إقامة منطقة عازلة بداخل الحدود المصرية ليس هو الحل


الشخصي أنه لكي يعود الهدوء والسكينة والأمان إلى شبه جزيرة سيناء ..ليس بفرض منطقة عازلة قد تمتد بعمق من 500مترا إلى 1000متر أو أكثر بداية من الشريط الحدودي لمصر مع قطاع غزة ..وحتى لو امتدت المنطقة العازلة إلى مداخل مدينة العريش من ساحل البحر الأبيض المتوسط غربا إلى الحدود الدولية شرقا فإن ذلك لن يجدي نفعا ..لأن الوضع سيكون عندئذ أشبه بالذي يغطي بطنه ، ويترك ظهره عاريا يواجه الأعاصير.. وواهم ومخطيء من يتصور أن مجرد إقامة منطقة عازلة تقضي بحفر قناة مائية تمتد على طول 14 كم وبعرض 3-5 كم..

أن ذلك سيحقق الأمن التام ،والقضاء على ما يسمى بالإرهاب حسب زعم بعض الساسة أو القادة العسكريين لأن القناة يمكن اختراقها عبر مواسير فولاذية ملتحمة ببعضها البعض وحينها قد يتم إنشاء مترو أنفاق قد تكون محطته الأخيرة رمسيس أو حلوان ..ومخطيء من يظن أن إقامة المناطق العازلة كفيلة برسم خرائط محصنة طبوغرافيا تقضي بصورة نهائية على البؤر الإرهابية أو الذين يهددون الأمن القومي المصري عند حد زعم البعض لأن الحدود ليس صعبا اختراقها ..

لكن لطالما هناك انفراجات حدودية يمكن أن تحدث و عبر بوابة واحدة رئيسية محددة.. إذا ما الداعي لمحاولة التسلل أو الاختراق..قد يتساءل البعض ولما إذا أقيمت منطقة عازلة فإن العنف والإرهاب لن يتوقف بل ستزيد الأمور المتفاقمة تعقيدا ..وأني هنا بحكم خبرتي العسكرية أعرف تماما أن لأي عمل عسكري يمكن أن يحقق أهدافه لابد هنالك من مرجعية اصطلاحية يفهمها العسكريون ألا وهي " تقدير الموقف "و تقدير الموقف من الجانب العسكري هو ليس جزئية من عملية التخطيط والتي من خلالها يتم اتخاذ القرار كما يعرفه البعض ،وإنما هو الخطوات الرئيسية والمحضرة مسبقا ، والتي تتخذ قبل اتخاذ القرار ..ومن أهم تلك التقديرات هو تحديد السبب الرئيسي لولادة البؤر الإرهابية وليس نشاطها الذي تكاثر هذي الأيام رغم بياتها الشتوي العميق منذ سنوات طوال.. وكشف من الذي يدعمهم ويساندهم ..وما الهدف من قيامهم بالعمليات التخريبية ..والأهم بعد جمع كافة المعلومات وبدقة هو اتخاذ قرار باصطياد أولئك المخربون على مراحل وبصورة شبه فردية ..

أما أن تُفتح جبهات داخلية موسعة على مصراعيها فهذا الأمر لن يحقق شيئا خاصة في ظل الضعف أو إخفاق المنظومة الأمنية وفي ظل عدم الاستقرار ،والسخط الجماهيري الذي يحلم بهناءة العيش بسلام والذي بات يزداد يقينا بالصعود إلى الهاوية والإبقاء على حالة القهر والبؤس ..وهل يمكن أن يتحقق الأمن في ظل ازدياد حالات الفقر والبطالة وأوكار الدعارة.. وانتشار قراصنة البر والبحر والتي قد أصبحت حقيقة موجعة وليست مجرد ظاهرة أو طفرة ..بكل صدق أقول أن العدو الحقيقي والخطر الذي يهدد مصر وأمن مصر هو وجود مناطق عازلة منذ القدم قد اتسعت لتفصل بين الفقراء والمساكين والمقهورين من جانب وبين أصحاب السيادة والفضيلة والقيادة وأصحاب القرار من الجانب الآخر وهذا أدى إلى خلق دائرة أمنية مخترقة مهما أحيطت حولها الأسلاك الشائكة والمكهربة والتي تفتك كل من يحوم أو يقترب من دائرة أولئك الذين يسكنون الأبراج العاجية والذين لا شأن لهم بغيرهم إذا ..

اتساع رقعة الخلايا الإرهابية والمترامية الأطراف لترتع بسيناء ،وتنشط وتنقسم اليوم بصورة مزعجة ومخيفة كما نباتات الفوجير والأسبرجس، التي تخرج تيجاناً في أطراف سوقها الأرضية..أن أحد أسباب أنشطة تلك الجماعات هو العزلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل التوسع العشوائي وتهميش النمو الديموغرافي وقد أدى ذاك التهميش المتعمد إلى فرض خريطة عدوانية بشبه جزيرة سيناء حتى صارت كجسد غريب ..أو كيان متمرد ..ولو كانت مدن سيناء تعامل كجزء من النسيج المصري المتلاحم لما آلت إليه الأمور اليوم من ملاحم قتالية يسقط فيها الأبرياء ..

إذا قبل محاربة من هم إرهابيون.. على أصحاب القرار أن يحددوا سبب وجود تلك البؤر الإرهابية كما يزعمون ورغم أني لا أدافع عن الإرهابيين ،ولا أتعاطف أبدا معهم تحت كل الظروف لأنه لا تبرير لمن يعيثون في الأرض الفساد ويقتلون العباد الأبرياء بغير حق أو ذنب قد اقترفوه ..إلا أن المشهد اليوم في مصر أصبح صورة مستنسخة ولو بشكل مصغر من قصة الفيلم السينمائي المصري الذي شاهدته أول مرة في الصغر ..رغم أني لست بصدد الحديث عن الأفلام ..والفيلم اسمه " جعلوني مجرماً " بطولة فريد شوقي وإخراج عاطف سالم ..قصة الفيلم حقيقة قدمها فريد شوقي عن أحد الأطفال بالإصلاحية حيث كان اسمه "سلطان" و للذين لم يشاهدوا الفيلم أسرد قصته وبصورة مختصرة ..حيث ظن الطفل سلطان عقب وفاة والده أن يضمه عمه إلى كنفه ويحسن تربيته ولكن استولي عمه على ثروته فيصبح الفتى ضائعًا في الطريق فتلتقطه عصابة للنشل،فيقوم عمه بطرده ويودعه إصلاحية الأحداث يحاول أن يجد عملا شريفًا بعد خروجه من الإصلاحية ولكنه يفشل، ويطارده عمه في كل مكان،ويتهم زورا ويدخل السجن فيقرر الانتقام من عمه ويقتله ليصبح مجرمًا بالفعل ..!!

فكم من سلطان اليوم في مصر..؟!! بل هم سلاطين ..عموما قبل أن يتسبب إحداث مناطق عازلة لا تسمن ولا تغني من جوع في سقوط المنظومة الأمنية بسيناء في ظل المطاردات الأمنية الموسعة وفتح ثغرات للذين يعبثون بأمن مصر ..

على أصحاب القرار أخذ العبر من سقوط الأندلس والتي وإن كانت أحد أسباب سقوطها التوسع الديموغرافي وعدم إحكام السيطرة فنفس الشيء قد يتكرر من جديد ولكن بصورة مغايرة يمكنا أن نسميه" التوسع الإرهابي" الذي كان نائما في سبات عميق ونشط هذي الأيام .. وعلى أصحاب القرار أن يأخذوا العبر لأن عملية إحكام السيطرة الأمنية الكاملة لسيناء في ظل العداء الشعبي الكامن لرجال الأمن أو الذين يرتدون البزة العسكرية هو أمر ٌ صعب تحقيقه للغاية وإلا إن تحقق تصبح سيناء تحت السيطرة الأمنية وحينها وفي ذات الوقت ستسقط بكل أسف جميع مدن مصر كما حدث عملية الهجوم على برلين Berlin وهي واحدة من المعارك الأخيرة على الجبهة الأوروبية في الحرب العالمية الثانية..

حيث قامت جبهتان سوفيتيان بمهاجمة برلين من الشرق والجنوب، بينما قامت جبهة ثالثة باجتياح شمال برلين وكل هذا بسبب فتح هتلر أكثر من ساحة للقتال مما أدى إلى حصار القوات الألمانية لنفسها ..والحل برأيي هو محاولة إحياء الشعب المصري ، وإنقاذه من هلاك الجوع القاتل خاصة ونحن نعلم أن الجيوش تزحف على بطونها فما بالنا بجموع الشعب ..وكذلك العمل على تصالح حقيقي بين الساسة ،وبين الجماهير والعمل على إضافة سيناء للخريطة المصرية من خلال الاهتمام بالمشاريع الصناعية والعمرانية الكبرى التي قد تحول أعشاش الدبابير المتفرقة إلى نقطة مركزية واحدة يسهل اصطيادها وتحديدها..وحينها إما أن تتحول تلك الدبابير إلى خلايا نحل وأقراص للعسل وإما أن يقام الحد عليهم بعد أن تطردهم وتسحقهم بالأقدام الإرادة الجماهيرية المتحدة ..ومن الحلول السريعة الفعالية حاليا برأيي لعودة الأمن لمصر ..هو إلغاء قانون فرض الطواريء في جميع المدن.. وعودة الحياة إلى طبيعتها وخاصة في سيناء ..

يعني تقديم هدنة أحادية الجانب من طرف واحد ثم الانتظار لحسم النتيجة إن كانت خيرا فخير وإن كانت غير ذلك يتم التعامل بطرق علاج صحيحة أكثر فعالية ..ثم هل لو عاودت السيارات السير لتنقل الناس من والى العريش عبر الطريق العادي .. هل يمكن أن تحدث تفجيرات أو استهدافات للجند الذين صاروا هدفا واضحا وسهلا للإرهابيين.. نتيجة تحديد طرق ومواقع خاصة فقط للعسكريين ..فهناك فرقا شاسعا بين تسليط الضوء على الأسماك ،وبين تسليط الضوء على الخارجين عن القانون وذوي الشذوذ ..رغم اتفاقنا على نشاط كلا الصنفين ؟!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات