السلاحُ الذي بيدِنا يبيدنا .. !


حين تتوشح الخناجر المغروزة في خاصرة الأمة بتواقيع أبنائِها فإنّ الألم – لا ريب – يستعظم ، وإذا أواصرُ المتقاربين في الدّين والنّسب والجوار يصْهرُها لظى الحقدِ والحَنق والكراهية فكلُّ خيرٍ في العيشِ - وإنْ أظلّته كنوز الدنيا ولذّاتها – لا بدّ يزول و يتحطّم ، ولمّا يتواصى الناسُ في الخلاف على الظلم والحدّة أو العنف والشّدة فهو لأنفُسِهم جميعاً سَوْقٌ لِمهْلَكٍ شديدٍ لا يَرحَم .
العنفُ الذي بات اليوم يتطاول على مجتمعنا قد استنفد كثيراً مِن دهشة العقلاء في هذا البلد الطيّب المبارك ، ووقع عليه – وحوله – مِن التساؤلات ما صرنا مع كثرتها نخشى تكرارها ؛ فربما أنْسَتْنا مرارةُ الواقع فينا مِن وطأة العنف ما قد يفتح لنا أبواب تفريج الله – تعالى – أو يهدينا إلى موجبات رحمته ؛ والمُصيبةُ عظيمة و { ليس لها من دون الله كاشفة } .
انتشار العنفِ فينا أخطرُ منه تطوّرُ أشكاله وصعودُ وسائله وأدواته إلى مشارف هاوية القتل أو حتى التساهل في إزهاق الأنفس التي حرّم الله إلّا بالحق ؛ وهذا يبْرُزُ لنا من أخبار نسمعها – عن الاقتتال والتناحر والعنف والتشاجر – في كلّ يوم ! ، والذي يصدمنا منها ما يصل إلينا من المُسبِّبات الواهية ، والدّواعي الواهنة ! ؛ ولو أنّا ما شهدنا وعايّنا شيئاً من هذا العنف وتوثيقه لأبَتْ النفسُ – قبل العقل – تصديقه ، لكنّه – مع شديد الأسى – واقعٌ وحقيقة ! .
ما ألجأ القلوب إلى الغيظ والغضب ! ، وما أجرأ الأيدي إلى أدوات الفتك والسلاح ! ، فتجاسرت الأنفس على القتل وعدْم الأرواح .. ! ، حتى وَهَنت فينا معاقل التراحم والتآلف إلى حدّ السقوط ..!
(ظاهرة العنف ) في تطوّر ، والنّاس فيها إلى تهوّر ! ؛ ولئلا ينصدعَ الشّقُّ في الواقع ، و ( يتسع الخرق على الرّاقع ) ؛ فلا بدّ من التنقيب عن حقائق هذا المرض المُعضل الذي يقضّ مضاجعنا ، والتعقيب على ذلك العرض المُخجل الذي يُناقض شرعنا ..! وقديماً قالوا : " إنّ الإحنَ تجرُّ المحنَ " والإحن : الأحقاد .

وأنا لا أنتقص في بيان الأسباب من البحوث والدّراسات ، ولا أنتقد ما يطرح – في العلاج – من الحلول والسياسات ؛ ولكن لا مفرَّ من ورود الدّين فإنّه أساس الأساسات ..

والله - جلّ ثناؤه - يقول – مخاطباً نبيّه عليه السلام :
{ وألّفَ بَين قُلوبهم ، لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألفتَ بين قلوبهم ولكنّ الله ألّفَ بَنهم }

بالإسلام ! دين التّواد والتراحم ، والتّحاب والتلاحم ، ونبذ الفرقة والتنافر ، والبغض والتدابر ، ودين العدل والإنصاف ، ونبذ الجور والتعسّف والإجحاف .

وهذه الآية وإن كانت نزلت في الأنصار أو الأوس والخزرج على قول أهل التفسير ؛ فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم .

وإنّي هنا أسوق لكم كلاماً نبوياً تعلوه الرحمة والشفقة بهذه الأمّة فتدبّروا :
' أفشوا السلام و أطعموا الطعام و كونوا إخوانا كما أمركم الله '
و
" لا تباغضوا و لا تقاطعوا و لا تدابروا و لا تحاسدوا و كونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله "
و " لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره .... بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمُه ومالُه وعرضُه "
" قتال المؤمن كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام "
" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ، ستره الله يوم القيامة "
" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "
و
'' ما أحب عبدٌ عبداً لله إلا أكرمه الله عز وجل "
" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "
و
" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ..
" إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي "
" والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم "
و
" إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليعلمه ، فإنه أبقى في الألفة ، وأثبت في المودة "

واسمعوا ..
‏عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا ، واعلموا أن لله عز وجل عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله "
فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله! انعتهم لنا، جلِّهم لنا ؟ فسر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - بسؤال الأعرابي .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله وتصافوا ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها ، فيجعل وجوههم نورا ، وثيابهم نورا ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
( والحديث صححه الإمام الألباني )
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنّ رجلاً زار أخا له في قرية , فأرصد الله له ملكا على مدرجته , فقال : أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في هذه القرية , فقال : هل له عليك من نعمة ترُبٌّها ؟ قال : لا ؛ غير أني أحبّه في الله , قال : فإني رسول الله إليك أنّ الله أحبك كما أحببته "
رواه الإمام مسلم
فكان أن ضرب الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – في الإخاء والمودة ؛ ما لا يُعرف له نظيرٌ في تاريخ البشريّة ؛ وكتب السَير تطفح بقصصهم وآثارهم ومواقفهم في ذلك ؛ فكانوا – بحقِّ – خير َسلفٍ لتابعيهم ، ولمن جاء بعدهم .
وحسبي أن أذكر لكم – ها هنا - أثراً عجيباً ؛ يُنبئُنا بما كانت عليه قلوب أولئك من الألفة ؛ وهم الذين ربّاهم نبيُّ الرحمة والرأفة – صلى الله عليه وسلّم – ؛ فقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب ( الإخوان ) بسنده عن الحسن قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر الرجلَ من إخوانِه في بعض الليل فيقول : ' يا طولها من ليلة ' فإذا صلّى المكتوبة غدا إليه فإذا التقيا عانقه .
{ رحماء بينهم }
نعم !
فبعد أن كانوا بالأمس أعداءً متناحرين ، صاروا بنعمة الله أخلّاء رحماء متحابين ؛ قال ربُّ العالمين - عزّ في علاه - : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنُتم على شَفا حفرة من النّار فأنقذكُم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون }
إنها الأخوة التي عقدها الله تعالى من فوق سبع سماوات ..
ولو لم يكن من دليل على كمال الألفة بين قلوب الصحابة غير هذه الآية لكفى ؛ ذلكم أنّ الله تعالى يمنُّ على عباده بما أسبغ عليهم من النّعم ، فله الحمد على نعمة الإسلام ديناً خالطت بشاشته القلوب فأحيتها ، وخالجت بشائره العقول فأنارتها ، وجعل بيننا من وشائج المودة والرحمة ما يعلو بالنفس عن الظلم والجور، ويسمو بها إلى العدل والنور ، ويحرِّرها من أغلال الشدة والعنف ، ويحضها على الرفق واللطف ، ويربيها على التسامح والعطف .

إن يفترق ماءُ الوصال ..
فماؤنا عذبٌ تحدّر من غمام ٍواحد ِ
أو يفترق نسبٌ ..
يؤلِّف بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالد ِ

أسأل الله تعالى أن يؤلّف بين قلوب المسلمين عامة ، والأردنيين خاصةً ، وأن يُنزل السكينة و الطمأنينة عليهم ، ونسأله تعالى فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحبّ المساكين ، وأن يغفر لنا ويرحمنا ، وإذا أراد بقوم فتنةً أن يتوفانا إليه غير مفتونين ..
والحمد لله ربّ العالمين



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات