دولة الخلافة التداعيات والمستقبل"


يعمل أعداء الأمة إلى تعميم الفوضى ، وتهيئة الأوضاع من أجل إعادة صياغة المنطقة، وتشكيلها كما يشاؤون وعلى طريقتهم ، وبشكل يحقق لهم مصالحهم أولاً وأخيراً. فالتغيير في المنطقة إنما يهدف إلى السيطرة على مقدراتها الاقتصادية وفي مقدمتها النفط. وتأمين أمن واستقرار الحليف الاستراتيجي " الكيان الصهيوني" الذي يسعى لتدمير الشعب الفلسطيني أولاً والشعب العربي بمجمله ثانياً.

ومن الوسائل التي تعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون اختلاق شرخ بين الشعوب في المنطقة عن طريق إثارة النعرات الطائفية ، وما مئات المحطات التلفزيونية الفضائية المسخرة لهذا الغرض إلا خير دليل على ذلك، حيث تفسح هذه المحطات المجال لرجال الدين المأجورين ، الذين دفعت لهم مسبقاً أموالاً طائلة كي يظهروا في معظم الأوقات ليناقشوا أية قضية تثير الفرقة والانقسام بين الطوائف والأديان.

إن ما يساق من خلافات ونزاعات وشقاقات بين الأديان ،وبين الفرق الاسلامية لا وجود له، وأن من اصطنع هذه الخلافات هم أصحاب المصالح والنفوذ الذين لا تتحقق مصالحهم من دون هذه الخلافات. وما يدور الآن من خلافات بين المذاهب الاسلامية ليس إلا تقسيمات مغرضة ، ومزاعم واهية. ولابد من التنبيه أن جميع أتباع هذه الفرق الاسلامية مستهدفون ، وأن الغاية الأساسية لأصحاب المصالح من هذه الحروب والنزاعات الدينية هي الفتنة بين المذاهب وتقسيمها.

كان الاحتلال الأمريكي الأوروبي للعراق عاملاً رئيسياً في تعميق الصراع الطائفي والمذهبي في العراق، ثم في دول المنطقة. وفي تدمير الجيش العراقي الذي كان يُعتبر من أقوى الجيوش في المنطقة، وفي تعميق المحاصصة الطائفية بين مؤسسات الدولة العراقية، وظل العراق يعاني من ضعف المؤسسة الأمنية والعسكرية، وهشاشة المؤسسات الاقتصادية ، التي استشرى فيها الفساد. وباحتلال العراق الذي امتد ثماني سنوات ، أصبحت البيئة الاجتماعية مهيّأة لاستقبال أي تنظيم سياسي أو ديني بغض النظر عما يحمله من فكرة أو توجه. كما أصبحت جغرافية العراق جاهزة للتقسيم على أساس طائفي ، أو أثني.
إن ظهور "داعش" وقدرته على الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، هو نتيجة لسياسات الولايات المتحدة التي تخلت عن دعم العراق. وما تحميلها مسؤولية انهيار الوضع عسكرياً لرئيس الحكومة العراقية إلا مبرراً عن تقاعسها الفاضح لتطبيق الاتفاقية الأمنية الموقّعة بين الطرفين.
إن ظهور دولة جديدة في الإقليم تمتد عبر دولتين قائمتين يعني ظهور خارطة جديدة،وجغرافيا سياسية جديدة ، وتحالفات سياسية جديدة ستبرز آجلاً أم عاجلاً.

لقد خلق الإعلان عن قيام دولة الخلافة واقعاً جديداً على الأرض, فها هي حكومة كردستان العراق بعد أن احتلت مدينة كركوك والأراضي المتنازع عليها، قد أعلنت أنها ستجري استفتاءً يقرر مصير هذه المناطق لضمها إلى إقليم كردستان تمهيداً لقيام دولة كردستان العتيدة بين دول ترفض قيامها ، مما يجعل الشعب الكردستاني يعيش في مأزق وأزمة وحالة عدم استقرار طويلة.

كما يتحفز الآن بعض الأطراف في الوسط السني الذي راح يدعو إلى تشكيل إقليم سني يعبر عن تطلعات وأهداف السنة الذين يشعرون بالظلم الذي يلحق بهم من سياسة الحكومة العراقية. وهكذا ينقسم العراق غلى ثلاث دويلات كما كان قد خطط لذلك نائب الرئيس الأمريكي في عام /2007/ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، الذي دعا إلى إقام ثلاثة أقاليم مستقلة في العراق على اساس طائفي إثني.

إن تقسيم العراق إلى دويلات طائفية قائمة على أساس مذهبي ، سيؤدي إلى تداعيات خطيرة

على دول المنطقة التي تتألف كل منها من عدة طوائف ومذاهب، كالسعودية ودول الخليج العربي ، وسوف نرى مستقبلاً انقسامها إلى دويلات طائفية مذهبية. وإن هذا التقسيم يصب حتماً لصالح الكيان الصهيوني الذي يدعو إلى قيام الدولة اليهودية .
أما خارطة دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم" داعش" فتمتد من شمال سوريا إلى ديالي في العراق ، ثم تنسحب لتشمل مساحات واسعة وتضم دولاً مستقلة لا تزال قائمة كاكويت ولبنان وفلسطين والأردن بالإضافة إلى سوريا والعراق!! فهل كانت قيادة الدولة جادة في طرحها لخريطة دولتها؟ وهل هي قادرة على حماية هذه الدولة المترامية الأطراف والتي تحتوي على أكثر من ثلاثين بالمئة من الثروة النفطية العالمية؟ وهل يوجد في الدولة الكادر القادر المؤهل على إدارتها ؟. أما الاعتراف بها دولياً فلا أعتقد أنها مهتمة بهذا الأمر لأنها تعتبر قيام هذه الدولة إنما هو خطوة لاسترجاع كافة الأقاليم التي كانت جزءاً من الامبراطورية الاسلامية والممتدة في أواسط أوروبا إلى حدود الصين، وشمال إفريقيا.
أما السياسة التي تتبعها في التعامل مع مواطني الأقاليم المذكورة فهي قائمة على مبدأ " أسلْم تسلم" حيث تعتبر كل من لا يبايع خليفة الدولة كافراً مرتداً مصيره القتل !!.

كما تقوم سياسة دولة الخلافة على استهداف كل الطوائف التي تعتبرها غير مسلمة كالمسيحية التي تستهدف بالقتل والتهجير وحرق وتدمير الكنائس. والشيعة الذين تعتبرون كافرين يجب إبادة قراهم مع ساكينيها. لقد خلق تنظيم "داعش" واقعاً جديداً على الأرض سيغير أساليب اللعبة السياسية والدبلوماسية وبدأت بعض الدول الكبرى تدعو إلى إيجاد قواعد جديدة عنوانها أن الهيمنه الأمريكية قد أوشكت على الإنتهاء ، وأنه لا بد من إعادة رسم الخارطة الكونية وفق تعدد مراكز القوة . في حين لا تزال الولايات المتحدة تلجأ إلى تسخير التنظيمات غير الرسمية الفوضوية لمواجهة الأنظمة التي تسعى لإسقاطها.

أما تركيا التي تقف " داعش" على حدودها ، فإنها تعتقد أن هناك ترتيبات لإعادة رسم خرائط دول المنطقة ، وإن ظهور داعش قد يغير الكثير من التحالفات القائمة على الأرض، وتلتقي تركيا مع حليفتها أمريكا على أن سياسة العراق ممثلة برئيس الحكومة " نوري المالكي" تتحمل المسؤولية الأولى فيما يجري من أحداث داخل العراق. ولكنها لا تعلن موقفاً واضحاً من تنظيم "داعش"!.

أما الموقف العربي من التطورات الجارية فلا موقف موحد على الإطلاق ، بل موقف متصارع يغذي الحروب الطائفية وينتظر ما ستقرره الدول الكبرى للمنطقة.

يظل تنظيم داعش تنظيما إرهابيا حسب القوانين الدولية،ورأي الغالبية الساحقة من المسلمين.ويرى منظر التيار السلفي الشيخ أبو محمد المقدسي الذي نُشر في مواقع جهادية مختلفة " أن تنظيم الدولة قد سفك الدماء المحرمة، وهذا موثق ، ورفض الانصياع لقادة المجاهدين ومشايخهم ومبادراتهم ونصائحهم . إن تنظيم الدولة في العراق والشام تنظيم منحرف عن جادة الحق، وقد تسبب في تشويه الجهاد ، وتحويل البندقية من صدور المرتدين إلى المحاربين..". فلا شيىء يمكن إضافته إلى رأي الشيخ المقدسي سوى القول إن هذا التنظيم الذي تصدر فجأة الأخبار الرئيسية العالمية ، سيبقى تأثيره قائماً، وستظل تداعياته مستمرة، ما دامت الأمة في وضعها الراهن من الضعف والتشتت والهوان.

 



تعليقات القراء

غازي ابو نايف
كالعاده كتابات وتحليلات سعادتك تصب في مصلحه اسوأ نظام عرفته البشريه منذ انتهاء الحرب العالميه الثانيه متجاوزا نظام عائله كيم ايل سونغ في كوريا الشماليه بطشا وقمعا وقتلا واستعبادا للبشر .
عائله الوحش في سوريا وانصارهم الطائفيين الصفويين في جنوب لبنان هم من جعلوا سوريا العروبه وجنوب لبنان امتدادا للدوله الفارسيه التي احتلت العراق بمساعده من الامريكان والصهاينه لتنفيذ مؤامرات الملالي المعممين الحاقدين على العروبه والاسلام ولذلك من الطبيعي ان يظهر حركات هنا وانتفاضه هناك بغض النظر عن المسميات لدحر المعتدين وحمايه البلاد والعباد من غدر الفرس واعوانهم الماجورين
داعش والنصره وغيرهم ليسوا بأسوأ من عصائب الباطل وميليشيات البطاط وزعران الصدر وماجوري الحكيم .
06-07-2014 02:32 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات