صوت لتلفاز , الاّ صوت برنامج اذاعي عن حبّ الوطن , والاولاد الاربعة , اخرجهم ابوهم من المدرسة , لأنه لا يقوى على مصاريفها , والبنات وامهم شبه اميّات , لا يستطعن الكتابة ولا القراءة , ولا يعرفون عن الحاسوب شيء الاّ انّه آلة خارقة للعادة , والاهم أن دارهم كلّها عبارة عن غرفة كبيرة واحدة , وحمام خارجها .
أخذ الباحث يسأل مع نفسه , ماذا يمكن أن يتحقق من الفوائد المرجوّة من التعداد و هل ستكون دراسة ما يدّون حقيقة , أم انها ستدخل ادراجا لا تفتح ابدا , هل سيقل عدد العاطلين عن العمل , وهل سيتوجه الناس لدراسة تخصصات يحتاجها سوق العمل , وهل ستساعد الحكومة في توفير مسكن لمن لا يملكه , وهل ستتوقف العشوائية في بناء المنشآت المخصصة للخدمات , التي تبنى في اماكن لا فائدة من وجودها فيها , وهل سنعرف حقا عدد العمالة الوافدة , والاعمال التي يعملون بها , وهل ستتوافق برامج التدريب المهني مع احتياجات سوق العمل , فاذا , على صاحب القرار أن يستفيد من نتائج التعداد لتحقيق معيشة افضل للناس , وعليه أن يجعلها المرجع الرئيسي والحقيقي للوزارات التنموية في وضع خططها , لنرى تغيّرا في مستوى معيشة الناس , أو هكذا أقنع الباحث نفسه .

لا ولن يتمكن بعد اليوم اي مسؤول من تغطية الحقيقة عن المواطنين , لانها ستكشف سريعا , وسيتبيّن ان كانت الخطط والبرامج والاهداف الموضوعة متناسبة مع ما هو موجود على الارض , واذا كانت نتائج ما بعد التعداد مغايرة للمرجو منها , فهل سيضطر الباحث الاحصائي الى العودة الى نفس البيت في التعداد القادم بعد سنوات ليجد حال البيت كما هو , قد بقي من دون باب .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات