"الجردل" يا استاذ انيس منصور


بداية الثمانينات، و في مكاتب مجلة اكتوبر بالقاهرة بجانب مبنى التلفزيون "ماسبيرو "، في الطابق الثامن، التقيت الكانب و الصحفي الاستاذ انيس منصور، و كانت وصيته لي و انا في طريق عودتي الى عمان،" تذكر انه لا بد ان يمسح بك بلاط صاحبة الجلالة لتصل الى ما تريده في الصحافة".

نهاية التسعينات، و في مكاتب جريدة الاهرام، سلمت الاستاذ انيس منصور نسخة من رسالة قدمتها للحصول على الدكتوراه في الاعلام من الولايات المتحدة الامريكية، و كانت عن تاثير الاعلام في القرار السياسي الامريكي، و نزلت معه درجات السلم، لان مصاعد مبنى الاهرام وقت خروج الموظفين مزدحم اكثر من اتوبيسات القاهرة.

كلمة واحدة سمعتها منه،" شكرا على الاهداء، و لاتنسى بلاط صاحبة الجلالة".


نهاية العشرية الاولى من القرن الواحد و العشرين، قرأت ان الدلو، او السطل، او الجردل، هو اختراع من ثلاثة الاف و خمسمائة عام، و كان ذلك على صفحات الانترنت . و الدلو من "الادلاء"، و لكن في مهنة المتاعب تحول الى الادلاء بالاقوال مقابل كل كلمه وكل حرف امام صاحب "الجردل".

و تسائلت بين نفسي، الم يحن وقت الخروج من "الجردل " الخاص بصاحبة الجلالة، بعد ان مسح البلاط و الشبابيك و الابواب و الحمامات و قاعات المحاكم و اروقة الصحف؟. الم يحن ان تتغير المياه، ان تشطف الارضيات بماكينات عوضا عن بني ادم المسكين، و ان توضع الروائح الجميلة، و المنظفات و قاتلات البكتريا؟.

و توقفت عند "المماسح " و عند ما يطلقون عليه الخرق، التى عبارة عن قطع قماش من البسة مهترئة؟، الم يحن الوقت لتغيير الوضع المائي العام و ادوات المسح المهترئة؟.

في السابق كانت عملية مسح البلاط تتم بطرق مختلفة،سهلة و ميسرة، و لكن كانت تبقى ضمن مهنة المتاعب، و لكن اليوم، الامور اختلفت.

 اصبح الماء يأتي من بئر اصطناعي عوضا عن انهر مفتوحة و رياحين، به فجوات مفتعلة تسمح بمرور كميات معينة من الصحفيين والكتاب دون غيرهم، و مصاف تسمح بخلخلة مكثفة للاعلاميين، و يتم اختيار احجام و انواع من يمسح بهم هذا البلاط، و توضع انابيب تغليف امن صحافة مصمته غير منتجة، لتخرج فقط ما يريده اعوان الحاكم الهمام و اجهزته.


وتحت اشعة الفحص، يتم تعبئة الجردل، بوجود نفس "الخرق القديمة " و يمسح بلاط صاحبة الجلالة مجددا بمن يريد النجاح، و لكن اي مقاييس هي مقاييس هذا النجاح؟

تعبت استاذي الفاضل انيس منصور و لكن لم امل بعد و لن استسلم غدا، صحيح هو تعب المتعة، و لكن تعبت و انا اكتب بجانب اسماء لامعة في جرائد عربية عشرين عاما بلا مقابل او اجر مواز يحقق لي شراء شقة،و الاهم تعبت من مقص القص و اللزق من الرقيب، و علامات الحرق الصحفي للاحرف عالقة على ظهر الورق، وتعبت و انا اقدم برامج في فضائيات متنوعة و احصل على مكافأة توازي عشر بالمائة مما يحصل عليه وزير متقاعد، او مقدم بلا شهاده او علم، او شخص يقوم بأعمال مخجلة، ومع كل هذا ارتقيت سلم النظافة مع كل دور مطلوب فيه التنظيف بالماء و الجردل،حاولت ان يكون البلاط لامعا، و نظيفا، ولكن الم يحن وقت الخروج من الجردل؟

،اصبح الاعلام الحقيقي هو من لا يكتب او من لا يخرج او من لا يقدم و باتت الهجرة الى الغرب هي الامل و الالم معا، رغم الادعاء بالحريات و الصحف و الفضائيات التى تزيد في عددها عن عدد خصلات "ليلى و الذئب".


 بالله عليك دلني كيف يمكن يحمل الجردل عوضا عن البقاء فيه؟ متى يمكن كتابة عامود يومي في جريدة شرق اوسطية اوتقديم برنامجا في فضائية عربية للتميز لا للواسطه!!! . هل سييبقى الحلم مع" ماسح الاحذية "الهندي في فيلما مؤلما بمقدار ماسح البلاط الاعلامي؟. 

 ان لدي العديد عائلات و التزامات و لم يبق في العمر طويلا، عديد ممن يقفون يشاهدون من يجمع الثروات جراء الوقوف لمشاهدة عملية المسح بكل من اراد ان تكون تلك المهنة له و لاهله ووطنه.


. طابور طويل، مليء بالزملاء المبدعين و المتميزين الباحثين عن فرصة، وفرصة واحده في زمن "الشطف الاعلامي ".

لماذا لا نرى "لاري كنج " و "اوبرا وينفري " و "بيت سباستين " و "توماس فريدمان" و غيرهم في عالمنا العربي المليء بمن هم افضل مهنم و لكنهم بحاجة الى فرصة و مجال؟. لماذا النوافذ الاعلامية العربية مغلقة بالضبة و المفتاح؟، لماذا التقتير هنا و الحنفيات المفتوحة هناك رغم ان البيت واحد؟.

اعاود السؤال، هل بالامكان ان تعرف باسلوبك الرشيق و سعه اطلاعك ماهي مرحلة المسح، مرحلة البلل، مرحلة التنشيف، مرحلة التركيب، مرحلة المياه الكثيفة، مرحلة المسح على الناشف، مرحلة العزل، مرحلة التثبيت النهائي، مرحلة الهواء الطلق، و كم هي المدد المحددة لكل منها.

لعل فتح الشبابيك الاعلامية يساعد في عملية التهوية و التي هي متلازمة لعملية المسح و البلل.


بالامس توفى زميل يعمل في نفس الجردل، و نعاه زملائه و كأنها حالة افراج كاتب، وخلفه عائلة و اطفال بلا مورد.

ناهيك عن انواع" الجرادل" و تفاوتها بين الحديد و الالمنيوم و البلاستيك في السوق، و خراطيم المياه.

في النهاية الشعب يدفع اثمان المياه و ضرائبها دون رقابة "صاحبة الجلالة " الحقيقية.

و الماسح الضوئي يبدو انه ضوء نهاية النفق على صفحات اللاكترون لكن للخاصة لا العامة.
aftoukan@hotmail.com



تعليقات القراء

رائده
كعادتك دوما صديقنا د. طوقان.. ضربت فأصبت فأوجعت
لكن .. ليس لماذا .. بل لماذا تناسوا (الجلاوزة) أن ثمة "كبسة" زر عبر "الريموت كنترول" تنقلك الى قلب الحقيقة في الوقت الذي تجهد أدواتهم في التعتيم والتغييب والتهميش لكل وميض يقود لحقيقة!

اعلامنا العربي دون قناة ودون بوصلة ودون وجهة بفعل جهود مأسسة نهج الطبطبة والتواطأ والتبعية..

وإن!ا نصلي ..
17-11-2009 05:40 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات