خواطر عن مصر


كنت أقف وسط محل يمتلئ بما لذا و طاب من الخضروات و الفواكه...فوسط رحلة تَسَوُقْ بالأمس تحت أشعة الشمس الحارقة اشتريت بها بعض من المواد التموينية تذكرت اننا بحاجة لبعض من الخضار في المنزل، و كان على مقربة مني محل للخضروات يشتهر بعرضه لأحسن ما في السوق، فدخلته رغم علمي بأن أسعاره غالية عن ما تعرضه محلات تجارية ثانية، و وقفت لبعضٍ من الوقت أنظر الى أرفف المحل لأعزم بعدها على تفقد اليوسف أفندي (المندلينا)، فاقتربت منها و التقطت حبة منها...كان اللون البرتقالي البهي يتراقص أمام ناظراي تحت ضوء الشمس الساطع، رق قلبي لها لوهلة، فشعرت بأنها عزيزة جدا علي عن دون كل معروضات المحل، كان على الفاكهة ملصق باللغة الإنجليزية يفيد بأنها "حلوة"، نظرت من حولي باحثاً وراء مساعد مالك المتجر، اسمه عزت، و هو شاب مصري من منطقة المنيا،

ففي بلدي الأردن ما يقارب ثلاث مائة ألف مواطن مصري مكافح يعملون بمهن تتنوع ما بين الخشنة و الإدارية، بعرق جبينك تأكل خبزك و هذه سنة الحياة على كل جِنْس البشر فمنهم من يعمل شيال في الشوارع و عامل نظافة و عامل تنظيف في البيوت و نجار و لحام حديد و فني كهربائي و منهم من يعمل نادل بمطعم و مدير إداري بقطاع الفنادق، و صادفت منهم من يعمل مدير عام في شركات كبيرة و مجموعات إقتصادية موقرة...فبواقِعْ الأمر في داخل الاردن شريان حيوي رئيسي لجمهورية مصر العربية عن طريق هذه النسمة الكبيرة يزيد من لحمة قوميتنا العربية الأصيلة مع بعض نتقاسم رغيف واحدا معهم في بلادنا و في اردننا الحبيب،

بعد نظرة تفحصت من خلالها محل الخضار رأيت عزت يقف مع زبونة من زبائن المحل، فندهت له و سألته السؤال المعهود "إزاي القاهرة النهار ده؟!"

فأجابني بإبتسامة "والله القاهرة زي الفل يا فراس بيه..."

سألته و السعادة تملئ قلبي من لمسة هذه الفاكهة النضرة و الشهية و هي بين يداي "من أين هذه الفاكهة؟"

فقال لي "ديه من مصر..."

أدرت وجهي لبرهة من الزمن عنه لأنني ذرفت الدمع من عيناي، و سألته و انا اضع بعض من حبات اليوسفي في كيس صغير "و هل تأتي هذه الفاكهة الشهية دائما من مصر..."

قال لي و هو يهم لمساعدة سيدة مسنة آخرى "نعم...فهذه النوعية مطلوبة جدا بالأسواق"

عمار يا مصر، فها حياتك السياسية تعود لطبيعتها من جديد رويدا رويدا...و ها الوزارات تعمل بكفاءتها المعهودة من جديد...و ها نسرك البهي الذي يزين علمكِ الأنيق يُحَلِقْ بسماء العروبة من جديد...و ها فاكهتكِ عادت الى الأسواق بصورة مستقرة من جديد، أمضيت بعد هذه الحادثة تقريبا عشرة دقائق جمعت بها بعض من الخضار و الفواكه ثم حاسبت مالك المحل عليها و خرجت و أنا بعجلة من أمري، فقد كانت الساعة الواحدة ظهراً حينها، أمسكت حبة من حبات اليوسفي و قمت بتقشيرها ثم أكلت منها لأجد قلبي ينبض بالسعادة و الهنى...دمعت عيناي من جديد من الفرحة و البهجة فطعم عصير الفاكهة المصرية كان مذاقه حلو في فمي كعسل البراري الشهي...فذابت الفاكهة في فمي و ارتوي ظمأي من خيرات تراب مصر العزيزة...كانت في فمي قطرات لذيذة لفاكهة ارتوت أشجارها من مياه النيل الشهيرة التي تروي ارض مصر الخصبة و الغنية...خيرات مصر كانت بين يداي فما حرمتني منه المسافات قَرًبَهُ لي الزمن من خلال لحظة شعرت بها أن هذه الفاكهة حلقت وصل طيبة جدا...

لا أقصد تضخيم الأمور و تبهيرها...فقد يعتقد من يقراء هذه الأسطر أنني مُبَالِغْ بما أقول...و لكن العكس صحيح فأنا أعطي الأمور حقها لأن القومية العربية تنبض بدمائي من شدة الغلو على بلاد نشلتها يد الله القادرة من كارثة محققة...فقلبي ينبض بحب الأردن و مصر بصورة كبيرة جدا، فأذكر جيدا ما حصل في عقد التسعينيات حينما أتاني عم من أعمامي بزيارة الى المنزل، و كان يعمل بأمريكا منذ فترة زمنية طويلة، و ترجاني أن اسافر معه حيث قال لي بأن الفرص المهنية أقوى بأمريكا و سأنجز الكثير لو سافرت معه...فقلت له بأنني أشعر أن الاردن مسقط رأسي هو كنزي الحقيقي، و هذه بلادي التي أحب و التي اريد أن استقر بها، فالغريب سيبقى غريب في بلاد الغربة...أما في الأردن فأنا مواطن و اعيش في بلدي و سأموت في بلدي، و ها قلبي ينبض لتدفق شريان التجارة بيننا و بين مصر أم الدنيا...فحبة الفاكهة أدخلت السرور الى قلبي بصورة كبيرة لأنها قطعة من مصر الحبيبة..

أتمنى أن أزور مصر عن قريب لأزور اثارها الرائعة التي تركوها لنا سلف أنجزوا بكل عزم و ثقة، مشتهى قلبي أن أزور اروقة المدن الفرعونية القديمة و أن ألمس بيداي جدرانها العتيقة، اشتهي أن أسير بأروقة المتاحف في القاهرة بمعروضاتها النفيسة...و أن أشعر بدفئ شمس القاهرة حُبْ قلبي على جلدي و في كياني...البلاد التي وَهَبْتُ لها جزاءا يسيراً من كتاباتي، مشتهى قلبي أن أزور معارض كُتُبِهَا و أن تطئ قدماي شوارعها و أن أتكلم مع أهلها...كم أشتهي أن تذوب القاهرة في دمائي و كياني بافراح أهلها و أحزانها...فسيتحول دمي الى شربات...بل الى شراب ورد يسري في شرياني...هذا ما أشعر به حينما اشاهد فلم مصري...أو اسمع عن مهرجان فني مصري في القاهرة أو في محافظاتها العامرة...هذا ما يحدث لي حينما أقراء تاريخها القومي أو ارى صور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله أو الرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله...تذوب ألف وردة بدمائي و أشعر أن هذا التاريخ القومي الرائع يناديني لأتابع أخباركِ...لأصلي أن أطئ يوم من الايام ترابك الطهور يا مصر و أن قبل ارضك التي داسها المسيح له المجد و باركها ببركاته المجيدة...ألم تُلَقَبِي في التاريخ ببلاد الألف مأذنة سلام الله عليكِ و على أهلكِ الطيبين؟ هذا ما اشعر به حينما أسمع بإسمك يا حسناء الدول العربية لاصلي الى الله أن لا تغيب شمسه عن سماءكِ الرحبة و الواسعة و أن لا تشتاق لياليكِ الى إطلالة قمرها الحنون...قلبي مغرم بكِ و بحسنك العذب يا مليكة تتربع على عرش القومية العربية...يا جمالكِ و بهاءكِ بين دول العربية...حرسكِ الله يا مصر،



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات