الرئيس .. والتنمية .. وشارع التسكّع .. !



خرج رئيس البلدية من مكتبه باتجاه شارع التسكّع، وهو شارع تمت تسميته بهذا الاسم بسبب ارتياده من قبل أعداد كبيرة من المتعطلين عن العمل وبعض "السوسيولوجيين" في المدينة، وما أن وصل حتى فوجىء بمجموعة من الشباب يلتفّونّ حوله ويهتفون: يعيش الرئيس.. يعيش الرئيس، فما كان منه إلاّ أن صعد على حافّة جانبية بارزة "درجة مهترئة لمحل تجاري مغلق من سنوات بسبب أعمال صيانة لم تكتمل" وقال مخاطباً جمهوراً من مختلف الأعمار تجمّع حوله في الشارع: هذه مناسَبة عظيمة أغتنمها اليوم لأعلن لكم جميعاً عن إطلاق مشروع ضخم في المدينة، سوف يؤدي إلى تغيير وجهها، وتنشيط اقتصادها، وتشغيل أبنائها بالكامل، وسوف يجني أهلها فوائد جمّة جرّاء ذلك، أما المشروع فيتلخّص في بناء وحدات للمحاكاة، وحدائق حجريّة، ونافورة مياه ضخمة تنثر رذاذها في الأحياء البعيدة العالية ووسط المدينة، مضيفاً أن البعد الاقتصادي لهكذا مشروع يكمن في درجة التبريد الصيفي التي تنتجها النافورة، وتفريغ الطاقات الهائلة لشباب ورجال المدينة وحتى النساء المتقاعدات والكهول عبر دفعهم إلى ممارسة نشاط المحاكاة في وحدات المحاكاة التي سيتم إنشاؤها، ولا سيّما مساعدتهم في الربط بين الماضي والحاضر، مؤكّداً بأن الحدائق الحجرية ستخفف من كميات استهلاك المياه، كون الأشجار التي تحتضنها من النوع الذي لا يحتاج إلى مياه بقدر ما يحتاج إلى هواء وتربة خفيفة، فيما تهدف النافورة، التي تعمل بميكانيزم التكيّف المناخي "الاجتماعي" تلقائياً، إلى تلطيف الأجواء السياسية والحزبية وامتصاص الاحتقان والغضب الشعبي الناجم عن تعطّل عجلة التنمية لسنوات طويلة..!

ومضى رئيس البلدية يقول، بعد أن هبط عن الحافّة واستند إلى جدار آيل للسقوط: وسوف نبدأ فوراً، ولن ننتظر بدء تنفيذ المشروع، ببناء جسر ضخم يربط بين ضفتي المدينة لتسهيل عملية التبادل التجاري والزراعي "والسوسيولوجي" بينهما، مشيراً أن هذا المشروع يحتاج إلى تجديد التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، ومن ضمنها صندوق النقد البلدي العالمي من أجل توفير التمويل اللازم لتنفيذه، حيث سيشكّل هذا الجسر حجز الزاوية لبدء نهضة اقتصادية غير مسبوقة تُمهّد للمشروع الأول وتكون بمثابة بنية تحتية حقيقية متينة للبناء والتنمية. وقبل أن ينهي رئيس البلدية خطابه، بادَرَه شاب متسكّع كان مارّا في الشارع، واستمع إلى جزء من خطابه، قائلاً: ولماذا تأتي للإعلان عن مشروعاتك العملاقة هذه في شارع التسكّع.. ألم يكن من الأفضل أن تعلن عن ذلك في مؤتمر صحفي يحضره كبار مسؤولي ووجهاء وأعيان المدينة..؟! صفّق البعض فيما أحجم البعض عن التصفيق، وأومأ أحدهم هامساً في أذن الرئيس: إنه مخمور..!! فما كان من الرئيس إلاّ أنْ قال: هي المحاكاة ذاتها.. وانصرف عائداً إلى مكتبه.. فيما أخذ المتجمّعون ينظرون في وجوه بعضهم بذهول، ويرددون: تنمية.. تنمية.. تنمية.. يعيش الرئيس..!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات