فلم واحد صفر و خواطر عنه


واحد صفر هي نتيجة مباراة مصر مع الكاميرون حيث تفوز مصر بهذه المباراة الكبيرة في الفلم، و هي النتيجة التي تذوب بها أحزان أبطاله في آخر مشاهده الرائعة وسط فرحة عارمة كبرى تثلج الصدر تجتاح الشوارع المصرية نتيجة هذه المباراة، في واقع الأمر ينتهي هذا العمل الدرامي في ختام يوم قاسي أخبرتنا عنه المخرجة الموهوبة (مع حفظ الالقاب) كاملة بو ذكرى و الفنانين المشاركين بعد قصة كفاح عدة عائلات من طبقات مختلفة من المجتمع المصري مع ظروفهم المريرة و الفساد في المجتمع، هذا العمل هو من الفئة الإجتماعية و من تأليف مريم نعوم و من بطولة نخبة من ألمع نجوم الفن المصري و من بينهم الجميلة و القديرة ألهام شاهين و خالد أبو النجا و نيللي كريم و أحمد الفيشاوي و زينة و الراحل حسين الإمام و إنتصار و لطفي لبيب و عايدة رياض،
الفن المتقن سيلاقي رواج كبير بين الناس، و الافلام التي يتم انتاجها بِحِرَفِيَة عالية ستلاقي مديح صادق من اقلام الكتاب المتابعين للدراما، فحينما تبدء مشاهد هذا الفلم يسلط الضوء فورا على تعب و كفاح ريهام (نيللي كريم)، و تنتمي ريهام الى اسرة من الطبقة المكافحة التي تكاد أن يفي دخلها بأبسط احتياجاتها المعيشية، فنرى هذه السيدة تسير على أقدامها بكل جَلَدْ و صبر لتزور بيوت المرضى كي تعطيهم الحُقَنْ في موعدها مقابل أجور بسيطة، و مع مرور أحداث هذا العمل يتضح لنا بصورة أوضح أن هذه الأجور تكاد تكفيها مصروف تنقلها و طعامها، ريهام إمرأة متدينة فنراها في الفلم بجلباب المحجبات حسنة السيرة و السلوك تصلي الفرائض في موعدها، فتكون سيرتها سيرة المؤمنات الصالحات...بعكس قصة محزنة جدا في حياتها و في أسرتها، فتتباين شخصيتها بقوة مع شخصيات شقيقتها نادية، و اسم شهرتها نينا (زينة)،
في حقيقة الأمر نادية أشبه بظاهرة فنية جعلها عَوَزْ أسرتها و الخوف و الآلم من الفقر و الجوع على السير في طريق مؤلم جدا نحو بناء شهرتها كمغنية، فنراها ترافق منتج مصري مشهور اسمه سليم (حسن الإمام رحمه الله) ليساعدها بعبور السُلًم المهني بصورة سريعة و عشوائية نحو الشهرة، و هذا التباين بين شخصيات الشقيقات يسمى بالإنجلزية
Character contrast
حيث نرى كفاح ريهام من خلال مشاهد هذا الفلم و تحملها لقسوة ظروفها و أصرارها على التمسك بحياة المؤمنة و كفاحها اليومي بزيارة بيوت المرضى يختلف بشدة و يتباين مع الحياة المنفتحة و الجريئة التي تتسم بالحرية التي تعيشها نادية...اي هم نقيدين بهذا الفلم، فنراها ترافق سليم بصورة علانية بالمجتمع في تنقلاته و ظهوراته...بل حتى تعيش معه بنفس المنزل حيث تعاشره كعشيقة له بالفراش،
في حقيقة الأمر نرى نقاش حاد بين ريهام و نادية حول سلوكها الجريئ هذا في اثناء زيارة نادية لأهلها في الحي الفقير الذي يقيمون به، فحينما تعايرها ريهام على ما تفعل بحياتها المهنية و الشخصية تطلق نادية عبارات نارية نعلم من خلالها كم أن قلقها على أسرتها من حالة الفقر التي تعيشها أجبرها على سلوك هذا الدرب لتأمين قوتها و قوت أسرتها، فالمدخول التي تؤمنه لأسرتها ضروري جدا لكي لا تهلك هذه الاسرة و تغرق بِعَوَزْ أكثر من التي تعيشه، فالطريق التي أخذته نادية في حياتها بالنسبة اليها عبارة عن تضحية شخصية لكي تساعد أسرتها و لكي ايضا تؤمن لها الشهرة الفنية التي سَتَدُرٌ عليها المال الوفير بالمستقبل القريب...
الكارثة في حياة نينا أن سليم عبارة عن مستثمر و غني يريد أن يتمتع بما تجلبه له نقوده من نساء و رفاهية و متاع حتى و ان كان هذا على حساب عواطف و احاسيس رفيقته، و نينا بالنسبة اليه مشروع يجلب له النقود لا أكثر، فنرى له موقف غير انساني في حانة الشرب التي يسهر بها لمشاهدة نتيجة المباراة مع نينا و أصدقائه، فمع رشفات الكحول الحادة التي تسكره رويدا رويدا يظهر الوحش البشع التي تغطيه البسمة الحنونة التي يظهرها لنينا...فحينما تطالبه بشقة لها ولأهلها تفقده كلماتها ضبط النفس و يبدء بالصراخ بوجهها رافضا اصرارها على الشقة...بل تصل به الأمور لطردها من حياته أمام الجماهير الحاشدة في حانة الشرب،
قصة نينا ربما قد تكون مُسْتَلْهَمَة من واقع مؤلم أختبرته عدد من نجمات الفن بالعالم الفني عموما في مصر و الوطن العربي، فمما لا شك به أن الإمرأة التي تسلم جسدها لأي رجل من دون حب حقيقي و زواج ديني لن تكسب احترامه و تقديره لها إطلاقا، و خصوصا إذا علم الزوج أن ارتباط هذه الفتاة به هو للمصلحة...لأنه إذا لم يكن الحب و الإحترام سيد الموقف لبناء العلاقة الزوجية سيصبح الإرتباط معادلة عمل او "بزنس" و عند هذه النقطة قد تكون لحظات الجنس العابرة هي سيدة الموقف بدل من اساسات متينة من التفاهم و الإنسجام لتربط الطرفين معا بعلاقة حب متزنة...و هذه كارثة بحد ذاتها لأن هذا النوع من الزواج سينتهي بعد فترة قصيرة من الوقت و قد تكون نهايته مؤلمة للإمرأة...لأنها بهذه المعادلة ستكون سلعة سيتلذذ بها الرجل لفترة من الوقت ثم يبعدها خارج حياته...و هذه هي المعادلة التي سادة بين سليم و زينة...أنا شخصيا مقتنع أن زينة ضحية في أسرتها...كبش فداء لهموم أسرتها فَرَأَتْ أنها مُجْبَرَة لِتُضَحي بأثمن ما تملك الذي هو شرفها لتنقذ أسرتها من ذل الفقر و العَوَزْ، و يا ليت استطاع سليم تفهم دوافعها للإنخراط معه بهذه العلاقة العلمانية...بل كانت نظرته التلقيدية كرجل سيدة الموقف فَوَجًهَ لها إهانة كبرى الى صميم كرامتها كإمرأة في حانة الشرب...و لعل زينة فهمت حينها أنها بلا كرامة في عيون سليم فسرعان ما عادت اليه بعد ثورة الغضب التي تَمَلًكَتْهُ...حتى عندما قال لها "لو عندك كرامة مش حترجعيلي تاني"...و لكن مما لا شك به أنها فهمت أمور كثيرة في هذا الموقف...و رَضِيَتْ بما جَنَتْ قراراتها عليها،
يعرفنا هذا العمل الدسم على نيفين، و هي إمرأة مسيحية تعاني من ضغوطات كبيرة في حياتها، فبعد زواج دام بضعة سنين و حسبما تروي الشخصية بنفسها ذاقت فيهم المُرْ و الحزن قررت اللجوء للقانون لكي تنفصل رسميا و قانونيا عن زوجها، فنيفين تريد الزواج من أعلامي اسمه شريف (خالد ابوالنجا) استطاعت بعد أن هجرت زوجها السابق بناء علاقة عاطفية معه، و تريد ايضا إنجاب الأطفال حتى و هي بِسِنْ الأربعين، إنها إمرأة ذات شخصية قوية و صاحبة موقف و قرار و لكنها تقع فريسة لقانون كنسي غير مَرِنْ لا يتيح الطلاق بصورة سهلة إلا بحالات محددة جدا من جهة و رجل ينغمس معها في علاقة حب من دون أن تعلم بأنه مجرد عابث لا يستطيع تحمل مسؤلية الزواج من جهة آخرى، فحتى عندما تعلم أنها حامل و تتأكد من النتيجة بعد زيارة للطبيب تصيبها الصدمة من ردة فعله حينما تخبره الخبر، فيلومها على عدم مشاورته قبل هذا القرار الحساس...فتنكشف بسهولة نوايا شريف بأنه كان يلهو معها فقط لا غير،
تثور نيفين بعد أن يخبرها شريف عدم نيته الإرتباط بها لنرى الهموم تتكاثر فوق رأسها، ففي أحشائها طفل من شريف قد يكون ورقتها الرابحة لكي ترغم الكنيسة الموافقة على الطلاق لكي ترتبط بالآب الشرعي لإبنها، فهي تحاول تكوين لذاتها حياة زوجية سعيدة عِوَضْ عن الخبرة المحزنة التي مَرًتْ بها في الماضي، في كل الظروف من المؤسف أن تتحمل نيفين مسؤلية هذا الحمل بمفردها حتى و إن تفاجئ شريكها بأنباء حملها، فهي إمرأة تعاني من ضغوطات كبيرة نتيجة موقف الكنيسة من زواجها السابق كما أن الحمل هو فرحة و بهجة في حياتها فعدم سرور شريكها به هو صدمة جديدة لم تكن في حسبانها على الإطلاق...
يعمل عادل (أحمد الفيشاوي) "كوافير" في صالون نسائي، و هو شاب مكافح و طموح ابن لإمرأة اسمها هدى (إنتصار) تعمل بائعة متجولة لمستحضرات تجميل البشرة، في حقيقة الأمر عمل هدى متعب جدا و يحمل لها الأخبار الطيبة مع الزبون الراضي عن منتجها و الأخبار السيئة مع زبائن آخرين تأثروا بصورة سلبية من هذه المستحضرات التي تبيعها، ففي حادثة مؤلمة حملت لها التوبيخ الحاد و المعاملة الخشنة من زبونة لمستحضرها تعرضت هدى للإهانة الشديدة...فهي بنهاية المطاف إمرأة مسكينة على باب الله تبيع علبة او علبتين كريم لتقتات من أثمانها البسيطة...فلقمة العيش تجبرها على التجوال سيرا على الأقدام و في المواصلات العامة بمفردها خلال النهار و المساء تتحمل المشقات المرهقة و التحرشات الجنسية في سبيل إتمام عملها المرهق، هدى أمرأة تعيش بمفردها مع ابنها عادل و ليس هنالك رجل بحياتها لذلك تسعى بصورة دؤوبة للعمل و نراها تتحمل الكثير لكي يبقى بيتها متماسك رغم الظروف المادية المرهقة...بل نراها تحافظ على بيتها بكل ما تملك من قوى لكي لا تراه ينهار...و هذا واضح من موقفها مع ابنها عادل،
نرى في الفلم علاقة متوترة بين عادل و الفنانة نينا، فتوضح لنا المشاهد أن نينا معجبة بعادل، فحينما يحاول كوافير آخر تصفيف شعرها ترفض و تطلب من عادل فعل ذلك، و لكن نراه هنا في هذا الموقف يعاملها بصورة جافة جدا، فسلوكها المهني يرغمه على الإبتعاد عنها بالرغم من ميوله العاطفي لها، و يتوضح هذا الصراع بداخله في آخر مشاهد هذا الفلم حينما يلتقيا معا في حمام السيدات في حانة الشرب حيث تتواجد مع سليم المنتج، فيحصل بينهم حالة عتاب بِعَكْس ما في قلبيهما من ود دفين ثم نراهم مباشرة بعد ذلك بحالة غزل حميمة، و نراه ايضا يقدم على الدفاع عنها حينما تتشاجر مع سليم في حانة الشرب، علاقة عادل بنينا علاقة عقيمة جدا تُخْتَزَلْ بعدم الإستقرار و اللًذة الجنسية في الفلم فنينا قد حددت دربها مع سليم لتفقد احترام المجتمع من حولها و لتصبح أمرا عابرا الى حد معيا في حياة عادل الشاب الطائش التي تحرمه حياة الفقر و العَوَزْ المادي البهجة السرور...فحتى ميوله العاطفية لا تشهد الإستقرار إطلاقا،
تمتد يد عادل للحرام طنا منه أن هذا هو الحل للمشاكل المادية التي تواجهه، فنرى زميل له اثناء دوامه في الصباح يُبْلِغْ صاحب محل تصفيف الشعر بأنه رأه يسرق مستحضرات تجميل من المحل، فيتفاجئ صاحب المحل كثيرا، و ينادي عادل ليواجهه بهذه الأنباء، و تحصل مواجهة خشنة بينه و بين عادل حيث يقول له بأنه ضبط مسروقات في خزانته في المحل، و تنتهي بكلام جارح عن والدة عادل حيث يقول له بأنه طردها من المحل في السابق و قد وظفه لاحقا شفقة عليهما، يتأثر عادل من هذه الكلامات و يحصل عراك كبير بينهما، و لا يكتفي بهذه المشاجرة بل نراه يخرج عن آدَبِهِ أمام والدته في البيت و يتحول الى شخص كاسر و عصبي المزاج، فيبحث بصورة عشوائية عن مبالغ من المال في الأدراج و خزائن المنزل ليقلب المكان الى فوضى عارمة، و يتطاول بصورة قاسية على والدته و على أخلاقها فيستفزها للشجار معه، في حقيقة الأمر تملكتني الدهشة من ردة فعل هدى في بادئ الأمر اثناء هذه الحادثة حيث طبيعة الإهانة التي وجهها عادل لها كانت جارحة جدا، فلو سَمِعَتْهَا ام ثانية من ابنها كانت لربما ضربته ضرب مبرح أو حتى طردتها من المنزل، و لكننا نرى هنا مواجهة عنيفة بين الطرفين لينتهي الأمر بخروج عادل من البيت و ذهابه الى المخزن مع صديق له، و المخزن في حقيقة الأمر هو مكان يريد عادل تطويره الى محل لتصفيف الشعر، في نهاية الأمر يحصل عادل على مراده في آخر الفلم و في حانة الشرب قبل مشاجرته مع سليم، فيقوم بإبلاغه صديقه بموافقة والدته على دفع باقي تكلفة محل تصفيف الشعر، و هذا الموقف كان متوقع من هدى فإنها بالنهاية أم صاحبة قلب عطوف على ابنها، و لكن لا أعلم بالنسبة الى جرأة عادل مع والدته فقد خاطبها بأسلوب قاسي جدا فهذا يدل على أمر خطير و هو عدم أحترام عادل لوالدته و لتضحيتها اليومية في السعي وراء لقمة العيش...فنحن نتكلم عن صراع ينتج عن جرح كبير في هذه الأسرة،
بكل الظروف يرينا الفلم بصورة ناجحة جدا أثار ضغط قِـلًـةْ المال في نفوس البشر...فحينما يصل الفقر الى درجات لا تطاق تَفَاعُلْ البشر معه سيختلف كثيرا...فهنالك من يتمسك بمبادئه كريهام و هدى ليبقى اصيل متماسك لا يهتز بوجه عواصف العَوَزْ الشيطانية لينساق في درب المحرمات، و هنالك من تهتز مبادئه و يسلك ممشى أبليس اللعين كنادية و عادل، أما الضغط التي عانت منه نيفين فدفعها لعلاقة غير شرعية كحل لمشكلتها، فتفاجئت بأن شريكها و والد الطفل الذي يتكون في رحمها غير جاهز للعلاقة الزوجية،
شريف إعلامي ناجح جدا و له حضوره على المحطات الفضائية، و لكن سلوكه الشخصي مزعج جدا، فشهرته جعلت منه إنسان مغرور جدا كما أن إدمانه على شرب الخمر أفقده احترام زملائه بالعمل، فهو شخص تائه بين رشفات الخمر الحادة التي تأسره و تحطم ارادته و بين علاقته مع نيفين التي حتى لم يستطع الحفاظ عليها كما كان سيفعل أي رجل سوي و طبيعي، فنراه حتى بمقابلته الفنية مع نينا يقوم بالإستهزاء بها بصورة لئيمة و غير مُنْصِفَة إطلاقا، فيطلب منها ارتجال الغناء و هي غير قادرة على ذلك، فنينا من نوعية الفنانات التي تعتمد على تجهيزات الستوديو لعلاج النشاز بصوتها ليصبح مقبول وقت تسجيل الأغاني فهي لا تمتلك صوت جميل و طبيعي، و نراه يضحك بصورة جارحة عليها حينما يتصل أحد الأشخاص و يقوم بشتمها على الهواء...ينتهي هذا اللقاء برد ساحق من نينا وسط دموعها فشعورها بالإهانة استفزها للتصدي لنبرته الساخرة بحقها على الهواء مباشرة،
ماذا نفعل بالشيطان اللعين...فهل هو شاطر؟ الشيطان الذي يشوش أفكارنا لنتخيل لوهلة أو برهة من الزمن أن الحل للمشلكة هي زجاجة خمر قذرة نرتشف محتوياتها و لكن لنتوه أكثر من الأول...لننسى المشاكل التي تأسرنا لنصف ساعة أو ساعة حينما نغيب عن الوعي بسبب المُسْكِرْ...و لكن حينما نستيقظ من الغيبوبة نتفاجئ ان المشكلة مازالت موجودة و بأننا لم نقوم بحلها وقت شرب الخمور و بأننا لم ننجح سوى بإبتلاع مسكن للآلآم...ليس إلأ، ابليس شاطر فإدمان الخمر يسيطر على شريف بصورة كبيرة جدا، فنراه بعد عراكه مع نيفين يقود سيارته الحديثة بسرعة و هو يشرب الخمر بكل لامبالاة، و فجأة يحدث الغير متوقع فيصدم طفل صغير (اسمه كامل أشرف بحسب قاعدة بيانات elcinema.com)، و هو حفيد رجب (لطفي لبيب)، و رجب هو رجل كبير في السن يعيش بحي فقير جدا في بناية تكاد ان تكون أشبه ببنايات العشوائية التي تملئ الحارات الفقيرة و المهملة في مصر، و هو يعمل بمهنة تصنف بأنها ضمن مِهَنْ البطالة المقنعة...اي انها ليست مستقرة حيث يعتمد على الرهانات في المبارايات لكسب قوته من الناس، و هو تاجر للحشيش ايضا حيث نرى الطفل في أولى مشاهد الفلم يسرق من سريره بعض من الحشيش ليبيعه لسائق المايكروباص الذي يعمل عليه، و لعلني أشعر بالحزن على هذه الأطفال المهملة من قِبَلْ الدولة و الناس فَبَدَلْ مِنْ ارساله الى المدرسة للتعليم أسوةً بأبناء جيله من الطلبة يجعله رجب جده يَعْمَلْ بِمِهَنْ التجارة بالمخدرات و بالمواصلات العامة حيث يضطر هذا الولد لِتَعَلُمْ لهجة غير متحضرة و نمط حياة سوقي جدا، رجب ضحية الفقر الذي يعيشه فمنظره مُحْرِنْ جدا و ثيابه وضيعة جدا و لا اقصد أن أجرح أحد من هذه الكلمات بل تباردت الى ذهني هذه الخواطر و أنا ارى مَشَاهِدْ حياة رجب في مكان اقامته : شقته لا تُؤَمِنْ له أدنى نِسَبْ الحياة الكريمة إطلاقا فحتى مرحاض الحمام الذي يستعمله في حالة سيئة جدا...بل حتى اسطبل الخيل الذي يؤي الحيوانات يُؤَمِنْ للخيل العيش الكريم أكثر من منزل رجب و لعلني أناشد الدولة المصرية بضرورة توفير قدر المستطاع منازل مناسبة لهاؤلاء القوم أو تعليم لهم و لأولادهم أو حتى ترميم هندسي مناسب للعمارات التي يسكنوا بها حيث أنهم يسكنون بين أنياب العَوَزْ المرير ...فهذه الاحوال المتدنية من العيش تُشْعِرَهُمْ بِجُرْح كبير في كرامتهم كبشر...فلا قوت مناسب لهم و لا ثقافة تحميهم من المهن الهمجية التي يمتهنونها لتأمين لقمة العيش و لا دخل يأويهم من مرارة الجوع و بطش برد الشتاء و حر الصيف...هم متروكين لعناية الرحمن أكيد و لكن علينا فعل ما تمليه علينا ضمائرنا كبشر و طبقات مثقفة من المجتمع...بأن نساعدهم كدولة ببعض ما يحتاجوه ليبدأوأ بالإنتاج السوي و الطبيعي بالمجتمع...لكي تقل حجم الجريمة بالشارع...المسؤلية كبيرة جدا و تحتاج لتكاتف دؤوب مِنْ مَنْ يستطيع المساعدة...
لا ينتهي هذا الفلم قبل أن يلامس أمراً هاماً في المجتمع المصري، و هو بعض من قضايا الفساد الساكن في نفوس البشر في الشرطة و في المجتمع عموما و الذي كان قائم قبل ثورة 25 من يناير على حد ما يشرحه الفلم و ما كان بَيٍنْ مِنْ أحداث ثورة 25 من يناير، فما أغرب من شرطي يضع على كتفيه شعار شرطة الدولة المصرية و رتبة رسمية في الأمن المصري و لكن مع كل أسف يتربص هو و زميل له بالمهنة بفتاة مسكينة واقفة على الرصيف في شارع من شوراع القاهرة أم الدينا لكي يمزق شرفها بكل نوايا شيطانية؟! فكانت ريهام واقفة تنتظر شاب مكافح يعمل بالمطعم الذي تشتري منه الشطائر للغذاء، فأُعْجِبَ بها و بِطَلًتِهَا الشابة و الجميلة ذات يوم، فكانت تنتظره بناءا على موعد متفق بينهما، و لكن الذي يَصْدِمْ المرء و يجعله يَتَحَسًرْ على جيل الشباب الصاعد ليس في مصر فحسب...بل في الوطن العربي عموما هو أن لا يقوم المرء بإحترام أصول مهنة عريقة كالشرطة و تصبح أنت كشرطي المجرم بدل من أن تكون يد العدالة للشعب...ليصبح الدواء هو الداء لكي تتم المقولة الشهيرة "يا لسخرية الأقدار"...ليموت الضمير الحي بقلوب البشر و يصبح الشرطي هو الفاسد بدل من أن يكون برد و سلام على المجتمع...فيحاول الشرطي الأيقاع بريهام، توبخه ريهام بصورة حازمة على فعلته ليعود الى سيارته خائب الرجاء و يستشيط غضبا منها، و لكن بعد هذه الواقعة ببرهة يقرر الشرطي الإنتقام منها، فحينما تكون ريهام بصحبة صديقها يهاجمهم الشرطي بصورة تعسفية و يأخذهم الى مركز الشرطة بقصد تلفيق تهمة في الآدآب لهم،
و الأَمًرٌ من شرطي فاسد هو طبيب مناوب في قسمٍ للطوارئ لا يَكْتَرِثُ بآلآم مصاب قد دخل المشفى للتو بعد حادث مؤلم و مصاب كبير؟! و بوابة المشفى كانت مغلقة لماذا؟!...ما هذه الكارثة الكبرى التي رأيناها بالفلم، كل هذا يحدث حينما يقرر شريف الإعلامي بلحظة مرؤوة انقاذ فريسة طَيْشِهْ و غياب ضميره اثناء القيادة؟!...ليجد بوابة الطوارئ للمشفى الذي قصده مغلقة؟! و يا للمصيبة الكبرى حينما يقرر أخيرا الدخول فيجد الكادر الطبي كله يشاهد مباراة كرة القدم من دون ادراك لأخلاق مهنة الطب التي تقتضي أن يكون هنالك مناوب لإستقبال الحالات الطارئة، فإضطر شريف لترجي الطبيب ليذهب معه ليكشف على الطفل بما أن الكادر الطبي كله مشغول بالمباراة...فحتى حالته و هو ملقاة على السرير بين الحياة و الموت لم تتشفع للمريض عند الطبيب فتركه بعد أن طلب من شريف محضر من النيابة أولاً قبل أن ينقذ حياته، اين الضمير يا مصريين؟
يا إخوة الحل في ذواتنا و في أنفسنا بالإخلاص لأوطاننا و لوظائفنا فـ"الضمير المهني" لا غنى عنه! فما هي القيمة المرجوة من بيع شرف المهنة...النقود؟ أم أن الروتين قتل الشفقة بقلوب البشر؟! انظروا ماذا حصل لوزارة الداخلية حينما قرر شريحة واسعة من قُوًةْ الشرطة قبل ثورة 25 من يناير التخلي عن أخلاقيات المهنة بحسب ما رأينا اثناء هذه الثورة على القنوات الإعلامية المصرية و الفضائية العربية...انهارات وزارة الداخلية و أصبحت الشرطة الفاسدة هي أحدا الأسباب التي تدفق من أجلها ملايين البشر لميدان التحرير ليطالبوا بالتحسينات؟! كل هذا لأن هنالك شريحة من الأمن المصري قررت التضحية بأخلاقيات المهنة في سبيل ربما النقود أو ربما لِقِلَةْ المبالاة...ضحيتم بمصر في سبيل مصلحتكم الشخصية و يا ليت نفعتكم هذه التضحية المُخْجِلَة فانهار البلد بأكمله و هذا ما رأيناه في ثورة 25 من يناير و هتافاتها...يا اخوة لا غنى عن الضمير المهني فلحظة ضمير قد تُحْدِثْ قارق بحياة دولة بأكملها فالمشكلة أننا لا نعلم أننا كمواطنين نُكَوِنْ الدولة...الدولة ليست أبنية و ليست مكاتب و معدات مكتبية...بل نحن نُكَوِنْ الدولة...التزامنا بعملنا...بوجود ضميرنا المهني و نحن نعمل وراء مكاتبنا فهذه خدمة نؤديها لأوطاننا فلها حق علينا...النقود ليست كل شيئ بالحياة بل هنالك معاني سامية أثمن من النقود بكثير...
إذا عمل الكُلْ بمحبة فائقة و كفائة مهنية عالية ستزداد كفاءة اقسام مؤسسات الدولة و الشركات الخاصة و المؤسسات العامة و سيصبح منتوجها ارقى و سيتم تَلْبِيَتْ احتياجات كافة المواطنين...و هذا سيتطلب مجهود جماعي من الجميع فحينها سيشعر المواطن و رئيس القسم و الوزير بأن وزاراته و مؤسسات الدولة و القطاع الخاص يعمل بالكفاءة المتوقعة...و كلها تعتمد على وجود الضمير المهني...فمعادلة "بما أنني لا اتقاضى الأجر المناسب لذلك لن أعمل بالكفاءة المطلوبة" خراب كبير للدولة...فيجدر بالشخص الذي يشعر بأنه لا يتقاضى الأجر المناسب اعطاء عمله حقه و إذا اراد بنفس الوقت البحث عن عمل راتبه أعلى فهذا حقه...أكرر بأننا نحن كمواطنين نُكَوِنْ الدولة و مؤسساتها العامة و الخاصة و وزاراتها جميعها...ما هي مصر إلا المصريين و مصر هي من المواطن المصري و اليه...يجب أن نفهم هذه المعادلة جيدا فالإخفاق و الامبالاة كارثة كبرى و قد أدت هذه العوامل السلبية لإشعال ثورة 25 من يناير...دواء الفساد هو الضمير المهني...دواء الفساد هو حب مصر و اوطاننا العربية...دواء الفساد هو القلب النقي الذي ينبض بالشعور بالمسؤولية...لا غنى عن هذه المعادلة و نحن نبني أوطاننا...فما هو المهم؟ المال أم حب مصر؟ المال ضروري و لكن حب مصر يأتي في أول السطر قبل "الأنا" القاتلة...هل نتعلم كيف نضحي لأجل أوطاننا؟
في آخر مشاهد هذا الفلم نرى نهاية لا بأس بها لمشاكل أبطال هذا الفلم الرائع، يتصالح شريف مع رجب جد الطفل و يتخلص من المسائلات القانونية نتيجة الحادث، و ربما تكون هذه الحادثة بداية صَحْوَة لضميرشريف و لرشده الغائب، و نرى ريهام تكلم صديقتها نيفين لتستنجد بها من التهمة التي ينوي الشرطي تلفيقها لها بكل قسوة في قسم الشرطة، فتأتي نيفين فعلا للقسم لمساعدة ريهام، و نرى نينا بصحبة سليم بعد صراعهم في حانة الشرب مرة ثانية بمحاولة منها لإعادة الأوضاع الى طبيعتها في علاقتها معه، و نرى والدة عادل توافق على دفع ما تبقى من تكاليف محل تصفيف الشعر الذي يريد إنشاءه، و فجأة تعلن نتيجة المباراة بفوز مصر بواحد صفر على الكاميرون فَتَغْمُرْ الجماهير في كافة شوراع القاهرة الفرحة الكبرى و تتدفق الحشود الكبيرة في الشوارع...فرحة تقشعر لها الابدان حيث يذوبوا ابطال هذا الفلم وسط الجماهير الغفيرة التي تحتفل بهذه الفرحة الكبيرة ، واحد صفر يا مصر...و لكن التصفيات لم تنتهي بعد...مصر ستلعب المزيد من المباريات بتصفية صراعها مع الزمن على أمل أن تفوز و تستلم كأس الإنتصار...إنشاء الله،



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات