اوكرانيا .. وسقط القناع


بات من الواضح اليوم ان اوكرانيا مقبلة على تغيرات كبيرة تشهد خلالها احداثا تاريخية لم تشهدها من قبل ، وذلك بعد ان سقط القناع المزيف الذي لبسته المعارضة في بدايات انطلاقتها ونزولها الى الشوارع قبل حوالي ثلاثة شهور مطالبة بالحريات والديمقراطية وتزينت بشعارات الحرية والمطالبة بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي من غير وعي وادراك لما يترتب على ذلك من تهديد لامن واستقرار اوكرانيا الاقتصادي وتحول الاوكران الى مجرد ادوات للعمالة الرخيصة للاوروبيين . اليوم وبعد ان سقط هذا القناع وتكشفت المؤامرة التي كنت كتبت عنها قبل شهر واصفا اياها بالرعونة الغربية والخروج عن المألوف ، وتبينت حقيقة هؤلاء المعتصمين في ميدان الاستقلال والمحتلين للمباني الحكومية وسط العاصمة كييف ،ومحرقي السيارات ومؤسسات الدولة ، الذين اعتدوا على رجال الشرطة بقنابل المولوتوف وبعد ان تطورت الاحداث في الايام الاخيرة لتتحول الى اطلاق النيران الحية على رجال الامن وبعض المدنيين اضحى من الواضح للجميع بان ما يجري ليست مجرد احتجاجات او مطالبات شعبية بالحرية ومحاربة الفاسدين، لا بل فلتان وعصيان منظم سرعان ما تحول بفضل تدخل قوى الرحمة والاشفاق الامريكية والغربية ، وبدعم مباشر من الادارة الامريكية واوروبا تمثل بزيارات سريعة وتحرك نشط على مستوى نائب وزير الخارجية الامريكية ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي الذين عقدوا اللقاءات العلنية والسرية مع قادة المعارضة تمخض عنها ولادة انقلاب مسلح ممول اوروبيا وامريكيا دفع بقوة نحو تفاعلات مريبة للازمة وتطورات قادت الى ما نحن عليه اليوم من فوضى واضطرابات لا زالت في بداياتها. وبالرغم من الادعاءات الاوروبية وجهود اللجنة الثلاثية من فرنسا والاتحاد الاوروبي وبولندا التي تمثل العمق الاستراتيجي للمعارضة القومية الاوكرانية والتوقيع على اتفاق بين المعارضة والرئيس يانوكوفيتش حقق للمعارضة معظم مطالها وعلى راسها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة والعودة الى دستور 2004 الا اننا شهدنا في اليوم التالي تقدما مسلحا يقوده الراديكاليون "البونديري" القوميون المتشددون الاوكران نحو البرلمان والقصر الرئاسي وباقي المؤسسات الحكومية دون الالتزام ببنود الاتفاق الذي نص على اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة اضافة الى العودة الى دستور 2004 ، شاهدنا حالة انقلاب مسلح وسيطرة القوى الراديكالية القومية على زمام الامور وهو ما دعا الرئيس وبعد قرار البرلمان بعزله تحت الضغوطات والتهديد واستقالة عدد من انصاره في البرلمان الى مغادرة القصر الرئاسي الى جهة ما زالت مجهولة .الانتقال السريع والتطورات الدراماتيكية التي تشهدها اوكرانيا ان دلت على شيء فانما تدل باعتقادي على ان هناك ارادة امريكية غربية ونوايا مبيتة منذ زمن لتسليم الراديكاليين الفاشيين الحكم في اوكرانيا وذلك كخطوة استباقية لمواجهة النفوذ الروسي وقوة روسيا في هذا البلد الذي يعتبر الحديقة الخلفية بالنسبة له وبالتالي العمل على تقسيم اوكرانيا وتشطيرها الى دويلات ضعيفة يسهل على امريكا والاوروبيين احكام سيطرتهم عليها واتباعها الى الفلك الغربي وبالتالي تشكيل تهديد مباشر لروسيا ، خاصة اذا عرفنا ان اوكرانيا بلد مجاور لا سيما المناطق الجنوبية والشرقية التي يسكنها غالبية روسية ومنطقة القرم التي تعتبر واجهة روسية . السيناريو المحتمل بعد هذه التطورات والوضوح في المواقف الغربية من استيلاء القوميين على السلطة بالقوة ودعمهم له واعترافهم به بالنسبة لروسيا يتمثل في : دعم المناطق ذات الغالبية الروسية في الجنوب والشرق الاوكراني للوقوف بوجه الانقلاب ومقاومة الديكتاتورية القومية الفاشية الجديدة والعمل على تهدئة الاوضاع في البلاد عن طريق الانتخابات واقصاء هذه الزمرة من المتعطشين للديكتاتورية القومية على رقاب الشعب الاوكراني ، وبدأ التحرك في هذا الاتجاه ، حيث تشهد مدينة خاركوف على الحدود الروسية ذات الثلاثة ملايين مواطن معظمهم من اصول روسية وهي مدينة روسية بالاصل كالعديد من المدن الاخرى التي تم ضمها الى اوكرانيا في عهد لينين بعد الثورة الاشتراكية بدايات القرن الماضي( الدنباص دانيتسك ، لوغانسك ، خاركوف وغيرها ) وهي تشكل العصب الصناعي الاقتصادي لاوكرانيا اجتماعات تنسيقية بين مختلف القوى السياسية وتشكيل فرق من الشرطة الشعبية للحفاظ على امن المدينة وسكانها من تغول القوميين الاوكران الذين لا يختلفون عن النازيين الالمان والفاشيين في طروحاتهم السياسية وتوجهاتهم لاخضاع الروس الاوكران بالقوة الى ديكتاتوريتهم ، وعلى روسيا وبالرغم من اننا نقدر عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان دعم هذه التحركات و دعم القرم وباقي المناطق الاخرى للتصدي لهذا الانقلاب الفاشي المدعوم غربيا وامريكيا لانه يهدد قبل كل شيء امن واستقرار روسيا القومي ، كما انه يعد استفزازا صارخا للدولة الروسية النووية ومن حق روسيا والحالة هذه الدفاع عن حدودها ومواطنيها من التدخل الغربي والامريكي في اوكرانيا والتاريخ غني بالامثلة على ذلك ، عندما اجتاحت الدبابات الفاشية الالمانية عام 1941 حدود الاتحاد السوفياتي نهضت القوة السوفياتية لمواجهة الخطر في حرب استمرت خمس سنوات بالرغم من الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.سقطت ورقة التوت الاخيرة وبانت عورة امريكا وانفضحت الاعيب الاوروبيين في اوكرانيا واتضحت اهدافهم ونواياهم العدوانية تجاه روسيا ، الامر الذي يتطلب اليوم حزما روسيا في مواجهة اللعبة الامريكية القذرة ومد يد المساعدة للقوى المتعقلة في اوكرانيا لمساعدتها والوقوف الى جانبها لمواجهة الانقلابيين وعزلهم وتقديمهم للمحاكمة كخارجين على الشرعية ، وان لم تفعل روسيا ذلك فان السيناريو الاخر سيكون حربا اهلية طويلة تغرق البلاد بالدماء وتقود الى الدمار كما هو الامر في سوريا وليبيا وغيرها من بلدان الربيع على الطريقة الامريكية وبعدها ستعمل الولايات المتحدة على مقايضة روسيا المواقف اوكرانيا مقابل سوريا مثلا، وهي تعلم اي امريكا ان المواطنيين الروس والمناطق ذات الغالبية الروسية لن تنصاع للقوميين وديكتاتوريتهم وهي تراهن على ذلك في حرب دموية هناك.
نعم سقط القناع عن الوجه الحقيقي للغرب ونواياه في اوكرانيا ليصبح معلوما ان الهدف النهائي هو حمل النيو فاشيين الى حكم اوكرانيا ليشكلوا حلقة في سلسلة التهديدات للمصالح القومية الروسية واعادة التاريخ وعقارب الساعة الى ما قبل الحرب العالمية الثانية عندما حملت الماسونية العالمية وكان مقرها وقتئذ بريطانيا هتلر والحزب النازي لحكم المانيا تمهيدا للحرب التي افرزت مما افرزت الكيان الاسرائيلي كخليفة ماسونية لأقامة الدولة العالمية والتي تؤمن الماسونية بانها يجب ان تنطلق من القدس والفاتيكان بعد اعادة بناء الهيكل استعدادا لاستقبال المسيح المنتظر، كما سبق ذلك حرب امريكا التي خلفت بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة فكرة الدولة العالمية على العراق بحجج واهية شهدنا بعدها انطلاق ما اصبح يعرف بالعولمة والنظام العالمي الجديد ولنعد قليلا الى اقوال بوش الاب والابن والتركيز على هذه المصطلحات بصور ومناسبات مختلفة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات