ثورات شعبية اسقطت اصنام الظلم والاستبداد


تتفق الثورات الشعبية باختلاف الحقبة الزمنية والبيئية المكانية في أسباب قيامها وتفجرها واشتعالها ، كما تتوافق "غالبا" في اهدافها ونتائجها ، فالثورة الفرنسية التى اعتبرت اولي الثورات الشعبية في العصر الحديث استمرت قرابة عشر سنوات متوالية لدحر الظلم والفقر وتنادت للإطاحة بنظام قمعي سيطر فيه الملك ورجال الدين على قوت الشعب بكامله فزاد الظلم وتعددت مشاهد الاستعباد ، واشتعلت اولي شرارات الثورة الشعبية التى قادها الشباب ونتج عنها تحولات جذرية على صعيد سياسي وإجتماعي واقتصادي وثقافي انعكس ايجابيا على حياة الشعب الفرنسي الذى اطاح بتكوينة المجتمع الهرمي في فرنسا ودك طبقة النبلاء الطبقة البرجوازية المالكة ، وتغيرت اوضاع الشعب بعد ان تم اعدام الملك المستبد ، فترة العشر سنوات جاءت بالربيع الفرنسي وانقلبت الموازين بل ان الثورة رسمت مستقبل الدولة الفرنسية الحديثة كدولة مدنية متحضرة احترمت رغبة الشعب وإرادته ، وبين عامي1789ـ1799 ووضع اول دستور للبلاد واصدر بيان فرنسي بحث يضمن حقوق الانسان ، وفصلت السلطات الثلاثة ، وفصل الدين عن الدولة وتساوت الحقوق والواجبات بين طباقات المجتمع الفرنسي كما قامت دولة العدالة والمساواة وحرية الراي والتعبير .
وعلى شاكلتها جاءت الثورة الامريكية لمواجهة الشح الاقتصادي والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي الذى مارسه المستعمر الانجليزي على شعب الهنود الحمر اواخر القرن الثامن عشر ، وربما كانت الثورة البلشفية بداية القرن العشرين من اهم الثورات الشعبية في القارة العجوز حيث اشتعل فتيلها بسبب الضيق الاقتصادى والقمع الذى مورس ضد المتظاهرين بسبب تدني مستوي المعيشة وتفاقم فصول وصور الاضطهاد والقمع وانعدام العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية ، كلها مبررات قادت المئات من الشباب للتظاهر والقيام بثورة شعبية ، ويكفي انها حققت المساواة بين فئات الشعب
نحن العرب ليسنا اقل شأن ، كما اننا لا نعدم الوسيلة لإنجاح اي حراك شعبي يهدف الى قيام دولة مدنية ديمقراطية متحضرة ـ هنا لابد ان نشير الى ان الشعوب العربية قادت اقوي واعظم الثورات الشعبية في تاريخها الملي بالنضالات والتضحيات ـ ولعقود طوال واجهت البلاد العربية القوي الاستعمارية فمن المحيط الى الخليج العربي كانت الشعوب العربية تقود الثورات للإطاحة بالحكومات والانظمة الاستعمارية التى جاءت من وراء البحار والمحيطات لإحكام السيطرة الاستعمارية وديمومة الاستبداد الغربي وغرس الثقافة الغربية في بلاد عربية تختلف عنها في الثقافة والبيئة والنسيج الاجتماعي ولا تتحد معها في اي سياق عدا كون الشعوب امم وثقافات وحضارات تنادي بالحرية وتطالب بالعدالة والمساواة ودحر الظلم والاستعباد ، بلاد العرب خرجت من حقبة استعمارية طويلة تنشد حياة اخري وواقع معيشي اخر اسوة بالحضارات والامم التى سبقتها في انشاء دول مستقلة ذات سيادة ، غير ان ما فرض على شعوب المنطقة اختلف عما كان متوقع فوجود انظمة سياسية استبدادية ديكتاتورية ذات طابع شمولي اطاح بكل الاحلام العربية نحو العدالة والمساواة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وتهاوت تطلعات القومية العربية والوحدة والاستقرار والسيادة امام اجندة الانظمة السياسية ، وهي تضع مصالحها فوق اي اعتبار لتضمن بقاءها على سدة الحكم استعملت جل الوسائل بما ذلك الدين ووظفته لتحقيق اهدافها .
ومع ازدياد الظلم والقهر وتفاقم مشكلات الفقر وانعدام فرص الاصلاح السياسي والاقتصادي اصبحت الحاجة ملحة لقلب الموازين والخروج من استبداد النظم الشمولية التى عجزت في حل ازماتها وزادت من الضغط على الشعوب التى خرجت مرات ومرات في تظاهرات سلمية ترفع راية التغيير والاصلاح والحد من الظلم ومعالجة جل الاخفاقات التى وقعت فيها النظم القائمة المتبجحة بقوتها العسكرية وسلطتها واستبدادها ، دون ان تسهم المطالب الشعبية في معالجة ذات البين بين النظام والشعب فزادة الهوة اتساعا بازدياد الظلم وزاد الضغط وفقدت الانظمة شرعية وجودها وبقاءها حيث انتفضت الشعوب وثارت ضد الظلم والعبودية ، ضد استبداد انظمة هى وريثة لنهج استعماري جاء بها تخدم مصالحه واصبحت اليوم ورقة محروقة حينما ثارت الشعوب .
وليس ببعيد كانت الثورة التونسية او ما عرف بثورة الياسمين اول زهرة في الربيع العربي فجرت صمام الامان الذي كانت تحتمي به الانظمة العربية والشمولية خاصة في ليبيا ومصر ، ومن تم اشتعلت الثورات الشعبية في بعض البلاد العربية لتطيح بانظمة ديكتاتورية استبدت في الحكم واستمرت في الظلم حتى فقدت الشعوب القدرة على التحمل ، ومنها انطلقت الشرارة واشتعل فتيل الثورة العربية الى مصر واليمن وليبيا في شكل ثورات عارمة استطاع شبابها اسقاط انظمة الظلم وكسر احتكار القوة ، ولم تقوي الانظمة السياسية امام ارادة الشعوب على الاستمرار او الحفاظ على ركائز وجودها ، بل تهاوت كالاصنام امام صوت الحق صوت الجماهير التى صدحت وبقوة ،" البقاء للشعوب والزوال لأنظمة الظلم "



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات