كفانا تنظيرا


عبارة نرددها كثيرا بوعي وغير وعي بحق وباطل، وهي تظهر وتخبوا من حين الى اخر، فاذا اشتد الفعل الفكري وقصّر العمل ظهرت وهنا تكون بحقها، وفي حين آخر تظهر مع بداية العمل الفكري وهنا تكون من باب حق يراد به باطل، فنحن نعلم او يجب ان نعلم ان اخر الفكرة اول العمل فكل فعل ناجح هو نتاج فكرة محكمة، والامعان في التنظير واجب لاتقان العمل، فبناء بيت اوله فكرة ثم ابحار في تفاصيل الشكل والاثات ... واخر الفكرة ان نبدأ العمل من الاساسات، فالتنظير أداة العمل المثمر وللخروج من مستنقعات الجهل والتخلف وويلاته علينا بالوعي الفكري أولا، فالحضارات لا يبنيها جهلة العمال، فما هم الا آلة المتفكر. 

واذا نظرنا الى من يتسلح بهذه العبارة نجده اما جاهلا يتخذها وسيلة للهروب امام مفكر، واما متسلطا يخشى ان يفلت الامر منه امام الوعي الفكري عند الشعب، فيعمل بهذه المقولة (كفاكم تنظيرا) ويفرضها تسلطا وعبودية فلا اريكم الا ما ارى، ونحن مبتلون بالفرد البطل والفرد المفكر والفرد الإله على شاكلة آلهة اليونان وابطالهم انصاف الالهة وهم طبقة النبلاء، والفاسدون عندنا، واما تابعا طامعا يُوحى اليه بان يرددها في مواجهة اهل الفكر والتفكر، واما متعلما عاجزا عن ايصال فكرته، واما من واع جاد استنفذ الفكر والتنظير له، وفي عالمنا الثالث هي اداة الجاهل والمتسلط، حتى الفعل الفكري كالندوات والقاءات واشكال الاحتجاج السلمي وغيره اعتبروه تنظيرا لا فائدة منه فهم يريدون الّا تفكر وأن تفعل ما ارادوا دون وعي بما تفعل هم لا يريدون ان يتشكل لديك وعي يؤدي الى فعل محكم، فيقطعون عليك الطريق بما تحسبه خيرا وحكمة.

الامعان في التفكير والتنظير من موجبات النجاح ومما اوهن حركات التحرر التي خرجت مدفوعة من شدة الظلم فلم تصل بثورتها الى ما ترجو غياب المناخ الفكري والتنظير المؤسس للنجاح، فالاحزاب ممنوعة لانها ترف فكري عند القائد الاوحد الذي لم تلد النساء غيره، والندوات كلام في الهواء، والمنابر لاهل الضرار فهو يسعى دائما لتسفيه احلام وعقول اصحاب الفكر وهذه المقولة من اسلحته وان لم يستطع سجن وقتل لانه يعلم خطر الوعي وخطر شيوع التنظير الفكري، فقد فرض الفرعون العربي حالة اللاوعي على الشعوب العربية واستخدمهم آلات في مزرعته فكانت النتيجة تخلف وهزيمة تلو الاخرى فضاعت اوطان، وعندما بدأت الشعوب تفكر وتنظِّر لنفسها قام الفرعون العربي بابادتهم عقابا لهم على التفكير، فالوطن لا يتسع لأكثر من مفكر. ومن سلم من سلطة الفرعون استطاع بما يسمونه تنظيرا ان يواجه العدو رغم سوء الحال وحصار الشقيق وفتك العدو.

لا بد من التنظير قبل العمل وما مرت به الامة في اخر عهدها لم يرق الى درجة التنظير الحقيقي الذي يؤدي الى الوعي العام، لكنه محاولات في ظل واقع مفاده ان للحيطان اذان تسمع، أو التنكيل أو السجن وأنت فيه رقم لا اسم لك أو القتل.

لا بد من جلوس مع الفكر والتفكير طويلا ومليا وغربلته من الشوائب حتى يسقط المندسون عليه والمثبطون، حتى تتضح الرؤيا وتتلاقح العقول وتتوافق على الحق والحرية والعدل، وبعد ذلك لا ضير من الاخذ بشيء من مقولة (كفانا تنظيرا).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات