اغتيال الشهيد البطل معاذ الكساسبة اغتيال للإنسانية


لقد مثّل اغتيال تنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام "داعش" للبطل الشهيد معاذ الكساسبة، اغتيالًا للإنسانية برمتها، فقد ضرب هؤلاء المجرمين ضرب الحائط جميع الأصول والأعراف الدينية والاجتماعية والأخلاقية في فعلتهم النكراء تلك، في واقعة تنم عن عدم امتلاكهم للحد الأدنى من شرف التعامل مع الإنسان والأسير، لتنضح أفكارهم المسمومة وتترجم بفعلة شنعاء ستظل ندوبها بادية على وجه الإنسانية إلى أن يشاء الله حلول الأجل الذي يقضي بقطع دابر هذا الفكر وحامليه.

قضى الشهيد معاذ نحبه ليلقى خالقه، وهو يشارك في مواجهة ومحاربة أصحاب فكر وضلالة نهى الله خلقه عن ممارستها والاتيان بها، بل أكد في كتابه العزيز أن دينه -الذي أوحي به إلى نبيه -جاء ليتمم مكارم الأخلاق ويغرس ثقافة الوسطية والتعامل الإنساني مع البشر برمتهم، فإذ بتلك الطغمة الجاهلة تتدشق بكونها حاملة لراية الدين وباسمه تسفك الدماء وتهين الإنسانية، والله ودينه منهم براء.

الكساسبة -الذي نعتبره إبن كل أردني بل وكل شخص حول المعمورة يقر بإنسانية الإنسان وسموه على بقية الخلائق- يجسد ويترجم ويمثل أبناء الأمة الذين رفضوا أن يتمدد فكر أسود يُضلل على الناس دينهم ومعتقدهم، ذلك الدين السمح الذي جاء ليحث متبعيه على أنهم وسواهم إخوة في سلسلة البشرية جمعاء، وهو أمر متجل في الثقافة السائدة بالأردن منذ عقود طويلة، فمجتمعنا يرفض تلك المبادئ التي تقصي الآخرين وتدلس عليهم معتقدهم بأفكار زائفة وزائلة، وهو أمر أسهم في التفاف مجتمعنا واتفاقه على نبذ كل فكر نشاز، ما يلبث أن يختفي فور ظهوره.

الأردن الصغير بمساحته، الكبير بأهله وفكره وقيادته، ظل على الدوام ذلك البلد الوادع الذي مثل ملجأ لكل من عانى من الاضطهاد والظلم والاحتلال وشكل طيلة تاريخه الحديث الأنموذج الذي يشير إليه الآخرون بالبنان من حيث تمتعه بالأمن والاستقرار واحترام الحريات وحقوق الإنسان، هذا البلد العظيم لم ولن يخضع -ولو لبرهة- لذلك الفكر المتمرس في عقول مجموعة من حثالة نبذتهم مجتمعاتهم، ليلتقوا معا مشكلين فرقا للموت والتصفية باسم الدين، بل أنه سيكون الأردن على الدوام في الخندق الأول لمواجهتهم وصولاً الى التخلص من آخر واحد فيهم.

لعل البعض كان يتحفظ فيما مضى على مشاركة الأردن عسكرياً في مواجهة ذلك الفريق من المجرمين، باعتبارهم خارج حدوده ولا يشكلون خطرا محدقا لأمنه، لكن الحقيقة التي تجلت أمامنا بأن تلك المشاركة كانت أمراً حيوياً، فالبلدان تحرص على محاصرة ومداهمة الخطر قبل وقوعه، لأن حصوله ضمن حدودها - لا قدّر الله- يعني انتفاء الحاجة للأجهزة الأمنية والعسكرية الساهرة على حماية الوطن وأمنه، ليبيت الجميع في أمن واطمئنان، في شعور بات مفقوداً في كثيرٍ من بلداننا العربية.

الأردن بعد استشهاد الكساسبة لم يعد كذلك كما كان الحال عليه قبل اغتياله، إذ أن مواطنيه وأجهزته لن يتيحوا أي مجال لمن تسول له نفسه أن يتعاطف ويروج لتلك التيارات الضالة، بل سيكون المواطنون في خندق متقدم عن تلك الأجهزة، لأهمية محاربة تلك المعتقدات اجتماعياً وفكرياً وتعليمياً وتربوياً.

لقد أقسم الشهيد البطل معاذ على حماية وطنه الذي افتدى روحه من أجله، وهو قسم نردده خلف الكساسبة لنكون نحن أيضاً بيادق في صفوف أمامية لمواجهة من يسيء للدين والإنسانية، ولعل \"داعش\" لم تعلم بأن تصرفها المشين ذلك قد أوقعها في مواجهة مباشرة مع نشامى الأردن، هؤلاء الرجال الذين شمروا عن سواعدهم ليقطعوا دابر من سولت له نفسه الإساءة لبلدهم وأبنائه، أقول ذلك ليس من باب الحماسة، ولكنني متأكد من القدرات العالية التي تتمتع بها أجهزة بلادنا التي تستطيع استئصال ذلك الفريق من المجرمين، ولو كانوا خارج حدود الوطن.

رحم الله الكساسبة وأسكنه مع الأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقها، ونحن إذ نعزي عائلة معاذ الصغيرة بمصابهم، فإننا في الوقت نفسه نعزي تلك الأسرة الأردنية الكبيرة الملتفة على حماية وطنها وأبنائه
وحرصها على عقوبة من يمس أو يفكر بالمس بأحد أبنائها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات