قراءة في حوار الملك : جواب على سر الغياب .. وترسيخ لملكية مختلفة


خاص - اسلام صوالحة - بداية ، أن يختار الملك عبدالله الثاني، صحيفة محلية مستقلة غير رسمية، للظهور والحديث من خلالها في هذا التوقيت بالذات في ظل التحديات الخطيرة التي تواجه الاردن وتعصف في دول الجوار، لا يمكن ان يكون محض صدفة او قرارا عشوائيا وعبثيا، بل تجديد ثقة بالاعلام المحلي المستقل منه تحديدا.

فالملك طالما انتقد الاعلام الرسمي التقليدي، وعاب عليه فشله في التأقلم مع ثورة المعلومات والاتصالات الرقمية والفضاء الإعلامي المفتوح، وعدم قدرته على استعادة ثقة الراي العام الذي ملّ الايقاع الروتيني المضبوط حكوميا في وسائل الاعلام الرسمي، وبات القارئ والمشاهد يبحث عن ايقاع اكثر فاعلية وديناميكية وهو ما يجده في الاعلام الخاص المستقل.

أما من حيث المضمون، فقد أكد الملك خلال الحوار الذي اجرته معه الزميلة جمانة غنيمات ونشرته صحيفة الغد امس الاحد، على موقف الاردن المعلن من القضايا الاقليمية وخاصة القضية الفلسطينة والازمتين العراقية والسورية، بما في ذلك تحذير جلالته القديم الجديد من خطورة التطرف وانتشار الفكر واستغلال الدين لاغراض سياسية.

وفيما يتعلق بالعدوان على غزة، لفت جلالته الى ان الاردن فضل العمل بفاعلية وروية لإنهاء العدوان الإسرائيلي بعيدا عن الشعارات الشعبوية، رافضا المزايدة على علاقة الاردن بفلسطين، في رد صريح على الانتقادات بشأن الموقف الرسمي الاردني من العدوان.

محليا، جدد جلالته التأكيد على ان ما يشهده الاقليم من ظروف وتحديات وصراعات لن يكون ذريعة للتردد بالاصلاح، واستعرض البرامج والقوانين الاصلاحية الناظمة للحياة السياسية التي تعدها الحكومة ضمن سقف زمني واولويات تحددها المسارات الدستورية .

وعن مستقبل مجلس النواب والحكومة شدد جلالته على ان هناك مسارات دستورية واضحة لحل مجلس النواب أو استقالة الحكومة، والآثار القانونية التي تنتجها محكومة بنوافذ زمنية معينة لمنع أي فراغ دستوري ولحفظ التوازن بين السلطات.

وقال "نحن لسنا بصدد كل ذلك، بل نحن بصدد ترسيخ استقرار العمل النيابي والحكومي بحيث يُكمِل المجلس النيابي مدته لأربع سنوات كاملة طالما تمتع بثقة الشعب، وتستمر الحكومة في مسؤولياتها طالما تمتعت بثقة مجلس النواب، وهذا هو الأساس في الأنظمة الديمقراطية الحديثة".

ويبدو ان الملك اراد ايصال رسالة الى رجالات الدولة ورواد الصالونات السياسية ونجوم المناسبات ، حين قال ان " تقييم العمل بموضوعية لا يحتكم الى صالونات عمان السياسية ولا لسياسيين يروجون لأنفسهم في الاعلام" ، بأنه اقرب الى اذهانهم وما يدور فيها مما يظنون.

الا ان ابرز ما جاء في حوار الملك هو حديث جلالته باسهاب عن اعداد ولي العهد الامير الحسين الشاب لمسؤوليات القيادة، مشيرا الى انه يرى فيه قائدا هاشميا يعني التطور الحتمي للملكيات، وهو اعلان ضمني ان الملك بدأ فعليا التأسيس لملكية مختلفة لتوريثها لولي عهد.

صحيح ان جلالته كان قد كشف عن نيته توريث ملكية مختلفه كما اكد  في الورقة النقاشية الثالثة حين قال " مع تطور ديمقراطيتنا وإنجاز المحطات والمتطلبات ، فإن دور الملكية سيتطور أيضاً، وهو ما أنشده بقناعة راسخة ودافع ذاتي، بقدر ما يتطلبه تطور الملكيات الدستورية"، الا ان احدا لم يكن يظن ان الملك جاد الى هذه الدرجة، وبهذه السرعة.

وهذا يقودنا الى ما اثير مؤخرا حول سفر الملك الى الولايات المتحدة وغيابه عن الوطن لمدة 10 ايام في الوقت الذي كان فيه قطاع غزة يتعرض لعدوان بربري صهيوني غير مسبوق، وهي بالمناسبة ليست المرة الاولى التي يتغيب فيها الملك في ظروف حساسة وحرجة، ففي احداث العنف التي اعقبت رفع الدعم عن المحروقات قبل عامين آثر الملك النأي بمؤسسة العرش عن المشهد، وترك للحكومة التعامل مع الاحداث التي سرعان ما خمدت في غضون ايام قليلة.

وكذلك فعل جلالته في قضية استشهاد القاضي رائد زعيتر، حيث لم يصدر عن الملك اي موقف او تصريح ، باستثناء زيارة جلالته الى بيت عزاء الشهيد بعد الواقعة بايام.

اذا ، بات واضحا ان  الملك اراد ان يرسخ بغيابه المتعمد نهجا جديدا للحكم والعلاقة بين القصر والحكومة من جهة والقصر والشعب من جهة اخرى ، ويؤسس كذلك قواعد جديدة لمملكة دستورية مختلفة طالما نادى بها الناشطون والسياسيون على مدار 3 اعوام مضت في اطار الحراك الاردني، غير ان المفارقة تتجلى في ان اغلب الاصوات "المستوحشة" من تغيب الملك ، لا تخرج من حناجر "الموالاة" بل من حناجر تصدح كل يوم للمطالبة بالملكية الدستورية والولاية العامة للحكومات وتقليص دور وصلاحيات الملك !! حالهم حال طفل تراوده رغبة بالاستقلال عن والديه، الا انه ما ينفك يتشبث باكيا باطراف ثوب امه كلما همت بالمغادرة خوفا واحساسا بانعدام الامان في غيابها.

في مقابلة شهيرة له مع صحيفة ذي اتلانتيك تساءل الملك عن مصير الملكيات بعد 50 عاما ، الا ان الوعي الجمعي الاردني الذي يقاوم فكرة غياب الملك عن الحياة اليومية للمواطن، حتى اؤلئك الذي يطالبون بدور شرفي للملك وتجدهم اول من يستجدي تدخله في كل حدث صغر ام كبر، ما هي الا دلائل على ان امام الملك تحديات تفوق رغبته وجديته لتأسيس ملكية دستورية يرثها ولي العهد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات