تحديث الخطاب الليبرالي

اسلام صوالحة

خاص - كتب إسلام سامي صوالحة - لا تزال النخب الفكرية والثقافية العربية عموما ، والأردنية خصوصا، ترى في التطرف الطفل الشرعي للمناهج الدراسية بمختلف مستوياتها المدرسية والجامعية. وتتمسك بتوصية "يتيمة" للأنظمة العربية بضرورة تغيير المناهج وتطويرها وتطهيرها من الفكر الاصولي والمتطرف ، على حد ظنهم.

ولكن، الحديث عن المناهج والحاجة لتحديثها وتطهيرها، ليس سوى غطاء يستخدم للهجوم على العقيدة الاسلامية كونها المرجعية للمناهج الدراسية التي تدرس العلوم الانسانية.

فكلما طرح نقاش حول الجماعات المتطرفة والايديولوجيا التي تتبناها، والاسباب التي تدفع الشباب للانضمام لهذه الجماعات، يختزل المحللون والمفكرون والباحثون النقاش في الدين والمناهج والبيئة التربوية والاجتماعية للعناصر المتطرفة، مع اشارة خجولة للعوامل الاقتصادية والسياسية.

إلا أنه وحتى الان، لم يفلح اي باحث او خبير في شؤون الجماعات المتطرفة، في تشخيص شاف وواف للتطرف الذي اصبح سمة بارزة وعنوانا رئيسيا للعصر الحديث، وكل ما قدم من دراسات وابحاث ومنشورات لا يعدو كونه إجتهاد ومحاولة قاصرة لم تجب على السؤال الكبير : لماذا ينضم الشباب للجماعات المتطرفة ؟؟

عندما يصرح وزير سويدي بأن أكثر من ألف مواطن سويدي يقاتل الى جانب تنظيم "داعش"، وتعلن ألمانيا ان المئات من مواطنيها إلتحقوا بالتنظيم، وغيرهم من الولايات المتحدة الامريكية، ودول اوروبية اخرى ، حينها يكون الحديث عن دور المناهج في تحريف الوعي وتشكيل الفكر المتطرف لا قيمة له وتحريف للواقع والحقيقة واصطياد في الماء العكر.

فهل المناهج في المدارس السويدية تحتوي على أفكار ومعتقدات دينية "متشددة" تحرض على العنف وترهيب الاخر؟؟ وهل دفعت المناهج ، المواطن السويدي لترك بلاد تتربع على عرش الدول الاكثر رفاهية على الصعيد الاقتصادي، وحرية وعدالة وديمقراطية على الصعيد السياسي، وشعبها يتسيد العالم بالسعادة، لينضم الى جماعة متطرفة تطاردها جيوش العالم؟؟

قد يكون هذا الطرح قابلا للهضم، حين ندرس ونفصل ونحاول فهم تنظيم مثل القاعدة، وقد نسقط نظريات النخب "الليبرالية" على تنظيمات متجانسة، ولكن بالتأكيد سيكون ضربا من ضروب العبث رؤية تنظيم داعش بالعين نفسها التي ترى القاعدة واخواتها. فاختلاف الزمان والمكان والظروف الدولية والاقليمية والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تبطل المقارنة بين القاعدة واخواتها من جهة وداعش "وبناتها" من جهة اخرى.

وبلغة أبسط، وحتما ليس دفاعا عن المناهج، غير ان المنطق لا يستقيم مع الهجوم غير المفهوم ضد المناهج، فأي أحمق يصدق، أن جيل جوجل ويوتيوب ، وفيسبوك وتويتر وانستغرام وسناب شات، والفضائيات و MBC2 ، يتأثر بما يقدم لهم من وجبات علمية وتربوية في المدارس؟!

للأسف، البعض يستثمر "فوبيا داعش" التي اصبحت تسيطر على عقل صناع القرار والنخب وحتى العامة ، على حد سواء، ليطعن بالاسلام، وما يحزننا اكثر حين تجد مفكرين وكتاب وصحفيين وسياسيين ومسؤولين غربيين يدافعون عن الاسلام ويبرئونه من تهمة الارهاب التي أُلصقت به، بينما تنبري بعض النخب الفكري والاعلامية الاردنية والعربية لاصلاق التهمة بالاسلام بحجة تحديث الخطاب الديني ومحاربة التطرف.!

المشكلة، أن تلك النخب، لم تقدم الى الآن، مشروعا فكريا حداثيا بديلا، فخطابها يقتصر على نقد كل ما له علاقة بالدين، والدين عندهم هو الاسلام ، فقط حين يكون في إطار الهجوم والنقد. ودون ذلك، فالاديان الأخرى منزهة عندهم، عن النقد أو النقاش ، والاقتراب منها تطرف وإثارة للنعرات و"دعشنة" فكرية.

فعلى سبيل المقارنة، لم نسمع غلاة الليبرالية يعلقون على دعوة الأب رفعت بدر، المدير العام للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، بإدراج نصوص من الكتاب المقدس في المناهج الدراسية، ولم يعتبر هذا الطرح.

وحده الاسلام، في اعتقاد غلاة الليبرالية، من يحمل افكارا متطرفة ويدعو للعنف والارهاب والقتل وجز الرقاب ووأد المرأة واستعبادها ، وحده الاسلام من أعادنا الى عصور ما قبل التاريخ ، وحده الاسلام والتمسك به من جعلنا شعوبا متوحشة ورجعية ومتخلفة، ووحده الاسلام من انجب داعش والقاعدة وبوكو حرام والنصرة .. ، وحتى نلحق بركب التطور والحداثة علينا ان نخلع ثوب الاسلام ونرتدي ثوبا آخر حتى وان لم يكن على مقاسنا.

منذ أسابيع والكيان الصهيوني الارهابي يعيث فسادا في الضفة والقدس، ولكننا لم نسمع " لا حس ولا خبر" من دعاة التحرر والحداثة، ولم نسمع احدهم يقول ان الديانة اليهودية تحمل افكارا متطرفة تحرض على العنف وقتل الابرياء واحتلال الارض واغتصاب النساء. وفجأة يصبحون حماة للأديان إن تجرّأت على الربط بين اليهود والصهانية ، فما فعلت ذلك الا لأن مناهجك المتطرفة لم تعلمك احترام الاديان وقبول الاخر.

فمن يذبح الشعب الفلسطيني ويحتل أرضه هم صهاينة وليسوا يهودا ، اما داعش فهم مسلمون ، ومن يذبح الاقليات في بورما مجرمون وليسوا بوذيين، أما النصرة فهم مسلمون ، ومن ذبّح المسلمين في البوسنة مجرمو حرب وليسوا مسيحيين، وأما رجال القاعدة فهم مسلمون.

على أي حال، لا أحد ينكر الحاجة لتحديث الخطاب الديني و"فلترة" ما علق به من غبار الصراعات السياسية التاريخية و"الشعوذة الدينية"، غير أن الخطاب الليبرالي يحتاج هو الاخر لتحديث "وفلترة" لأفكار تتساوى في تطرفها مع الفكر الذي تحاربه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات