على هامش الارهاب والوسطيّة


في تفسيرِالاية القُرآنيّة وبعد أعوذُ بالله منَ الشّيطان الرجيم ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) لم تَبْتعد كلمات عُلماءِ الاسلام عن المعنى الشُموليّ المُرْتَبطِ بالحدث وبأنّ الوسطيّة تعني عدلاً خياراً و هذه الامّة الشاهد العدل على رسالات الرُّسل الذين ابتعثهم الله هدى ورحمة للبشريّة في يومٍ ستُنْكِر فيه الشّعوب بلاغات رسالات الانبياء اليها .

وهذه الوسطية (العدل الخيار) كانت الشرط الرئيسيّ لمتطلبات الشّهادةِ في القضاء الاسلاميّ كما جاء واضحاً وصريحاً في قوله تعالى (وأشْهِدوا ذوي عدلٍ منكم),وهنا يأتي كمال العدل الرباني يوم الحساب حين يستوفى القضاء بالشهود وتأتي الامّة الوسط (العدل ,الفضلى ,الاخير) الشاهد الوحيد الذي مع أنّه لم يشهد زمانياً تبيلغ الرسالات للأُمم ولكنّ الله جعله عدلاً خياراً مسبقاً ليُثبت صحة التبليغ في حكم الرسالات . وفِعْل الجِعْل في الآية الكريمة كان قد وضّحهُ العلّامة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في قضيّة خلق حواء وفرّق بين فعليّ خَلَقَ وجَعَلَ حين قال بأن الجَعْل في اللغة هو أخذ بضعٍ من شيء و في نفس السياق هاهنا ,أنّ الله أخذ من الأمم أمّة مُحَمّد وجعلها الشّاهد على التبليغ...

ولا نغفل هنا الوجهات الأُخرى التي ذهب اليها العلماء في تفسير الآية والتي قد يأتي اشتقاقها بعد أنْ ظهرت الملل الخارجة عن الاسلام فغالت وتطرّفت فأُخْتُزِلَ الى معنى الاعتدال والتوسط في الامور لكنّ الوسطيّة اذا ما فُسِّرَت على الوجه الجزئي وليس الشمولي فانّها تبعد منزلة ما عن مفهوم فِعْل الجعل الرّبانيّ للوسطيّة اذْ أنَّ ماهيّة الجَعْل منتهية زمنياً ومكانياً بعيداً عن اي تفسيرٍ لاحقٍ في حين أنّ الخلل انْ أتى فسيأتي بالفعل السلوكي للانسان كالغلوّ والتطرّف والنكران...بمعنى انَّ أخْذ مفهوم الوسطية على أنّها الاعتدال والتوسط في الامور فقط هو معناً لا يليق بالصفة العدلية للامّة الشاهدة,وهذا دليلٌ على استشراء مبدأ التسليم بالامور دونما تدقيق وطي صفحات مهمة في تفسير اعجاز القرآن الكريم.

عُلماؤنا حين تحدثوا عن حكمة تحريم لحم الخنزير ذهبوا الى الجانب العلميّ والماديّ فقالوا عن الجراثيم والديدان وغيرها من الامراضِ الجسديّة والنّفسيّة التي قد تَحْدُث نتيجة تناول هذا اللحم في الوقت الذي في مقارنة بسيطة نجد أنّ أمراضنا أزدادت وتفوق متوسط أعمار آكلي لحم الخنزير بنسبة عالية على متوسط اعمارنا بل أنّ السلوك الاجتماعيّ والاخلاقيّ قد اثبت أنّ أَكْلَ لحم الخنزير لا يَمِتُ بصلة للاجتهادات التي تدّعي تأثيره على هذا الجانب (العفّة) حين نعترف برداءة أخلاقنا في هذه الايام.في الوقت الذي قلنا فيه بأنه رُبّما جاءَ تحريم أكْل لحم الخنزير من منطلق أخلاقيّ أنسانيّ بحت ,فحاشى انْ تكون أو تغفل رحمة الله وحكمته من أنْ يأكل الانسان لحم حيوان قد يعود بصلة الى مخلوق بشري يوماً ما قبل أنْ يمسخه الله , وهو ما أخبر عنه المولى عز وجل في الاية (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ). وفي مثال أخرنرى أنّ الاجتهادات الكثيرة حول الزواج من اربعة نساء جاء غير مقنع في تفسير ما أحل الله في حين أنّ الحديث النبوي تنكح المرأة لاربع جاء مفسراً للحكمة في أصل الزواج من اربعة فقط لا أكثر أخذين بعين الاعتبار مبدأ القاعدة والاستثناء , ففي أربعة اسباب وصفات (الجمال , النسب , المال والدين) تكتمل المرأة كما في سيدتنا خديجة وعائشة ومريم وأسيا او تقل في الباقي فتحلل الاربعة , والفلسفة تكمن في الظفر بصفة الايمان لتجنب الظلم او اكثر فيكون القضاء أصعب .

وحتى لا نبتعد كثيراً عن موضوعنا الرئيسي نقول أنّ في قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) معناً شمولياً للأعداد الماديّ والنَّفْسيّ موضِّحاً كيفية تحقيق الهدف والمنفعة في مواجهة عدو الله وعدو المسلمين بترهيب مُحكم مبني على عدة في استطاعة من قوة ورباط.

وحتى تتضح نتيجة الاستعمار اللغوي الغربي في مصطلحاتنا المسيّسة نَجدُ انّ ابناء الامّة قد استرسلوا منذ عقود باستخدام مصطلح الارهاب ليخدم حربهم ضد تداعيات سلوك التطرّف والغلوّ للمللِ الخارجة التكفيرية وفي هذا غياب للمعنى الشمولي وانحسارٍ ضيقٍ يغتال الوضوح التام للامر الرّبانيّ.ولا عجب في ذلك حين نعلم ان كلمة (مُجْرم) لم تأتي في القرآن الكريم الا بمعنى الكافر في حين تُستخدم في قضائنا الحالي للدلالة على الشخص الذي يرتكب جناية ما في استيرادٍ أخر في غير مكانه للسيطرة الاعجمية ....

اذا فجمال دعوتنا الفكرية تكون بالرجوع للقاعدة التي توصلنا جميعا الى الارهاب المطلوب الذي يقرّبنا من الامر الرباني وهي الاعداد بالقوة والسلاح بما استطعنا وليس انْ يُختصر كمصطلحاً متداولاً في لعبة سياسية وفكراً اعلاميّاً منحازاً في مواجهة غلوّ وتطرّف ما...

الارهاب بمعناه الديني واللغويّ لن يخرج عن مصطلح التخويف والترويع حين يأتي حالة استعراضية قادمة من الاعداد السليم للقوة والمرابطة تكون فيه الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنى ووِفْقَ منهجٍ تشريعيٍّ جهاديٍّ مُتسلسلٍ مضى به السلف الصالح في فتوحاتهم, ولا شكّ أنّ مقولة (نُصِرْتً بالرّعب) لهي دليل حسي ونتيجة توافقية مع منهج الارهاب الحقيقي.

واذا ما ادرنا حواراً للمصطلحات نقول انّه اذا كان الغلوّ والتطرّف فعلاً بشرياً في سلوكٌ غير مضبوط في الفكر الثقافي والاجتماعي والديني وخلل في فهم قاعدة الدعوة الى الله في الدنيا نقول بأن قضية الجعل في الامة فعلاً ربانياً بأتجاه الاخرة ليس للاجتهاد الانسانيّ فيه قدرة .

الوسطية اعجاز الهي جعله القدير في الامّة الاسلامية التي حملت اخرالرسالات , فلنبتعد عن جلب مصطلح (الوسطيّة) في مواجهة (الغلوّ والتطرّف) ولنعدل أمام أمّتنا في تفسير الارهاب..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات