شرطي في البحرين


بعد أن غادر آخر المودعين من الأقارب والأصدقاء جلس أبو عارف في مضافته الكبيرة ينظر الى أولاده الثلاثة عارف بيك , المهندس صالح وآخر العنقود الشرطي سالم الذي سيسافر غدا الى البحرين .

- أبو عارف : قل لي يا سالم هل جهزت حقائبك؟

- سالم : لا يا أبي لم أجهز شئ فالتعليمات تمنع ذلك .

- أبو عارف : لم أفهم .

- عارف : لا عليك يا والدي إنها إجراءات روتينية وسأحرص بنفسي على توفير كل ما يحتاجه أخي الصغير المهم أن ينتبه لنفسه ويكون على قدر المسؤولية ويركز بواجبه وليس بمراسلة خطيبته .

- سالم : لا تقلق يا أخي لن أستعمل الهاتف كثيرا , رسالة واحده فقط كل نصف ساعة .

- عارف : هل سمعت يا والدي هذا الولد المدلل , لا أدري كيف سيكون رب أسرة ذات يوم .

- أبو عارف : ما بك يا صالح لماذا تجلس صامتا هكذا ؟

- سالم : إنه غير موافق على سفري يا أبي .

- أبو عارف : ولماذا يا بني ما الذي لا يعجبك ؟

- صالح : لا داعي لهذا الحديث الان يا أبي فكلامي لن يقدم أو يؤخر شيئا , وكلها ساعات قليله ويغادر سالم .

- عارف : دعك منه يا أبي فأنت تعرف صالح وحبه لسالم وخوفه عليه .

- أبو عارف : قل يا صالح ما الأمر فأنا أعرفك وأعرف أن لهذا القلق أسبابه .

- صالح : يا والدي أنا لا أفهم ما الذي يفعله أبناءنا في البحرين أو غيرها من دول الخليج , مع من يقفون وعن ماذا يدافعون ولماذا هذا التكتيم على سفرهم ؟ حتى انه لا يسمح لهم بحمل أي شئ يخصهم حتى أوراقهم الثبوتيه, إنهم هناك يقمعون ويضربون ولكن لماذا ولصالح من ؟ لصالح أنظمة فشلت في تحقيق العدالة الإجتماعية لشعوبها بل وفشلت حتى في إنشاء جهاز أمني وطني يحميها ....
- عارف : ما هذا الكلام يا صالح أنت تبالغ كثيرا, نحن لا نخدم أحد ولا نقمع أحد, نحن نقوم هناك بما نقوم به دائما وفي العديد من الدول ولعشرات السنين , إننا نحفظ السلام .

- صالح : أي سلام يا عارف نحفظه في البحرين؟ إنه حِراك شعبي يطالب بالعدالة والمساواة وهذه المطالب تستدعي الإصلاح والحوار وليس القمع والترهيب , ولن يعود تدخلنا بشئ سوى المزيد من السخط والغضب والذي سيتحول الى عنف يدفع ثمنه أبناءنا الأبرياء .

- عارف : لكن لا تنسى التركيبة السكانية هناك , نحن لا ندافع في البحرين عن شخص أونظام , نحن ندافع عن العمق العربي الخليجي لان زواله يعني إنحسار حدودنا بين فكي هلال طائفي .

- صالح : قل لي يا عارف هل قمع المعارضة الكويتية كان دفاعا عن ذلك العمق؟ وهل الدعم اللوجستي للجيش الأمريكي في غزو العراق كان أيضا للدفاع عن ذلك العمق؟ ومعسكرات التدريب بالجنوب التي تحاكي القرى الأفغانية ومشاركتنا بالحرب الصليبية التي أعلنها بوش صراحة هناك غيرها وغيرها , يا أخي قل لي أنت ما هو تعريفك لكلمة مرتزقه .

- عارف : يكفي يا صالح لقد تجاوزت حدود المنطق , نحن لا نعمل لدى أحد , إنه واجبنا الوطني والقومي والإنساني , ولا بد لنا من القيام به , وإن كان الظاهر هو كما تقول فالحقيقة غير ذلك , إن كل ما نقوم به هو لمصلحة الوطن وأمنه وسلامته ويكفيك أن تعرف هذا من أخيك , ولا أستطيع أن اُصرح بأكثر من ذلك .

- صالح : يا أخي العزيز لم يعُد هناك ما يمكن إخفاءه أو إنكاره وكما قلت نحن اُخوه وسنبقى اُخوه سواء إتفقنا أم لا , وكل ما أرجوه هو عودتك يا سالم لنا بالسلامة .

- أبو عارف : حسنا يا أولاد هيا لندع أخاكم ليرتاح فغدا ينتظره يوم طويل وشاق .

( بعد مرور ثلاثة شهور )

- صالح : السلام عليكم يا أبي ألا توجد أخبار عن سالم ؟

- أبو عارف : وعليكم السلام , لا يا بني لا شئ , يومان وهاتفه مغلق ولا أحد من زملائه يجيب .

- عارف : السلام عليكم , ألم يتصل بعد ؟

- صالح : لا ليس بعد , هل تمكنت من معرفة شئ ؟

- عارف : لا شئ ,لا أدري يا صالح لا أحد يرد على إتصالي .

( يرن هاتف عارف )

- عارف : ألو... أهلا باشا ... ماذا ... حسنا ... إحترامي .

- صالح : ما الأمر؟

- عارف : إنه المعلم يريدني أن أذهب الى مكتبه حالا وطلب حضور والدي .

- أبو عارف : ولدي سالم ... لا بد أنه قد اُصيب بمكروه .

- صالح : لا تقل هذا يا أبي لا بد أنه قد قام بمخالفة , أنت تعرف سالم إنه عديم المسؤولية .

- أبو عارف : أرجو ذلك .

- عارف : هيا يا والدي دعنا نذهب .

( في مكتب الباشا )

- الباشا : أبو عارف أنت جندي قديم وجيلكم هو من علمنا معاني الواجب والتضحية للوطن , وأنت كذلك رجل مؤمن بالله وتعرف أن كل شئ هو قضاء الله وقدره .

- أبو عارف : ماذا جرى لسالم ؟

- الباشا : لقد اُصيب أثناء مناوبته بقنبله يدويه تسببت بوفاته ونحسبه شهيد الوطن والواجب ونحن نعزي أنفسنا قبل أن نعزيكم .

- عارف : ماذا تقول ... مستحيل ... يا أخي الحبيب .

- الباشا : أخي عارف أنت ضابط وتعرف أن هذه الأمور تحدث وسالم ليس فقيدنا الأول .

- عارف : لكن ليس سالم , ليس أخي الصغير.

- الباشا : تمالك نفسك يا عارف بيك , عليك أن تكون قوي من أجل والدك وأهلك.

- عارف : يا أخي المسكين... وأين هو الآن ؟

- الباشا : لقد تسلمناه اليوم وهو بالمكان الذي تعرفه.

- عارف : وماذا عن الجنازة العسكرية؟

- الباشا : أنت تعرف التعليمات ولا داعي لأن اُذكرك , وليس بإمكاني فعل شئ سوى تقديم هذا المغلَّف.

- عارف : ماذا ... لن أسمح بذلك ... سيعامل أخي بما يستحقه.

- أبو عارف : يكفي يا عارف هيا بنا.

- الباشا : أبو عارف هذا المغلَّف به حقوق ولدك أرجوك أن تأخذه.

( نظر بوجه الباشا وأخذ المغلَّف ووضعه في جيبه ثم أمسك بيد عارف وغادرا المكتب , وفي السيارة جلس الإثنان شاردان صامتان مصدومان ).

- عارف : أبي ... لماذا لا تقل شيئا أرجوك قل شئ , إن صمتك يقتلني , أنت تلومني نعم أنا السبب لقد أرسلت أخي الى حتفه لن أغفر لنفسي أبدا ... أبدا.

- أبو عارف : هون عليك يا ولدي , إنه قدره , هيا سنتأخر إنه ينتظرنا.

( في اليوم التالي )

يقف أبو عارف في حفرة صغيرة يمد يديه للاعلى , في الأعلى ينحني صالح وعارف وبينهما جثمان سالم ملفوف بقماش أبيض – دون عَلم – يُنزلانه بلطف الى صدر والده , يستقبله بشوق كعادته لكن هذه المره سالم صامت بارد تفوح منه رائحة الموت التي تصيب القلوب بالقشعريرة , يُنزل صغيره عن صدره ويكشف عما بقي من وجهه , يبحث عن مكان ليترك فيه قبلة الوداع فلا يجد , يغطيه يائسا ويصعد , وقبل أن يغمره التراب وتسقيه الدموع يُدخل أبو عارف يده في جيبه ويُخرج منها مغلَّف ثم ينظر الى ولديه ويلقيه في القبر .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات