أسد قتلته ذبابة


فيما مضى يُحكى أن ذبابةً وقعت على قدم أسد، أدار برأسه اليها وأخذ يرمقها بنظراته الحداد، علّها تخاف او ترتدع، لم تعره اهتماماً قط، وبقيت تلعب بها وترتع منها كيفما تشاء، أخذته العزة بالاثم وأنسته حميته حمية الجاهلية الاولى مهام الملك ومسؤولياته العظام التي خلقه الله من أجلها، نسي حقيقتها وحقيقته وبدأ يراوغها عن جناحها وتراوغه هي عن ملكه، فما انفكت هي تطير وترجع.

ولا زال هو يتصاعد غضبه ويكبر، وتكبر غيرته على نفسه اكثر واكثر في كل مرة تحط على قدمه وتعود، وكأن تحديها للاسد العظيم ملك الغابة بدأ يعجبها، خُيّل اليها أنها أضحت نداً له وخصيماً، وهذا ما حصل؛ إذ صارت كلما جرحت هي كبرياءه أكثر –بسقوطها الحر على قدمه، صار هو يجرح في قدمه أكثر وأكثر.

لا زال الاسد عظيم الغابة يضربها بمخالب قدمه على القدم الاخرى، حتى شُجّت قدمه وانكسرت، ولم يعد يستطيع المشي عليها فكيف بالركض بها.

هذا الاسد العظيم صار كل من في الغابة يسبقه، ويستطيع الافلات منه، ودارت عليه دوائر الدنيا، وضاقت عليه بما رحبت، وأضحى كل ضعيف في الغابة يستضعفه، ويتشمت به، بل يتطاول عليه، وينتقم لا لشيء سوى انه كان فريسةً محتملة له لو استطاع الى الركض سبيلاً.

وصار الملك العظيم حاكم الغابة الاوحد، يتكفف من ذوي القربي من الاسود، ثم من ابناء فصيلته من الذائب والثعالب، ممن كانوا في الامس لا تكاد ايديهم تصل الى طعام الا من ورائه، فهاهم اليوم ينظرون اليه بأشفاق يخالطه بعض الاستحقار، ليلقوا اليه بما زاد عن حاجتهم او حتى مما عافته انفسهم من ميتة او موقوذة او فتات عظم.

صعبت على الاسد نفسه، وأخذ يبكي بحرقة في كل مرة يتذكر ماضيه فيها، حتى أدمت عيناه من البكاء، الآن فقط تذكر أنه أسد، وتذكر أنها ذبابة، هذا الاسد العظيم، هذا الذي كانت فرائسه تسلم ارواحها له قرباناً عله يحسن قتلتها، هذاالاسد العظيم، ملك الغابة كابراً عن كابر، اذا هو اليوم يتكفف الطعام من اراذل الحيوانات، هذه التي كانت تخاف حتى من النظر اليه، صار هو من يطيل النظر اليها علّها عليه تشفق.

سئل الاسد: يا ملك الغابة، ايها العظيم، ماذا كان ليحصل لو انك ابتعدت قليلاً عن مكان الذبابْ؟ فأجابْ:

كيف لي ان اتزحزح عن موضعي وانا ملك الغابة وعظيمها؟ كيف لي أن أرضخ من امام ذبابة حقيرة؟ بل وأنى لها هي أن تتحداني وتفرض رأيها علي اصلاً وأنا الملك العظيم؟

أيها الاسد المتكفف المتكفكف المسكين: لكنه ليس مكانك، انه مكان الذباب، هكذا خلقه الله لهم، وخلقهم له، وانت بكبرك هذا تحديت خالقك وخالقهم، ولو انك ايها المسكين تنزهت وترفعت، وعنه ابتعدت، لسلمت، وبقيت كما كنت دوماً كما عهدناك بما مضى، ملك الغابة العظيم.

أيها الاسد العظيم، تنقصك الكثيييييير من الحكمة، تماماً بقدر قوتك.

بهذا أيها الاسد، بجهلك حقيقة الذباب الحقير، وبجهلك حقيقة عظمتك، شُللت وقُهرت، وأدمى الذباب بمقلتك.

بهذا، وعلى هذا، مات الاسد، ملك الغابة العظيم كمداً وقهراً من قبلما ان يموت جوعاً، أسد قتلته ذبابة، هكذا كانوا يقولون ولم يعرفوا سر الذي حصل، ولا زالوا رغم ذلك ينشدون:

لا تحقرنّ صغيراً في مخاصمة .... إن الذبابة تدمي مقلة الاسد



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات