مقتدى الصدر


يعلن فجأة انه ينسحب من الحياة السياسية حفاظا على اسم عائلته الذي تشوه بفعل السياسةكما يدعي ،وقام بحل ما تبقى من مليشيات موجوده وتركها في العراء بعد اغلاق كافة مكاتبه ومواقعه والابقاء على الجمعيات الخيرية باعتبارها ترفد الرجل بدعم مالي من داخل العراق وخارجه ومكلف تاريخيا برعاية الفقراء والمعوزين من مدينة الصدر وغيرها احتراما لتاريخ والده .

الصدر الذي تتهمه جماعات سنية بقتل مئات الشباب السنة والاعتداء على الفتيات كان يشكل تنظيما شيعيا (جيش المهدي )غالبيته من المجرمين المتعطشين " للدم السنّي "وكان مسئولا عن جرائم بشعة ارتكبت بحق الناس هناك .

خاض الرجل و" جيشه المهدي "معارك قاسية مع القوات الامريكية عام 2004 في النجف ليس بسبب الاحتلال الامريكي للعراق بل لاسباب تتعلق برفض امريكا منح الرجل صلاحيات وامتيازات تثير اعاصير في وجه الوجود الامريكي وتدفع الناس لقتالهم ،وخسر الاف القتلى في تلك المعارك ،واعتبرته امريكا حينها تهديدا لوجودها هناك ، حيث فر الى ايران حتى عام 2011 بعد انسحاب القوات الامريكية ، لكنه سرعان ما تراجع وقام بحل جيش المهدي وانتظم بالحياة السياسية في العراق وتمثل في البرلمان والوزارة بعدد لابأس به بناءا على طلب ايراني .

ما يثير الشك خلافاته الواسعة مع المالكي اعلاميا ، فيما يمنح المالكي 41 صوتا هي اصوات التيار الصدري داخل البرلمان مكنت المالكي من تولي الرئاسة منذ اعوام في مواجهة خصمه القوي اياد علاوي .

والسؤال هنا مالذي دفع الصدر لاتخاذ قرار حل المليشيات والحركة ومغادرة الحياة السياسية في وقت يعيش فيه العراق ازمة سياسية وأمنية واقتراب موعد استحقاقات برلمانية قادمة ؟

الصدر هذا اختلف مع المالكي في موضوع تقسيم تركة العراق ، وكان يعتقد ان المالكي سيمنحه دعما سياسيا وماليا ويمكنه من الدولة يفعل بها كما يشاء مقابل الدعم الذي وفره للمالكي في البرلمان ومنحته الرئاسة ، رفض المالكي تلك الرؤية الصدرية التي قد تجلب له معاداة داخلية وخارجية وانقسام واسع في تيار دولة القانون الذي يتزعمه والمشكل من مكونات سنية وكردية وشيعية وأثنية مختلفة ، فابعده المالكي عن مواقع صنع القرار بل وكان ان حاربه وانتصر عليه حين اعلن منفردا اي الصدر رغبته بالاستحواذ على نفط البصرة لوحده ! فر بعدها الى ايران التي تدخلت بعد عامين واجرت مصالحة بين الرجل والمالكي ،ورغم المصالحة لم يكن المالكي يرتاح للرجل او يرغب بتوسيع نفوذه في العراق وخاصة داخل المكون الشيعي رغم انه أي المالكي كان اصلا يحظى بدعم الصدر لتولي رئاسة الوزارة بطلب ايراني مقابل ما يتلقاه من دعم مالي وسياسي يرضي تياره ، لكن التطورات الاخيرة التي جرت من خلال اعلان مشايخ الحوزة في " قم والنجف " اعلان دعم المالكي لولاية ثالثة اغضبت الصدر الذي كان يتطلع لتغيير المالكي بشخصية اكثر قبولا في الوسط الشيعي والسني وتمكنه من العودة الى مربع السطوة والنفوذ الذي بدأ عليه مع الاحتلال الامريكي للعراق مباشرة ،حيث كان في عهد الحاكم للعراق بريمي صاحب السطوة والكلمة العليا وكان ان حضر ومجموعة من انصارة لحظات اعدام الرئيس صدام حسين .

الصدر ذو تاريخ دموي مع السنة العرب، بالرغم انه التنظيم الوحيد ذو الاصول العربية بين تنظيمات قوى الشيعة في العراق ، واستطاع في سنوات سابقة ان يستوعب بعض المكونات السنية التي رأت فيه حينها وسيطا بينها وبين اتجاهات الدولة ،لكن ممارساته وتقلب مزاجه وانقلابه على الاصدقاء والحلفاء اضعف مركزه وبات حالة سياسية ودينية غير مقبولة وخاصة لدى الطرف الشيعي الموال لبقية الكتل العراقية والدولة الايرانية التي وجدت فيه مناكفا مزعجا لحليفها في بغداد .

لا علاقة لما قاله الصدر بتاريخ العائلة والحفاظ عليها ، فالرجل غاضب جدا من المالكي اولا وسياساته التي وضعت الصدر في موقف سياسي واجتماعي وحتى ديني لايحسد عليه ،واستطاع كسب ود ايران على حساب الصدر باعتباره " مزعجا " لما ينفذه المالكي من سياسات داخلية ، ولعل رفض نواب التيار الصدري ووزراءه الستة في الحكومة الانصياع لتوجهاته وارشاداته كان عاملا حاسما لمغادرة المسرح السياسي وكان ان اعلن اكثر من مره انزعاجه من انصاره داخل البرلمان والحكومة الذين كانوا كما يقال الاقرب للمالكي .

لم يعد الصدر قادرا على مواصلة الانفاق وتغطية احتياجات التيار ومليشياته بعد ان قننت ايران دعمها له بعد ان تمكن المالكي من بسط نفوذه وكذلك بعد ان توقف المالكي عن دعم التيارات الشيعية التي تشكلت بعد سقوط نظام صدام حسين بسبب الضغط الدولي والمحلي التي اعتبرت ان وجود تلك التيارات ليس في صالح دولة قانون يسعى المالكي لبنائها كما يدعي ،وكان ان دعاهم الى الانضمام للمؤسسات العسكرية والمدنية وحل المليشيات ،ويبدو ان الانتخابات القادمة التي سيشهدها العراق كانت ستشكل عبئا ماليا كبيرا لرجل يعاني من ضائقة مالية لاتمكنه من تغطية نفقات تلك المعركة الانتخابية وخاصة بعد أن قننت ايران دعمها للصدر لاضعافه في مواجهة رجلها القوي المالكي والتي عبرت اكثر من مره عن امتعاضها من تشتت القوى الشيعية في العراق وعودة المليشيات " السنية " القاعدة والمقاومة وغيرها لاثارة الاضطرابات وتحد الحكم .

ليست هي المرة الاولى التي يعلن فيها هذا " المتقلب " اعتزاله السياسي ، بل شهدت السنوات السابقة اكثر من قرار ، سرعان ما يتراجع عنه امام ضغط الجمهور او حصوله على امتيازات ودعم يمكنه من توسيع نفوذه السياسي و" الديني " الذي يجاهد لتحقيقه ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات