قمع الصحافة وتكميم الأفواه؟


تُعد حرية الصحافة ركيزة اساسية من ركائز الديمقراطية الحقيقية في بلدان العالم التي تتمتع بالحقوق المدنية واحترام حقوق الانسان.
وفي الاردن بقيت الصحافة والاعلام لعقود، مجرد أبواق تروّج لتوجهات الحكومات المتعاقبة منذ تاسيس الدولة في عشرينات القرن الماضي وحتى اليوم؟
وقد استبشر الاردنيون خيرا، وخاصة دُعاة الصحافة والاعلام الحُر، بعد رياح التغيير التي هبّت على البلد، متأهبين لأن ياخذوا دورهم المنشود في توفير قاعدة المعرفة بمجريات الاحداث وتقديمها للجمهور كمادة موضوعية تلبي رغبات شرائح المجتمع كافة، حيث لكل من التوجهات قراء ومتابعين ومشجِعين ورافِدين.
ولكن ما لبثت الصحافة ومنتسبيها حتى واجهت محاولات وأد عنيفة تحت تاثير العنف والارهاب الذي ضرب اطنابالوطن العربي من اقصاه الى اقصاه خلال الخمس سنوات الماضية، حتى اصبح الوطن العربي اخطر مكان في العالم لممارسة هذه المهنة، بحسب التقارير والشهادات الدولية المتواترة، حيث تعرض مئات الصحفيين للقتل والاصابة والاختطاف والتعذيب والتهديد والتهجير، الذي يحس ابناء الصحافة ان قَتلهُ كان رسالة موت واضحة هدفها إلقاء الرعب في قلوب حاملي الأقلام التي لا تخشى لومةً.
وما زاد في الطين بلّة، ان قيود قوانين الطوارئ في البلدان العربيه وما أفرزته من محاصرة لحرية الصحافة وتجاوزات شنيعة على الصحفيين والمؤسسات الاعلامية بدعوى الاحترازات الأمنية، قد اخذت منحاً لا يمكن التغاضي عنه في ضوء تكرار تلك التجاوزات المُهينة من ضرب وسب وإهانة واعتقال وتهديد، وكأن من يريد ان يُصوِر الحدَث وينقله الى الرأي العام يقوم بكشف سر لا يريد المعنيين افشائه!!.
والأدهى من ذلك هو بروز ظاهرة استخدام الترهيب على الصحفيين من قِبل جهات سياسية بحيث اصبحت السلامة مرهونة بتجنب هذا الاتجاه والتغاضي عن ذلك الموضوع مجاملة او خضوعا لجهة معينة على حساب حرية الرأي والحياد والموضوعية.
الصحافة اليوم في الوطن تمرّ بمأزق كبير ومفترق طرق يمكن ان يؤدي بها الى الصمود والانطلاق على خلفية القوة المعنوية التي اكتسبها الصحفي العربي طوال سنوات الجحيم التي مرّت، كما يمكن ان يؤدي بها المفترق الاخر الى الهاوية تحت تاثير سياسة تكميم الأفواه ومحاولات صُنع بؤر هيمنة محليّة، في ظل اتجاه الأقلمة السائد في العالم العربي حاليا.
هنا تكمن مسؤولية الدولة عن هذا المرفق الحيوي من مرافق الديمقراطية المفتَرضة حيث تتواتر تصريحات الحكومة الداعية الى ضرورة احترام حرية الصحافة وعدم التجاوز على القائمين على هذه المهنة ومحاسبة المسيئين لها. ولكن، هل تم اتخاذ اجراءات فعلية لحماية الصحافة والصحفيين من المتجاوزين والمسيئين والمجرمين؟، وهل تُرجمت توجيهات الحكومة الى آلية فعلية ضمنت حقوق الصحفيين وعملت على معالجة مشاكلهم؟.
من جهة اخرى فإن محاولات تقنين الإعلام خطأ كبير أثبتته تجارب الأمم الاخرى التي سبقتنا في هذا المضمار، حيث يُترك الامر الى السلطات المختصة (القضائية) في معالجة تجاوزات الإعلام واساءاته تجاه الاخرين، وهذا الامر لن يتحقق إلا بترسيخ مبدأ الفَصل بين السُلطات والعمل به تفصيليا، بحيث ترى كل من مكونات السلطات الثلاث-التنفيذية والتشريعية والقضائية- الخط التي تقف عنده.
ان الصحافة، بالنسبة للسياسة والحكم، هي عبارة عن مرآة مزدوجة تعكس نوع ومستوى الأداء السياسي والحكومي على الجمهور ومن ثم تُرجِع الصدى المنقلب نحو الحكومة، لترى هذه الاخيرة مستوى الرضى لدى جمهورها.
كما انها تقوم بتشخيص نقاط القوة والضعف والخلل، والوقوف عليها بعين التحليل والتمحيص، من خلال نقلها للآراء والتحليلات ذات التوجهات المختلفة، ليتسنى للمتلقي اختيار ما يراه مناسبا مع توجهاته. ومن هنا ظهرت اهمية الصحافة والاعلام حتى دُعيت بـ السلطة الرابعة.
وعلى ضوء ما تقدم تبرز حاجة الصحافة والاعلام الملحّة في الاردن لعدة مطالب، اهمها:
1- توفير الحماية القانونية للصحفيين ومؤسسات الاعلام بما يضمن فعليا عدم التجاوز من قِبل الاجهزة السيااسيه بحيث ترى هذه الجهات ان هناك عواقب وعقوبات رادعة للمسيئين من افرادها تجاه الصحافة والاعلام.
2- دعم نقابات واتحادات الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني معنويا وماديا في سبيل تفعيل دورها واعطائها مساحة حركة وصلاحيات قانونية اكبر للدفاع عن نفسها تجاه التجاوزات والاعتداءات.
3- التركيز على زيادة الوعي الحقوقي لمنتسبي الجسم الصحفي من خلال زجّهم بدورات تأهيل مركزة حول حقوق الانسان وكيفية التعامل مع المواطنين والشرائح الاخرى من المجتمع.
ولا نبالغ اذا ما طالبنا السلطات المختصة بتوفير باحِثيِن اجتماعيِين واخصائيِين في علم النفس-خاصة في ظل تعرض افرادها لشتى انواع الضغوط في واجبهم اليومي.
ان مستقبل الديمقراطية في الاردن اليوم على المحك حيث القيام بقمع الصحافة وتكميم الافواه يعني الرجوع الى عصر الاستبداد والطغيان وعسكرة المجتمع.
كما ان نمو حرية التعبير وقيام الصحافة بدورها الحقيقي كسلطة رابعة يعني ازدهار الديمقراطية والتعددية وتطور المجتمع المدني



تعليقات القراء

عريب
صحيح ان هناك تكميم لافواه الصحفيين في بعض المجالات الا ان هناك تعد على الاخرين. تحت ستار حرية الصحافةفما بالك بالذين يشتمون رئيس الوزراء.لهم الحق ان يخالفوه الراي فقط وما بالك بمن اتهم بالرشوةوهوشريف
09-09-2015 02:39 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات