ألا من يشتري سهراً بنوم ؟


عندما جاء الاسلام العظيم الغى نظام الحكم الملكي العائلي الذي كان سائدا عند العرب في الجاهلية ، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله " عليكم بسنتي

و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " و الشاهد هنا ان الرسول صلى الله عليه و سلم سمى الحكام من بعده بالخلفاء، فألغى بذلك اسم الملك الذي كان سائدا في الجاهلية ، و لذلك كان المسلمون يدعون ابا بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله .

و في حديث أخر ورد قوله صلى الله عليه و سلم " تكون النبوة فيكم ما شاء الله لها ان تكون ثم يرفعها الله اذا شاء ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" .. الخ الحديث،و الشاهد هنا ايضا ان الرسول صلى الله عليه و سلم سمى نظام الحكم من بعده خلافة .

وبما ان النبي صلى الله عليه و سلم كان من بني هاشم و جاء ابو بكر خليفة له من بني تيم ثم جاء بعده عمر وهو من بني عديّ ثم عثمان وهو من بني أمية، فبذلك قد ألغى الاسلام نظام الملكية و الحكم العائلي مرة واحده ، لأن الناس في الاسلام سواسية اذ لا فرق لعربي على عجمي الا بالتقوى ، فكيف يكون الفضل لعربي على عربي الا بالاستبداد و التمييز العنصري .

ولقد ذم الله تعالى " الملكية " في كتابه العزيز في أكثر من موضع بقوله تعالى " ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها " و في موضع آخر قال تعالى " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " ومن ابرز مظاهر الفساد و الافساد في الملكية العائلية في الجاهلية ذلك الذي حدث لأحد ملوك حمير " التبع حسان " .
يحكى أنّ حِمْير تفرقت على ملكها حسان و نازعته الامر لسوء سيرته و مالوا الى أخيه "عمرو " فحملوه على قتل أخيه حسان و رغّبوه في المُلْك و وعدوه حسن الطاعة و المؤازرة .

لكن رجلا واحد من وجهاء حمير صديقا لعمرو بدعى " ذو رعين " نهاه عن قتل أخيه و كرّه له ذلك، فلما رأى ذو رعين ان صديقه عمرو أخا الملك لا يقبل منه ذلك خشي منه العواقب، فكتب بيتين من الشعر على ورقة

و قال له هذه وديعة لي عندك الى ان أطلبها منك ، فأخذها عمرو و ختمها بخاتمه و وضعها في خزانته .
فلما قتل عمرو أخاه حسان و جلس على كرسي الملك مُنِع منه النوم و سُلّط عليه السهر و أصابته الكآبة ، فلما اشتد عليه ذلك لم يدعْ في اليمن طبيبا ولا كاهنا ولا منجما ولا عرّافا الا جمعهم و أخبرهم بقصته و شكى لهم ما به .

فقالوا له جميعا يا ايها الملك ما قتل رجل أخاه او ذا رحم منه على نحو ما قتلت أخاك الا سُلط عليه السهر و منع منه النوم و أصابته الكآبة ولا خلاص له.

فلما قالوا له ذلك أقبل على كل من اشار عليه بقتل أخيه و رغبه في ذلك من وجهاء حمير الا قتله حتى أفناهم، فلما وصل الى " ذي رعين " قال له ايها الملك ان لي عندك براءة مما تريد ان تصنع بي ، قال وما براءتك ؟ قال : اني كنت قد نهيبتك عن قتل أخيك لو تذكر ، و ان لي عندك وديعة تثبت ذلك قد و ضعتها في خزانتك .

فأمر" جلالة الملك عمرو الحميري المعظم" أن يؤتى بالورقة من الخزانة ، فلما فتحها فإذا مكتوب فيها ..
الا من يشتري سهراً بنومٍ ... سعيدٌ من يبيت قرير عينِ
فإذا حِميرٌ غدرت و خانت ...فمعذرة الاله لذي رعينِ

فعفا عنه.

و يحكي انه كان في القرن الماضي ملك عربي قد خلع أخاه و قرة عينه من ولاية العهد قبل وفاته بـ 13 يوما ، وقلدها لابنه الذي اعتلى كرسي الحكم بعد وفاة أبيه ، فحاصر عمه الأمير المخلوع حتى قل زائره و انعدم داعيه خوفا من العسس .

فلما هبت رياح الربيع العربي و هاج الشعب بالحراك الشعبي، احتاج الملك لخبرة عمه " المحنك " طمعا في تهدئة الهيجان الشعبي و الخلاص من خطر الربيع العربي.

فظهر الأمير المخلوع على شاشة التلفزيون بعد انقطاع دام 13 عاما و قد علم الأمير المخلوع أن الفضل في فك الحصار عنه يعود للحراك الشعبي ، فلم ينكر الجميل و قدم له الشكر الجزيل على هذه المكرمة الشعبية التي اعادته للحياة الطبيعية.

وقد سجل تاريخ الانظمة الملكية العائلية عادة درجوا عليها في خلع أباءهم و اخوانهم فهم ما بين خالع و مخلوع .

ترى اذا كانت الجاهلية في قعر الأرض و قعر الزمان قد احتملت ان يكون فيها ملوك و حكم عائلي حتى جاء الاسلام فألغاها و أبدلنا خيرا منها.. فهل يصلح ان يظهر شيء منها في القرن 21 .؟!
ضيف الله قبيلات



تعليقات القراء

طبوش
انا من محبي مقالاتك ، وكتاباتك استاذ قبيلات ،وفقك الله لما فيه خيره وفك الله أسر الامير العربي المخلوع .
15-09-2014 08:34 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات