يتساءل العالم اليوم ماذا دهى الشعوب العربية ؟


وما الذي يدعوها إلى هذه الانتفاضات والتظاهرات لإسقاط أنظمتها ؟ وهل الأمر مجرد تقليد وحذو حذو تونس ؟ الحقيقة أن هذه الانتفاضات كان من حتمية التاريخ كما يقال أن تحدث باعتبار ما تعيشه هذه الشعوب من إذلال على أيدي بعض حكامها الذين تمادوا في التسلط والظلم ، وصارت شعوبهم لا تساوي شيئا عندهم بل ربما اعتبروها مجرد قطعان من الأنعام يسوقونها كما يشاءون بالسياط على الظهور والسيوف على الرقاب . ومعلوم أن الإذلال له حدود ذلك أنه إذا بلغ مداه أو أقصى درجاته تحول إلى ثورة عارمة تهد حصون الظلم والطغيان . ولقد عاشت هذه الشعوب زمنا طويلا وهي تشاهد غيرها من شعوب العالم يتنسمون الحرية في كل مجالات الحياة ، يختارون حكامهم بكل حرية وعن طريق صناديق الاقتراع الزجاجية الشفافة ، ويتظاهرون بكل حرية ، وينتقدون حكامهم بكل حرية دون أن يكون وراءهم الحرس والمخبرين ، ودون خوف من مداهمات المخابرات الليلية والمعتقلات السرية والتغييب والتعذيب والتصفية التي لا يعلم سرها إلا عالم الغيب والشهادة جل جلاله ، ويحيون حياة كريمة تصون كرامتهم صيانة حقيقية وكاملة . وفي المقابل تقارن الشعوب العربية وضعيتها مع وضعية غيرها من شعوب العالم فتلاحظ أن حكامها قد فرضوا أنفسهم عليها فرضا حتى تحول الرؤساء إلى ملوك يورثون الرئاسة لأبنائهم دون أن يجدوا في ذلك حرجا ، وأن من يفوه بكلمة واحدة ضد هؤلاء الحكام يكون مصيره أسوأ مصير حتى بلغ الأمر أن يقال في الخالق سبحانه الكلام القبيح بل ويسب ويشتم تعالى كما يفعل السفهاء ولا أحد يحاسب على ذلك ، في حين إذا ما ذكر أحد هؤلاء الحكام بكلمة نقد واحدة ربما اختفى صاحبها إلا الأبد ، وأن لا كرامة في الحياة إذ الواجبات القاسية مفروضة بالقوة ، والحقوق المقابلة لها في حكم الضياع. وأمام هذه المقارنة بين عزة شعوب العالم وذلة الشعوب العربية تولدت في نفوس هذه الشعوب المقهورة عقدة الشعور بالدونية أمام باقي شعوب العالم ، وتفاقم أمر هذه العقدة حتى نفد صبر الشعوب المقهورة فحان أوان الانتفاضات والثورات الشعبية التي لا رجعة فيها بعد اليوم . ومعلوم أن الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية تركب ظهور الأنظمة العربية المستبدة من أجل تمرير سياساتها خصوصا توفير الأمن والبقاء للكيان الصهيوني المستنبت في قلب الأمة العربية عمدا من أجل إذلالها . وقد وجدت الإمبريالية ضالتها في هذه الأنظمة التي تخصص لها ما تسميه مساعدات من أجل الإمعان في إذلال شعوبها وتخويفها وصرفها عن الحقوق الضائعة في فلسطين وغيرها . والغريب أن الإمبريالية التي تحرص على تطبيق الديمقراطية مع شعوبها لا يعنيها أن تستفيد الشعوب العربية من الديمقراطية ، وتكتفي بمجرد تسويق شعارات الديمقراطية فقط التي وجدت كواقع ملموس بالنسبة للشعوب الغربية ، وكمجرد حلم بالنسبة للشعوب العربية . والإمبريالية تحشر اليوم أنفها في كل التظاهرات الشعبية العربية ، وتتظاهر بأنها تدعمها والحقيقة أنها تموه على وقوفها وراء الأنظمة العربية الفاسدة التي لا يعني وجودها سوى خدمة هذه الإمبريالية . وتحاول الإمبريالية ربح المزيد من الوقت من أجل إعداد بدائل عن الأنظمة النافقة بعدما ثارت الشعوب العربية ضدها . ومعلوم أن الإمبريالية لا تطيق نهضة الشعوب العربية لأن نهوضها يعني زوال مصالح الإمبريالية من العالم العربي ، ويعني زوال الكيان الصهيوني الدخيل ، لهذا لم تستطع الإمبريالية البقاء بعيدا عن شؤون العرب والمسلمين وثوراتهم ضد الفساد في بلادهم ، وهي تردد باستمرار أنها تتابع ما يحدث من ثورات عربية عن كثب ، والحقيقة أنها قلقة على مصالحها التي ظلت الأنظمة العربية والإسلامية تحرسها على حساب شعوبها المقهورة . وبالأمس صرح مسؤول أمريكي بأن المساعدات التي قدمت للنظام المصري لا تقدر بثمن ، وهي التي جعلت الجيش المصري قوة وازنة في المنطقة علما بأن الجيش المصري يقف منذ عقود مكتوف الأيدي محايدا عندنا يتعلق الأمر بفلسطين بل استعمل من أجل غزو العراق فقط. فما قاله هذا المسؤول عن جيش مصر يمكن تعميمه على الجيوش العربية التي تتلقى هذه المساعدات والتي لا تقدر بثمن على حد قول المسؤول الأمريكي من أجل جعلها محايدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والبلاد العربية المحتلة ، وبعيدة عن شعوبها بل جعلها أجهزة لقمع هذه الشعوب إذا ما فكرت في مواجهة الإمبريالية الداعمة للصهيونية . فالإمبريالية قلقة بشأن معاهدة كامب دفيد التي وفرت أكبر فرصة أمن وسلام للكيان الصهيوني ، وهي مؤخرا تنفخ في نار التخويف من الإسلاميين في مصر الذين لن يقبلوا بمعاهدة كامب ديفد أو بحصار غزة. وقد صرح المسؤول الأمريكي أنه لا يتوقع قبول الإسلاميين في مصر لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني ، ولكنه شبه مطمئن من أنهم لن يستطيعوا إلغاءها لأن تأثير المساعدات المقدمة للجيش المصري والتي لا تقدر بثمن أكبر من إرادة شعب مصر ومن إرادة الإسلاميين في اعتقاده . وتحاول الإمبريالية إنقاذ الأنظمة الآيلة للسقوط في العالمين العربي خصوصا تلك التي تخدم مصالحها عن طريق صبيب الأموال من أجل مساعدة الأنظمة الفاسدة على مساومة الثورات الشعبية عن طريق تخفيض أسعار المواد الاستهلاكية ، وكأن المشكل مشكل بطون هذه الشعوب فقط ، وليس مشكل كرامة مجروحة لا يداوي جرحها وعارها إلا إسقاط الأنظمة الفاسدة من أجل الانتقام من الإمبريالية والصهيونية الانتقام الحقيقي .



تعليقات القراء

ماجد الخالد
تحيه طيبه الى الكاتب وموقع جراسا لهم الف تحيه
12-07-2015 10:58 AM
اردني وهمي الوطن
مقال في قمة الروعه نشكر الكاتب
12-07-2015 10:58 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات