اغلقوا المدارس والجامعات


في معرض تبريره لتهميش مبحث الحاسوب في المدارس؛ تمهيداً لإلغائه، يقول وزير التربية والتعليم أن الحاسوب مهارة لا تتطلب مبحثاً متخصصاً، وتكفي دورة تدريبية لاتقان هذه المهارة!
معنى كلام الوزير، أن كل الكليات والأقسام التي تدرس علوم الحاسوب في الجامعات لا ضرورة لها. وكل الجهود والأبحاث والدراسات مجرد عبث وغثاء وهراء. وكل المتخصصيين والأساتذة في الجامعات أخطأوا الطريق وضلوا السبيل. أما بيل جيتس ومارك زوكربيرج وجان كوم وغيرهم من عباقرة الحاسوب وتطبيقاته فمجرد أطفال أو معاتيه لم يُحسن آباؤهم تربيتهم وتوجيههم!
وحسب منطق الوزير، إذا سلمنا أنَّ الحاسوب مهارة، وكل مهارة تكفيها دورة لتعلمها، فكل العلوم بالتالي مهارات؛ الرياضيات مجرد عمليات حسابية بسيطة يمكن أن يتعلمها الطفل من والديه، والعلوم مجموعة من المهارات عن الحركة والضوء والخلية والجزيء يستطيع الطالب أن يتعلمها وحده، واللغة الإنجليزية يتعلمها الطالب من خلال الاستماع إلى بعض الإذاعات أو مشاهدة الأفلام، واللغة العربية مهارة وراثية لا تحتاج إلى أي دورة، أما القراءة والكتابة فهناك برامج تحول الكلام إلى نص وبالعكس، وبالتالي لا حاجة حقيقية للمدارس والجامعات، وليوقف الهدر المالي، وتوظف الأموال فيما يفيد البلاد والعباد!
أليس هذا ما نستنتجه من كلام الوزير الذي فتَّح عيوننا على فتوحات معرفية عبقرية، لم يلتفت إليها أحد من قبل؟! الحاسوب مهارة نعم، ولكنها مهارات لا تعد ولا تحصى، مهارات دونها خرط القتاد، مهارات تتضاعف كل يوم، وقد يفنى العالم النحرير قبل أن يتقن جانباً واحداً من جوانب الحاسوب المتشعبة.
الحاسوب ليس كما يظن الوزير مجرد ألعاب للتسلية، أو فيسبوك وتويتر، وليس ويندوز وورد، وليس ICDL فحسب. الحاسوب عالم كامل لا يستطيع أن يحيط به إلا هو سبحانه، بعد أن دخل في كل شيء، ولا يستغني عنه أي شيء: الحاسوب لغات برمجة بالآلاف، وبرامج تصميم بالآلاف، وأنظمة تشغيل بالعشرات، وشبكات هي أساس كل تواصل، وتحليل نظم، وحل مشكلات، وأنظمة عد، وإدارة معرفة، وتجارة إلكترونية، وحكومات إلكترونية، وتعلم عن بعد، وتعليم محوسب، ومكتبات إلكترونية، وبنوك إلكترونية، وصيانة، وأمن وحماية البيانات، وقواعد بيانات .... الخ.
الحاسوب بطاقة الدخول إلى المستقبل، وكل مجتمع متخلف في الحاسوب وتطبيقاته لا مكان له في المستقبل، إلا أن يكون خادماً لغيره، أو منعزلاً في الكهوف والأدغال. اتقان مهارات الحاسوب أصبح في بعض الدول شرطاً للتخلص من الأمية بمفهومها الجديد، ونحن في الأردن يُراد لنا أن ندخل الأمية مكرهين. كان العلم يتقدم بسرعة الصوت قبل عصر الحاسوب، ولكنه بعد الحاسوب أصبح يتقدم بسرعة الضوء، فلمصلحة من هذا الإصرار على العودة إلى الوراء؟!
الحاسوب وتطبيقاته لمن يعقل، ولبلد مثل الأردن فقير الموارد، قد يكون سفينة النجاة من الناحية الاقتصادية؛ فالدخل المتأتي من البرامج على اختلاف أنواعها، والشبكات، وبرامج الأمن والحماية، والتصميم بمختلف أنواعه، قد تدر دخلاً لا يقل عن 50 مليار دينار سنوياً إن وجدت إدارة مبدعة، ودعماً مناسباً، وعقولاً متفتحة مرنة تستشرف المستقبل، وتؤمن بالشباب وقدراتهم، وقبل ذلك تؤمن بقدرة الإنسان الأردني وإمكانياته، وحقه في العيش كما يعيش البشر. ونظرة على دول جنوب شرق آسيا والهند واليابان والصين وغيرها تعطيك الدليل الدامغ على ذلك. واطلاله على العم جوجل تطلعنا على القيمة المالية لشركات مثل ميكروسوفت، وأبل، والفيسبوك، وجوجل، وغيرها، مما تعجز عنه ثروات النفط والذهب والألماس واللؤلؤ.
دخل الحاسوب الأردن بقوة في بداية الألفية، عندما أصبح مبحثاُ إجبارياً للصفوف من 7-12، وما رافقه من ضرورة الحصول على شهادة ICDL وخاصة للمعلمين، مما أحدث ثورة على كافة الصُعد وخاصة في المجال الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وأوجد عشرات الألوف من الوظائف، ونشَّط الحركة التجارية، وغيَّر كثيراً من مفهومي الاتصال والتواصل، وقلَّص المسافات، وقلل الجهود، وخفَّض النفقات. وكان طموح الرؤية الملكية أن يكون الأردن مركزاً لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووادي السليكون في المنطقة، وأن يرفد دولها بحاجتها من الخبرات والكفاءات والبرامج، لأن الإنسان الأردني يستطيع أن يفعل المعجزات إن أطلق له العنان، ومهدت له السبل، وتوفرت له الظروف المناسبة، ولقي الدعم والتشجيع من المسؤولين.
نعم، مناهج الحاسوب في مدارسنا ضعيفة، ولا تتوافق وروح العصر؛ لأنها كتبت قبل عشر سنوات على الأقل، ولكن هذا أدعى إلى تعديلها وتطويرها، لا إلغاء المبحث من المدارس أو تهميشه. مناهج الحاسوب يجب أن تُعدَّل وتطور كل ثلاث سنوات لتتماشى مع التطورات المتسارعة في علوم الحاسوب، مع توفير بيئة تحتية وتجهيزات وأجهزة مناسبة، لتكون قادرة على خلق جيل متفاعل ومنتج ومبدع.
ولعلم وزير التربية، فإنَّ الحصول على شهادة ICDL شرط للتقدم لأي منصب في وزارة التربية، ابتداء من رئيس قسم أو مدير مدرسة، وبعض الوظائف تتطلب شهادة إنتل. وكل معلم لن يكون ناجحاً في عمله ما لم يمتلك مهارات حاسوبية متقدمة لا تقتصر على الأساسيات، بل لا بد من اتقان مهارة صناعة الأفلام، والتصميم، واستخدام اللوح التفاعلي، والبرمجة، وتوظيف الشبكات. وكل ذلك لن يتوافر في بيئة مدرسية تهمش الحاسوب، ولا تعترف بأهميته وضرورته الحياتية.
إنَّ توجه الوزارة لجعل مبحث الحاسوب ناجح/راسب في الثانوية العامة، له تبعات وآثار مدمرة على تعليم الحاسوب، ويضع الحاسوب في زاوية مظلمة، وينعكس سلباً على جميع الصفوف، عندما لا يهتم الطلبة بدراسة المبحث بشكل جدي، فتتراجع أهميته، مما ينعكس ذلك بالضرورة على الجامعات، التي ستضطر لوقف كثير من برامجها، وكل ذلك في النهاية سيؤدي إلى تراجع الإنتاجية في الحاسوب وتطبيقاته، وبالتالي قلة الدخل المتأتي وزيادة البطالة، والأهم تراجع الأردن عالمياً في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووأد الحلم، والتنكب للتوجيهات والرؤى الملكية.
وزير التربية يعلم، وأنا أعلم، والكل يعلم أن مجلس التربية ومجلس التخطيط لا يستطيعان أن يعترضا على قرار يرتأيه الوزير، ويبصمان له بعشرة أصابع لكل ما يقول، فلا معنى لتبرير قرار التهميش بموافقة المجلس أو المجلسين. فالأمر ليس بحاجة إلى استفتاء أو حتى مجرد تفكير، فالنكوص إلى الوراء مرفوض منطقاً وعقلاً لأنه ضد المستقبل، ضد التقدم، ضد التطور، ضد حقنا في تحقيق أحلام أطفالنا بغد مشرق آمن.
وللحديث بقية.



تعليقات القراء

معلم حاسوب
ابدعت استاذي...بطلنا تعرف شو اسم شهاداتنا...
12-07-2015 10:43 PM
معلم حاسوب غير الأولاني
بصراحة هيك أريح بالنسبة للتدريس

خلي الطلاب توخذ دورات ونفتح مراكز بالهبل

يعني ليش نتعب حالنا ونشد عليها اذا واحد بقرر مصير كل

بصراحة خلينا نعيش هيك شي 4 سنوات بدون
ونشوف كيف النتائج
13-07-2015 04:26 AM
ابو 0 يزيد
اشعرباني مناصرلطرفين لمعالي الوزيروللسيدكاتب المقال فكل منكماعلى حق.فكل شركةلهابرنامج مختلف عن الشركات الاخرىفتدرب فريقهاعليه.
فالحاسوب علم متكامل لايمكن الاستغناءعنه الان وفي مدارسنالعب واضاعةوقت.
13-07-2015 12:18 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات