بعد تفجير دمشق



عماد بدر - دمشق
لا نقول جديداً حين نؤكد أن الإرهاب لا وطن له ولا دين،وأن الإرهاب أعمى في كل مكان يضرب فيه، فهو لا يعرف ضحاياه ولا يبالي بهوياتهم ،وهو أشبه بكارثة طبيعية تداهم ضحاياها من دون سابق إنذار أو تحسب أو قدرة على تفاديها.

 ولا نقول جديداً أيضاً حين يبدو لنا أن حالة العنف السائدة في المنطقة لن تتوقف في المدى القريب. وأن انفجار دمشق المروع والمؤسف يأتي لينضم إلى سلسلة من التفجيرات التي نراها تنتقل من العراق إلى بيروت ومن صنعاء إلى الخليج العربي، ومن الباكستان إلى تركيا.

ولكن لهذا الانفجار خصوصية تختلف عن غيره من الانفجارات والتفخيخات في صفوف المدنيين، هذه الخصوصية لا تتعلق بالضحايا أو بالدماء التي تسفك هنا وهناك في منطقتنا، فجميعهم أبرياء ولا ذنب لهم إلا صدفة المكان والزمان.. وجميعهم يشتركون بأنهم تعرضوا لحقد أعمى وكافر، أو أنهم كانوا نتيجة مؤامرات الدهاليز السوداء المرتبطة بأعداء البلاد والعباد.

لكن الخصوصية التي أتحدث عنها هنا تتعلق بخصوصية سورية المجتمع والدولة في آن، فالتفجير الإرهابي الجبان تمّت إدانته من جميع الأطراف السياسية والشعبية في سوريا، سلطة ومعارضة، وظهر إجماعاً وطنياً على ملاحقة المجرمين والقتلة مهما كانت انتماءاتهم أو ألوانهم السياسية ، فضلاً عن الإجماع على أهمية السلم الأهلي والحرص على الوحدة الوطنية والتأكيد على وحدة النسيج المجتمعي السوري بكل ما يحويه من فسيفساء قومية ودينية ومذهبية كانت ومازالت مصدر غنى وتنوع لمختلف أطياف المجتمع.

ومن الطبيعي أنني كنت مثل جميع أبناء بلدي مذهولاً إزاء بشاعة الجريمة وإزاء القبح الذي يختفي وراء دوافعها وأهدافها والجهات المستفيدة منها، ولكني كنت أترقب أيضاً مثل الكثيرين في العالم أصداء تلك الجريمة، وأتكهن حول هوية منفذيها.. ورغم قناعتي أن تلك الجريمة وفي كل احتمالاتها وتشعباتها لا تخرج عن سياق الاستهداف المنظم لسوريا، وأنها رسالة مفهومة المرامي، وهي إحدى أوجه الضغوط التي مورست سابقا وتمارس اليوم عليها لثنيها عن مواقفها القومية والإقليمية الثابتة لكنها هذه المرة رسالة أكثر دموية في محاولة لإرهاب الدولة والمجتمع معاً.

لقد تجلّت وحدة النسيج المجتمعي السوري بأبهى صورها إزاء تلك الجريمة النكراء.. وكأن السوريين كانوا يقولون للقتلة أن إرهابكم لا سوق له عندنا، وأن مؤامراتكم مهما بلغت كيديتها فلن تفعل داخل سوريا التي عبرت وما تزال عن أكثر صور الشعوب وحدوية وتلاحماً ورفضاً للعنف والإرهاب مهما كانت دوافعه ومصادره..

هل تحتاج سوريا إلى امتحانات في وحدتها الوطنية بعد ذاك التفجير الجبان؟!

أعتقد أننا أثبتنا للعالم أجمع، وبغض النظر عن بعض الجهات التي (تشفّت) بدماء أبنائنا الأبرياء، أننا أصلب من جميع مخططاتكم لشرق أوسط جديد أو شرق أوسط كبير، أو أية تقسيمات عرقية أو طائفية .. فضلاً عن بدعة الإدارة الأميركية (الفوضى الخلاّقة) التي حاولت تخريب المنطقة وضرب انسجامها التاريخي .. وليس العراق إلا نموذجاً ونتيجة لمثل تلك المخططات.

هل نردد مع أسعد حردان رئيس الحزب القومي السوري في لبنان: "أن هذه الجرائم الإرهابية وكل أشكال الترهيب والضغط التي تمارس على سوريا لن تتمكن من هذه القلعة المنيعة التي تتحصن فيها قضيتنا القومية ومصالح أمتنا العليا" أعتقد أنه تحدث باسم السوريين واللبنانيين والعرب الشرفاء.

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات