سوشيال ميديا بدون أوكسجين


المشكلة في عبارات التفاؤل والإيجابية ورفع الروح المعنوية والحكم والنصائح التي تحث على التعامل مع الحياة بكل حرارة، وهي العبارات والحكم التي نعجب بها يومياً عبر الفيسبوك أو التويتر، وغيرهما من منصات الإعلام الاجتماعي (السوشيال ميديا)، ونتشارك بها مع أصدقائنا وتحظى بنسبة عالية من المشاركة عند الجميع،،، مشكلتها أنها لا تصلح لنا في محاولاتنا الحثيثة لتطبيقها في سياقاتنا العربية رغم أننا نؤمن بها نظرياً على الأقل.

كثير من هذا العبارات يتلخص في نصيحة: “كن أنت نفسك”.

كيف يكون الواحد منّا نفسه في سياق عربي منفصم ومليء بالتناقضات السياسية والاجتماعية والفكرية، وفي بيئة تتطلب من المرء أن يكون في كل دقيقة أي شيء أو أي شخص إلا نفسه.

نصيحة أخرى تتلخص في معنى أنك في النهاية ستجني ثمار عملك.

كيف يكون هذا صحيحاً، والواحد منا يقضي سنوات في “الحراثة” والتعب والاجتهاد وتطوير القدرات، وفي النهاية لا يجني الثمار إلا ابن فلان أو من كانت واسطته فلان أو من يدور في فلك فلان دون تعب أو كد أو إعمال للعقل والخيال.

وعديد هذه العبارات يصب في معنى أن: عليك أن تكون هادئاً مهما حصل لك وأن تركز على قيم الخير والمحبة والجمال والدنيا ستمنحك في النهاية ما تستحقه. كيف هذا ونحن نرى الدنيا عبر سنوات وسنوات لا تبتسم ولا تفيض إلا على من كان ذا فساد أو خلق أعوج، وعلى أصحاب الشر والكراهية والقبح.

الإيجابية أمر صحي لا غبار عليه ونؤمن بها (نظرياً). لكنها لا تنمو، ولن تنمو، دون بيئة تفهمها وترعاها في كل لحظة. أما في البيئة التي تعاديها وتقتلها في كل لحظة فإنها لن تكون سوى فكرة مشوّهة غائمة، لا نملك إلا أن نثرثر بها مجرد ثرثرة.

خلاصة القول، مهما فعلنا ومهما كنّا إيجابيين وأصحاب طاقات في هذه البيئة العربية فإن ثمة من يقتلنا في كل لحظة بأسلوب بسيط وهو: قطع الأوكسجين عن أنفاسنا الإيجابية وجعلنا نتنفس الهراء.

الإيجابية بذرة قوية تحتاج إلى تربة نظيفة وماء نظيف وهواء نظيف كي تنمو في داخلنا وحولنا، والبيئة العربية بعيدة كل البعد عن هذه الشروط. لهذا ستظل العبارات جميعها التي نتداولها مجرّد فقاعات نلهو بها في محاولة منا لنسيان العفن الذي يعشش واقعنا العربي.

لم ألعن الظلام بل أشعلت مئات الشموع، لكنها كلها أحرقت أصابعي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات