على رسلك يا وزير التربية


عزيزي وزير التربية... لا أشكك لحظةً في سلامة نيتك، ومدى إخلاصك، ونظافة يديك، وصدق وطنيتك، وجهودك الكبيرة، وحرصك الأكيد على خدمة هذا الوطن وأهله، وأعلم أنك تواصل الليل والنهار؛ سعياً للإصلاح والتغيير. ولكنَّ الأمور بنتائجها، وليس لحسن النوايا محل من الإعراب. كثير من أفكارك وخطواتك رائعة، ولكن طريقة اتخاذها وإجراءات تنفيذها، وطهيها على عجل، تُخرجها عن مسارها، وتؤدي إلى نتائج عكسية، وتتحول في حدِّ ذاتها إلى مشكلة تحتاج إلى حل.
عزيزي وزير التربية... مشكلتك فيمن حولك، فهم أحد ثلاث: الأول مُصفق لقراراتك، مادح لما تفعل، وهو في قرارة نفسه، لا يعي شيئاً. والثاني يُدرك عاقبة الأمور، ولكنه يخاف أن يُصارحك، أو حتى أن يُخالفك الرأي. والثالث: صامت لا يُصفق ولا يعي شيئاً، يميل حيث الرياح تميل. وهم في مجملهم عبء عليك، عالة على الوزارة، يُعطونك صورة مزيفة، ويُوهمونك بواقع مختلف.
ومما يزيد الطين بِلَّة، ما يصلك من تقارير مفبركة مزيفة، بعيدة عن الحقيقة والواقع؛ تُزين القبيح، وتُبرر الخطأ، وتُقلل من الخسائر، وتُعظِّم من صغير الإنجازات، وتُضخم من المديح والثناء. وفي المقابل تُشيطن كل مُخالف لك أو منتقد، وتصفهم بالأعداء، الخطرين على الوزارة والوزير، الذين يريدون بها وبه شراً، المتربصين بها، أصحاب الأجندة الخفية، المتعاونين مع الأعداء، الأقلام السوداء الحاقدة.
ومما لمسناه وسمعناه، فإنّك تُقرِّب إليك المداحين، وكل مادح كاذب. معسولي اللسان، الذين يُحسنون تدبيج مقالات الثناء والتعظيم والتفخيم، المسحجين المطبلين لك على كل إنجاز أو عمل أو قرار أو فكرة. وفي المقابل تُقصي وتُعادي وتُخاصم وتُحاكم وتوقف كل منتقد لك، معترض عليك، ناصح أمين، الذي يكشف لك مواطن الخلل والترهل والفساد، ويشير إلى القرارات المتسرعة والإجراءات غير السليمة. لكأنك تريد الجميع أن يكونوا لك مؤيدين مادحين مسبحين، يُعلنون لك الولاء في كل صغيرة وكبيرة، مع تحييد للعقل والرأي الآخر والمنطق السليم.
عزيزي الوزير... أذكرك بقول الصديق رضي الله عنه وأرضاه، عندما تولى الخلافة وصعد المنبر: " فإني قد وُليت عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة." وقول الفاروق رضي الله عنه: "أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقوّمني"، وقوله: "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها." فالله الله أن تتنكب سبيل هؤلاء الأصحاب الكرام. ولا تكن ممن قال الله فيهم: "ولكن لا تُحبون الناصحين".
تأكد أنَّ من ينصحك وينتقدك وإن قسى عليك، وحتى وإن لم يسعفه الكلم، وشط وشاط، فإنه يفعل غيرة عليك وهذا الوطن الذي نعيش فوق ترابه الطهور. غيرة على هذه الوزارة التي ننتمي إليها، وأفنينا زهرة عمرنا بين جنباتها، فما نحب لها إلا كل خير، وتُدمى قلوبنا مما نرى ونشاهد. فهل يُلام المحب إن اختلط عليه الكلام، ويُشنَّع على العاشق المستهام إن ناح وأقعده الغرام؟!
عزيزي الوزير... الأحرى أن تشدَّ على يد من ينتقدك ويعترض قراراتك، ويكشف مواطن الخلل والقصور، بل وتحرص على متابعتهم، وتفحص ما يكتبون، لا يُخرجك المكتوب للتربص بالكاتب. فهم عيونك المبصرة، مرآتك الصافية، أعوان الصدق، مَنْ سخرهم الله لتقديم الخدمات المجانية لك. فتحقق مما يكتبون، فإن كان حقاً، فأنت أولى أن تتبع الحق، وتعدل إلى الصواب، وتصلح الخلل. وإن كان ما كتبوه غير ذلك، فأعرض، فما أهمك ولا يزيدك إلا عزماً وتصميماً على تقديم الأفضل، وإن بينت لهم وجه الصواب، فهذا تلطف منك وفضل، وتلمس لطريق الحقيقة التي تخفى على كثير من الناس.
من يكتب، فإنما من وجه نظره، وزاوية رؤيته، ولا معصوم إلا الأنبياء، ولا تكتمل الصورة إلا بسماع جميع وجهات النظر، وتبصر جميع الزوايا، وهذه يعجز عنها الكثير، ولكن يُعذر من أخطأ، ولا يُلام من جُنِّب الصواب، وحسبه أنه اجتهد رغبة في الإصلاح.
عزيزي الوزير... ما يدفعنا أن نُتعب أنفسنا، ونكتب منتقدين ومعترضين، ونغامر بوظائفنا، ونقلق من حولنا؟ وفي المديح والثناء والتزلف سبيل لمن أراد الوصول. أم أتحسب أنَّ من ينتقدونك يتوسلون مناصب ومكاسب؟؟... هيهات هيهات، فما هذا هو السبيل، وما أغنانا عن كل ذلك بتمسيح الجوخ، والتزلف لكل مسؤول، والنفاق لصاحب القرار، والذيلية لمن بيده الأمر. وما أصغرها من مناصب إن صغرت النفوس وفقدت كرامتها وكبريائها، وما أبخسها من مكاسب، إن خسر المرء نفسه وضميره واحترامه لنفسه؟!
أو تظن أننا نعجز عن تدبيح المدائح، وكتابة معلقات التصفيق والتسحيج، فما أسهل ذلك، وما أيسره، ناهيك عن سلامة البدن، وتجنب الملامة والمساءلة، وإيثار السلامة. ووالله إنا لنحسن أن نكتب مديحاً يعجز عنه كل مادح لك، ونسطر صفحات من التمجيد والتعظيم ما يُذهل العقول، ويربط الألسنة. وإننا لقادرون أن نجعل من الحبة قبة، ومن الشر خيراً، ومن الخطأ فتحاً، ومن الترهل قدرة، ومن الفساد حكمة، ومن العجز والتقصير تخطيطاً وتبصراً. ولكننا إن فعلنا فقد خدعناك، وغششناك، وأفسدنا عليك دينك وربما من قبل دنياك، وأوهمناك بالسراب ماءً، والسواد فرساناً، والأقزام عمالقة، والهباء غيوماً ماطرة. ولا أظنك –في قرارة نفسك ودخيلتك- بما جُبلت عليه من فطرة سليمة، وتربية عميقة، ترضى بهذا، بل تأباه وتنفر منه، ولكن شياطين الإنس من حولك يزينون لك، ويزخرفون لك القول غروراً، وأنت عن ثقة فيهم تحسب أنهم ناصحون محبون، وما هم إلا أعداء مبغضون لك، ولو أحبوك ولو ذرة لنصحوك، أو لكفت ألسنتهم عن النفاق والكذب، وزخرفة القول، وتزييف الحقائق، وشيطنة الخلق.
عزيزي الوزير... أتظن أن من ينتقدونك، متفرغين للذم، متربصين بكل خطأ؟ لا والله، إنهم أصحاب رأي وفكر ورؤية ورسالة، لديهم أفكار ومشاريع وبرامج ومقترحات ومعالجات، قادرة على التغيير والإصلاح، ولكن سُدَّت في وجوههم السُبل، وأوصدت دونهم الأبواب، وصدهم عنك الحجاب، فما وجدوا غير القلم سبيلاً، والصحافة منبراً، ورفع الصوت وسيلة.
عزيزي الوزير... نحن وإياك في مركب واحد، يسؤونا ما يسوؤك، ويسرنا ما يسرك، ووالله إنَّ قلوبنا تقطر دماً، وأفئدتنا تعتصر ألماً، ويكاد يقعدنا الحزن والألم لما يحدث من سوء في وزارة التربية، فلا يُرضينا إلا أن تكون في أحسن حال، وزارة ناجحة متميزة، تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها. ووالله إن الغيرة تكاد تقتلنا عندما يُقال أن الدولة الفلانية نالت المركز الأول في جودة التعليم، ونحن نقبع في مراتب متأخرة، نقارن أنفسنا بمن هم أقل من شأناً ومكانة، وليس هذا مقام الكرام!
عزيزي الوزير... أوشكتُ وإياك بلوغ نهاية الشوط، وخاتمة المطاف، ولم يبق من العمر إلا أقله، أياماً معدودات، ولن ينفعنا إلا أن نتواضع للخلق، نتعبد إلى الله بخدمتهم والتقرب إليهم، ولين الجانب لهم، وتحسس مشكلاتهم، والتخفيف من آلامهم، والقيام على أمورهم وشؤونهم. وأعلم أن رعيتك من معلمين وطلبة، يحتاجون إلى من يتفهمهم، ويحنو عليهم، ويراعي مشاعرهم ومشكلاتهم، ويرأف بحالهم، فقد تكالبت عليهم ظروف قاسية، وصعاب كثيرة، ومشكلات متراكمة. فليس لهم إلا الله وحده، وصفوة الخلق من عباده الذين سخرهم ووفقهم لنيل الحظوة عنده، وأدعو الله أن تكون منهم، فالله الله فيهم، لا تفوتك الفرصة، ولا تصدنك عن الحقيقة خيوط العنكبوت، وألسنة السوء، ومدائح السحيجة، وسحائب الدخان. وأعيذك أن تُصغي لمن يُعسِّل الزقوم، ويرفعك نفاقاً فوق النجوم، تحسبه تقياً وهو ظلوم غشوم، لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة وهو مذموم.
وختاماً عزيزي الوزير... أُمرنا أن نقول كلمة الحق –من وجه نظرنا- لا نريد جزاءً ولا شكوراً، فإن قبلتها فأنت أحق بها، وأولى أن تتبعها وتتمسك بها، وأرباً بك أن تُعرض عنها، أو تأخذك العزة بالإثم، فليس هذا مقام المسؤول، المنوط به رعاية العباد والقيام على خدمتهم. وما أحسبك إلا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، لا يبتغون فيما يفعلون إلا الله والدار الآخرة، لا يخافون في الله لومة لائم، لا ينشدون إلا تقوى الله، بالعدل والقسطاس بين عباده.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وألزمك كلمة التقوى، ويسرك لخدمة العباد، والسير على طريق الخير والرشاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



تعليقات القراء

حمدان1
اريد ان اعمل مداخلة ربما تتناسب وكلامك ، توجد نسبة كبيرة ممن احيلوا على التقاعد من ذوي السرائر النقية والعمل الجاد ، وكنت اعرفهم عن قرب ، والله من وراء القصد.
14-06-2015 11:01 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات