كلمات موجهة الى الدكتور أشرف زكي ردا على بيان نقابة المهن التمثيلية في القاهرة


هنالك لغة بين السطور لا تعجبني إطلاقا في هذا البيان الذي صدر منذ بضعة ايام من نقابة المهن التمثيلية في القاهرة، فقرأت ما تناقلته الصحف المصرية لأشعر بالصدمة الكبيرة، فالمسيرة الفنية (مسرح – سينما - دراما) في اي بلد في عالمنا هي جزء من الحركة الثقافية العامة التي تضم على سبيل المثال لا الحصر العلوم الاكاديمية و الحركة الفكرية و الأدبية و الإعلام و الحياة السياسية و الحياة الإقتصادية الخ، لذلك تتشكل الحركة الفنية بناءا على وجود هذه الحركة الثقافية و قد تخضع لمتغيرات كثيرة ايضا بناءا على معطيات عديدة منها طبيعة الحياة الإجتماعية السائدة في تلك البلاد و الحياة السياسية و الحوار السياسي السائد عموما و المشاكل الإقتصادية التي يختبرها مواطن الدولة، لذلك بوجود حريات دستورية تكفل و تدعم الحركة الأدبية و حرية الكتابة و التعبير عن الرأي تتأصل الحركة الفنية و تاخذ شكلها بناءا على هذه الحريات الأدبية ليصبح عندنا حركة فنية شاملة غير مصطنعة و غير خاضعة لتوجيهات من شأنها تحديد مسارها لتصبح مبرمجة المنشئ أو أوحادية الجانب، و مما يتنافى مع منطق حرية التعبير و صياغة اعمال تعكس الواقع الإجتماعي و هموم المواطن في تلك البلاد لتطرحه من خلال الحركة الفنية و الدرامية..

و مما يتعارض مع الديمقراطية المكفولة بدستور اي دولة مدنية، و حيث أن مصر دولة مدنية ذات مرجعية دينية و تتمتع بدستور ديمقراطي فإن تحديد اية ثوابت و منهجيات كالمطروحة بهذا البيان سيكون من شأنه قولبت الحركة الأدبية المَعْنِيَة بصياغة و كتابة الأعمال الدرامية الى مسارات محددة سيفقدها الواقعية التي يجب أن تتمتع بها، نحن لا نريد مِنْ الدراما أن تصنع واقع وهمي منافيا لما هو موجود على أرض الواقع بل نريد من اقلام كتابنا ان تَخُطً بإبداع الواقع و هم المواطن بصورة واقعية و طرح اية حلول ممكنة لها لذلك قولبت هذه الاقلام الى تجميل الواقع سيكون له إنعكاسات خطيرة على المسيرة الفنية في مصر.

أما بما يتعلق بالألفاظ النابية و تكرار صورة لا تُعَبِرْ عم منزلة القاهرة المثقفة في الأعمال الدرامية فهذا يتم علاجه بمخاطبة الشركات المنتجة بضرورة تنويع الاعمال الدرامية لتتعامل مع هموم أهل القاهرة المعاصرة بصورة شمولية بالافلام و المسلسلات الدرامية، فمثلا أرى بنقطة إستخدام الخطاب السيئ و الالفاظ الفقيرة بأنه يتعلق أولا و أخيرا بطبيعة الشخصية التي تتكلم بالسيناريو، فهل هذه الشخصية مثقفة ام تنحدر من بيئة سوقية؟ ما هي طبيعة هذه الشخصية؟ هنالك العديد من الأعمال الدرامية الإجتماعية التي تنطلق من واقع المشاكل الإجتماعية التي تعيشها مصر و لكن الشخصيات المشاركة بالسيناريو غالباً ما تكون من نَسْج خيال الكاتب لذلك هي شخصيات وهمية و لا تعني بالضرورة أن سلوك أهل القاهرة مربوط بها بصورة مباشرة، كما أن عمر الحركة الفنية في القاهرة هو ما يقارب 105 أعوام رأينا من خلالها ميلاد السينما بالقاهرة منذ أولى سنوات قرن العشرين الى ايامنا هذه حيث عاصرت السينما المصرية العديد من الحقبات الزمنية و تكلمت الفنون المصرية من خلال الفئات الفنية كافة فرأينا الفلم الإجتماعي و فلم الأكشن و العاطفي و السياسي و الرعب و الغنائي و فلم المغامرات...السينما المصرية سينما شاملة جدا و لا يعني أنها تتلخص بما نشاهده بعد ثورة 25 من يناير فقط، فما نراه هو ردة فعل على طبيعة المناخ الإجتماعي السائد بالقاهرة حاليا...لا غير.

أما بما يختص بخضوع العديد من الفنانين لسياسة المال مما له اثر سلبي على صورة الفنان المصري المبدع فنحن ننظر الى مناظر التعري بالأفلام بأنها حالة غير شرقية و لكنها ليست غريبة عن حضارات غربية تعيش تصالح تام مع إنسانيتها و تعتبر ان جسد المرأة ليست عيب فيدخل بشتى أنواع الفنون كالنحت و الرسم و الفنون الدرامية، فما نراه بأنه عيب و حالة شاذة عن مجتمعنا قد يكون أمر طبيعي في مجتمعات آخرى لذا لا أعلم إن كان إدانة هذا الأمر في بيان نقابتكم قد انحدر من باب تكفيره إنطلاقا من عقيدة دينية متشددة...أم أنه تمسك باعراف اجتماعية فقط؟ نحترم عاداتنا كعرب و تقاليدنا الشرقية و لكن السينما المصرية مليئة بأفلام تحتوي على ماظر تعري لم تنحدرمن عبث إطلاقا، بل ارتبطت بحالات ثقافية كانت تمر بها القاهرة بعصور سالفة اختبر بها المجتمع في مصر حريات سكنت في ديارنا لفترة من الوقت و ايديولوجيات سياسية ايضا انبثقت من ظروف سياسية عالمية عصفت بمنطقتنا و جلبتها معها الى ديارنا، و لا ننسى بُعْد آخر ترك تأثيره على الحركة الفنية و الدرامية بالقاهرة، فالمهرجانات العالمية التي تحتضنها القاهرة و التي تكون بالعادة مفتوحة على السينما في افريقيا و اوروبا و المشاركات الفنية للأفلام المصرية في مهرجان كان و المهرجنات الأوروبية تركت اثارها في مصر، فمما لا شك به أنه نتج عن هذه المشاركات و المهرجانات تبادل ثقافي كبير جدا مما أثرى الحركة الفنية بالقاهرة جدا.

لن أستفيض حول بيانكم أكثر من هذا، و لن أنسى توصيات الأمم المتحدة و لجانها المختصة التي توصي بضرورة أن يكون هنالك منهجية و آليات للتبادل الثقافي بين الدول و ضرورة وجود سياسات تمنع تقوقع البلدان حول ذاتها لتسمو و تتغذى قِيَمْ التسامح و قبول ثقافة الآخر بين ابناء الحضارات الإنسانية و بلدان العالم...ليكون الفن و الحركات الثقافية المتنوعة خير سفراء للبلدان لنقل القِيَمْ الفكرية و الثقافية و الإجتماعية بين دول العالم، ارجوكم حينما تتكلموا عن الفنون المصرية لا تختزلوها بحقبة محدودة أتت بعد ثورة 25 من يناير المباركة و التي نقدرها جدا لتشمل بعض المسلسلات التي تم إنتاجها بظروف قهرية جدا، بل يجب أن تكون رؤيتكم أشمل و أوسع من هذا البيان...فالعمر الفني لمصر هو 105 أعوام كما أسلفت نضجت به هذه السينما جدا و كانت خير ملهمة للحركات الفنية حول الوطن العربي...فلا تحطموا هيبة السينما المصرية بهذه البيانات التي تقتصر على رؤى محدودة جدا. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات