عـــرار تراث اردني خالد


جراسا -

أثيل محمد سعيد حتامله

( أنا لم أتجاوز الحقيقة إذا قلت بأنني ما عرفت قوماً أو شعباً أحبوا شاعراً كما أحب الأردنيون شاعرهم "عرار" حباً ليس فيه لأفكارهم ومشاعرهم حدود – كيف لا ! – وهو الذي هندس المنظومة القيمية لمجتمعهم وتميز فيها كصفة مع ولده وصفي الذي أحرق ملفات المواطنين في عهده كما كان والده يحرق ملفات المرابين في زمنه، ليصبحوا أحراراً في آرائهم وأفكارهم وتصوراتهم وتطلعاتهم ليبقى الوئام بين الحاكم والمحكوم، وهذه صفة توافقت فيهما على قوة نادرة وتلاقت إلى غاية واحدة هي في حبهما للشعب وحب الشعب لهما .)


أنا لا أعود للتاريخ كنمط أقصد منه الحوادث والأنباء، ولكن كوصف ودراسة لأحوال شاعر فحل كان يرى الحياة من خلال رؤيته الداداتية، وكدلالة على خصائص شعره الذي كان أول الميادين الثورية على واقع مرفوض.

كان عرار شاعراً أردنياً حياة وعطاء، يذوب عشقاً بوطنه، له في كل أرض صبابة، وفي كل بقعة منه غرام ماحق مبيد، تغنى به وخاض من أجله كل هول. شاعراً صنع في عقول الأردنيين وقلوبهم ما عجز عنه شعراء عصره وزمانه .

كان عرار رجلاً صلباً لم تستطع قسوة الأحداث أن تقهره، ليتنصل من أهدافه ويتخلى عن مطامحه. كان مفكراً إيجابياً تشكل فكره خارج نطاق التأثر بالمناخات السائدة في عصره، وأديباً يشهد له شعره ونثره وأدبه بأنه من المشتغلين بالعلوم اللغوية، وأن أدبه خال من السمات الإصطلاحية لا يعرف البهرج ولا التزويق إلا في الحدود المقبولة في الصناعة الشعرية، ولو قيل أنه كان شاعراً جاهلياً ينطق بالفطرة والسليقة وأنه أمي لا يعرف القراءة لجاز ذلك في أذهان من يجهلون مكانته، لأنهم لو نظروا إلى معاني أشعاره لوجدوها مقدودة من تجاربه منحوتة من عزائمه، وأن النظر فيها يعود إلى أقباس الفحولة والبطولة التي تدخل على شعبه الهدوء كما يريد وعلى أعداءه جبروت النار والحديد.

عرار سيظل في قلوب الأردنيين معززاً مكرماً بحفاوة التقدير والإعجاب، إن ذكروه جَلت الذكرى أحزانهم، وإن زاروا مقامه عرفوا كيف تغور الكواكب في التراب . وقد زرته يوما لاستقراء ما خفي من المأثور عن حياته وسيرته وما غفل النقاد عنه في المعاني الإنسانية بأعماله وتصرفاته وأشعاره.
وكم كانت فرحتي وأنا أقف أمام شاعر لم يزن التاريخ بموازينه رجلاً مثله، فيه من شمائل الخصال ما يرفع أقدار الرجال، لو خرج من قبره لعانقته معانقة الشقيق للشقيق، وطبعت على جبينه قبلة الإعتراف بفضله، ولكنني رحت أتمتم : ليتك تشعر يا عرار وأنا أقف أمام قبرك مشدوهة مشلولة مريضة في أحاسيسي ومشاعري لا أجيد غير تصوير الأسى وترجيع الأنين .

ليتك يا سيدي تنفض الغبار عن جدار صمتك وترفع الحجب عن أسرار قلبك وسرائر عبقريتك التي كانت تجيش دائما بكرائم المقاصد وشرائف الغايات لتحدثنا عن العلا والمعاني ، لأننا في ظمأ إلى فهم روحك وحنين إلى روائعك التي لم يعرف نظيرها الأدب ولم يشهد مثيلها الخيال، لقد كنت شاهد عصرك الذي انعكست مأساته في وجدانك، وتمثلت أبعاده السياسية والإجتماعية والأدبية في تجربتك التي كنت تنزع فيها إلى الشمول وتحول الحدس الفردي إلى رمز شامل بعيد الرؤيا في ظلمة الزمن والجهل .

ها أنذا تأخذني مسحة من الشجن الكوني الذي أستشعره وأنا أقف أمام قبرك ملتاعة أعاني من لظى الشوق، وأوار النوى الطاغي ... تتردد في سمعي مقولتك التي لا تعرف الأضداد : ( إن كل لغات البشر تتشابه عندما يسيرون فوق الشوك فالكل يقول آه ) رحم الله عراراً وجعله تراثاً باقياً في حياتنا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات