شكراً وزير الداخلية


في مقاله في القدس العربي، يروى بسام بدارين حادثة ذات دلالة، ففي أثناء عبور وزير الداخلية سلامة حماد الشارع العام نحو مقره، لفت نظره عجوز يجاهد بصعوبة وهو يتنقل بين مكاتب وهيئات الوزارة في إطار مراجعة معاملة لها علاقة بالجنسية، وبعد الاستفسار عن المعاملة اختصر الوزير على الرجل العجوز العديد من المراحل ووقع معاملته في الشارع العام.

ثم اتخذ الوزير قرارا لوجستيا يغلق صفحة مراجعات دائرة الجنسية فخصص ثلاثة موظفين لاستقبال وتعبئة طلبات المراجعات لهذه الدائرة المهمة وأمر بتقديم النماذج مصورة وموثقة حسب الأصول و"مجانا" ووفقا للأصول القانونية.

ما يعنينا من هذه الحادثة، أن الوزير ربما الأشد كلاسيكية والأكثر بيروقراطية، ثار على الوضع القائم في دائرة حساسة، واتخذ قرارات سريعة لتسهيل المعاملات وسرعة إنجازها.

وأظن أن الوزير حماد لو قام بجولة ميدانية للدوائر التي تقدم خدمات مباشرة للمواطنين لوجد كثيراً من البيروقراطية والتعقيد والتلكؤ في تقديم الخدمات، ليس عن تعمد بالضرورة، ولكنه لسلسلة الإجراءات البيروقراطية التي لا يستطيع الموظف تجاوزها إلا بقرار جريء وحاسم من المسؤول الأول، خاصة وأن معظم المسؤولين يجبنون عن اتخاذ أي قرار خوفاً من تجاوز المرجعيات.

وكذلك لو قام كل مسؤول بالخروج من مكتبه، وتفقد أعمال دائرته ومكاتبها والخدمات التي تقدمها، وعمل على إصلاح أي خلل، وتسهيل العمل، وحل المشكلات والصعوبات، لتيسرت المعاملات، وأنجزت بسرعة، واختصر المراجعون كثيراً من الوقت والجهد. ولكن معظم المسؤولين للأسف لا يستطيعون ترك مكاتبهم المكيفة المريحة، ويتركون الأمور على غاربها، لا يأبهون لمعاناة المراجعين، وانتظارهم الطويل، وتشتتهم بين المكاتب بلا معنى.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، من يراجع عيادات مستشفى الزرقاء الجديد، بمبناه الفخم الكبير، وأجنحته اللانهائية، وتجهيزاته الكبيرة، وكادره الكبير، يتفاجئ أن العيادات القديمة على ضيقها كانت أسرع وأفضل وأسهل. وفي ظني أن مدير المستشفى لو كلف خاطره وتفقد الوضع في العيادات الخارجية لرأى بأم عينيه أن الوضع لا يطاق ولا يعقل؛ فالمريض يزداد مرضاً، والسليم يمرض، فهل يعقل أنه لمراجعة الطبيب يستلزم المريض خمسة طوابير، وخمس ساعات. أما المراجعة لصرف الدواء فقط، فيلزمها ثلاثة طوابير وثلاث ساعات، في المعدل. ثم أي بيروقراطية وأي عقلية تفرض على المريض مراجعة المستشفى شهرياً لصرف أدوية الأمراض المزمنة، وبالإمكان صرفها دفعة واحدة كل ثلاثة شهور مع كل مراجعة للطبيب.

قبل عشر سنوات تقريباً، راجعت وزارة التربية لاسترجاع مبلغ من الإمانات، استلزم الأمر عشرة توقيعات تقريباً، وساعة ونصف من التنقل بين المكاتب، وكل ذلك من أجل مبلغ ثمانية دنانير ونصف تصرف بشيك من البنك المركزي!!!

ما يحدث، يفرض على المسؤولين أن يخرجوا من كهوفهم، ويبحثوا عن حلول لأي مشكلة تعترض انسيابية الخدمة المقدمة للمراجعين، واختصار الخطوات غير الضرورية، وتسهيل الإجراءات ما أمكن، خاصة ونحن نتحدث عن عصر الحكومة الإلكترونية، وقواعد البيانات المحوسبة، والربط الإلكتروني.

وأخيراً، وعلى الرغم أنه لا يروق لي، لا أملك إلا أن أقول شكراً لوزير الداخلية سلامة حماد مبادرته وسنته الحسنة، والشكر لكل مسؤول يسعى للتخفيف عن المراجعين، ويشعرهم ببعض الأمل، وأنهم مواطنون يستحقون الاحترام والخدمة النوعية السريعة.



تعليقات القراء

دائرة الإذلال والتطفيش (المتابعة والتفتيش)
أسوأ دائرتين في الحكومة هم الضريبة والمتابعة والتفتيش إجراءات معقدة جدا لإنجاز معاملات تافهة جدا تدخل المواطن في متاهات الصعود والنزول لزيارة مكاتب متفرقة والبحث عن الموظفين الغير موجودين بمكاتبهم
07-08-2015 05:42 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات