جنيف 2 والمخطط الأمريكي اللاحق


في هذا المقال اقتباسات من تقرير نشر على صفحات الإلكترونية اللبنانية بقلم الصحافي اللبناني الأستاذ ناجي البستاني والذي يقول فيه :

أسدل الستار على مؤتمر "جنيف" بجزئه الثاني، والذي عقد في "مونترو" في سويسرا بعد نحو ثلاث سنوات على إنطلاق شرارة المواجهات الدموية في سوريا . وفي انتظار المقرّرات الرسمية، يُمكن التوقّف عند مجموعة من الملاحظات التي تؤشّر سريعاً إلى الوجهة التي ستسلكها نتائج المؤتمر...

أوّلاً: إنّ سحب بطاقة حضور الوفد الإيراني في اللحظة الأخيرة، تجنّباً لإفشال المؤتمر قبل انعقاده ، جعل طهران في منأى عن أي التزام معنوي إزاء مقرّراته، في تكرار لتجربة مؤتمر "جنيف 1"، علماً أنّ وجهة نظر إيران بالنسبة إلى الأزمة السورية ستكون حاضرة عبر وفود أخرى مشاركة. ومن شأن تغييب إيران، التي لها ثقل أساسي في الحرب السورية، بفعل دعمها اللامحدود للنظام بالمال والسلاح، بشكل مباشر وعبر حلفائها المتعدّدين في المنطقة، أن يضعف فرص الوصول إلى حلّ جدّي لهذه الحرب. حتى أنّ أيّ قرار بشأن وقف تزويد الجهات المتقاتلة بالمال والسلاح، يحتاج إلى موافقة إيران المباشرة، وإلى التزامها الجدّي. وبالتالي، إنّ تغييبها يترك لها هامش مناورة كبيرة في هذا الصدد.

ثانياً: رفض الرئيس السوري بشّار الأسد الاعتراف بالمعارضة الخارجية أو إشراكها في أيّ حكومة مقبلة "لعدم امتلاكها صفة تمثيليّة"، واعتباره أنّ "كل واحد من هؤلاء يمثّل الدولة التي صنعته"، علماً أنّ الجزء القليل من المعارضة الذي وافق على حضور المؤتمر في سويسرا، ينتمي إلى معارضة الخارج وليس الداخل. وتزامن موقف الرئيس الأسد مع وصف رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي "كل من يعتقد أنّ الوفد السوري ذاهب إلى المؤتمر الدولي ليسلّم السلطة إلى الآخرين" بالواهم. في المقابل، أكّدت مواقف العديد من مسئولي المعارضة السورية، وفي طليعتهم رئيس "الإئتلاف الوطني السوري" أحمد الجربا، أنّ الهدف الوحيد للمعارضة من المشاركة في مؤتمر "جنيف 2" هو "تحقيق مطالب الثورة الكاملة، وفي طليعتها إسقاط الرئيس السوري ومحاكمته".

وإذا كان صحيحاً أنّ المفاوضين يرفعون السقف عادة للتنازل لصالح أيّ تسوية محتملة، فالأصحّ أنّ المواقف لا تزال متباعدة جداً بين الطرفين المتواجهين، ومن يدعمهما، ولا وجود لأي أرضيّة مشتركة يمكن البناء عليها للوصول إلى حلّ وسطي.

ثالثاً: إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري "أنه لا يوجد حل سياسي على الإطلاق إذا لم يناقش الأسد الانتقال، وإذا كان يعتقد أنه سيكون جزءاً من مستقبل سوريا... هذا لن يحدث"، في مقابل، إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ "محاربة الإرهاب يجب أن تكون أولويّة في مؤتمر جنيف 2"، ما يدلّ على استمرار تباعد مواقف الطرفين، وعلى استمرار اختلاف الأولويّات أيضاً، على الرغم من كل الجولات التفاوضية المباشرة بينهما، ومع قوى إقليمية فاعلة، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

رابعاً: تعمّد نشر تقرير دولي موثّق بالصور والأدلّة كان سرّبها مصوّر في الشرطة العسكرية في الجيش السوري إنشقّ عن النظام وفرّ إلى الخارج، وذلك عشيّة بدء أعمال المؤتمر. ومن شأن هذا التقرير الذي تولّى صياغته ثلاثة من المحامين الكبار الذين سبق أن مثّلوا جهة الإدعاء في المحاكم الجنائية التي أُنشئت لمحاكمة المتورّطين في جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة وفي سيراليون، تحضير الأرضيّة لرفع دعاوى جنائيّة ضدّ مسئولين سوريّين كبار، بتهمة تعذيب وقتل عدد كبير من المعتقلين، علماً أنّ صور الجثث المُسرّبة، تُظهر آثار تعذيب وانتهاكات جسديّة لآلاف الضحايا التي قال المصوّر المنشقّ إنّها تعود لمعتقلين جرت تصفيتهم بعد تعذيبهم، مشيراً إلى أنّ مهمّته كانت توثيق الوفيّات لإبلاغ أهالي الضحايا من دون تسليم الجثّث في كثير من الحالات.

وبطبيعة الحال، إنّ توقيت نشر هذا التقرير الموثّق يهدف إلى رفع الضغط على الجانب السوري المفاوض.
وفي ظلّ هذه الأجواء، من المتوقّع أن يكون مصير مؤتمر "جنيف 2" الفشل بشكل كبير في تحقيق أيّ تقدّم يُذكر على طريق حلّ الأزمة السورية المتفاقمة، حتى لو نجحت جهود كل من وزيري خارجية أميركا وروسيا، في إخراج عبارات إنشائيّة مطّاطة لا تقدّم ولا تؤخّر من الناحية الميدانية. ومن غير الممكن وسط المعطيات الحالية تشكيل هيئة حكم انتقالية، ومن غير المنتظر الإعلان عن وقف جدّي للنار، ومن غير المتوقّع أيضاً التوصّل إلى حلّ لمسألة اللاجئين، ولا حتى فتح ممرّات إنسانية آمنة للمناطق المحاصرة. وأكثر السيناريوهات تفاؤلاً يتوقّع تشكيل لجنة متابعة للحفاظ على "ماء الوجه"، لا أكثر ولا أقلّ، حيث أنّ الفرصة شبه معدومة بالاستجابة لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدعم هيئة انتقالية في سوريا، وبعقد المؤتمر على أساس إعلان "جنيف 1". وبالتالي، فإن الآمال التي عُقدت على المؤتمر في الأشهر القليلة الماضية ربما سقطت دفعة واحدة مع انتهاء الاجتماعات، لتنطلق عندها جولات جديدة من العنف والقتال في سوريا، في انتظار ظروف إقليمية ودولية أخرى، أو ربّما في انتظار تغيير ميداني جوهري في ساحات القتال.

لكن هدف المعارضة الوحيد ، والذي يكمن بتحقيق مطالب الثورة الكاملة ، وفي طليعتها إسقاط الرئيس السوري ومحاكمته ، قد أسهم إلى حد كبير في تعقيد الأمور ، وعدم إعطاء الفرصة المناسبة للموقف السوري بالاقتراب من التسوية ما بين الطرفين ، لأن طلب المعارضة ، هو شيء يتعلق بحياة ومستقبل الرئيس السوري . وهو يشبه إلى حد كبير مواقف المعارضة في اليمن عندما اشتعلت الثورة هناك ضد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ، حيث طالبوا برحيله وتقديمه للمحاكمة ، مما أطال زمن الحرب في اليمن ، نتيجة خوف صالح من تقديمه للمحاكمة كمجرم حرب ، إلى أن جاءت أمريكا بمبادرة أقنعت الطرفين فيها ، وهي حل وسط ما بين الثوار والحكومة ، على أن يرحل صالح عن السلطة مقابل عدم تقديمه للمحاكمة ، أو ملاحقته قانونيا وسياسيا .

وعلى صعيد آخر .. فإن على الرئيس السوري أن يدرك خطورة الموقف ، وأن لا يطيل الأمل بمستقبل جميل ، لأن المجتمع الدولي الذي لم يعد خافيا بمواقفه المتغيرة في مثل هكذا أحداث ، حتى الموقف الروسي قد يتغير ما بين عشية أو ضحاها ، وعليه أن يتذكر كيف تبدل موقف روسيا تجاه العراق بسهولة ، حين أجمعت دول التحالف على محاربة العراق ، وبعد اجتماع عاجل ما بين وزير خارجية روسيا آنذاك ، ووزير خارجية أمريكا ، حيث أوضح الوزير الروسي أن الحالة الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي بحالة تدهور تام ، وأنهم بحاجة إلى دعم مادي فوري لإنقاذ اقتصادهم من الانهيار .

وعلى الفور تكفلت السعودية بدعم الاقتصاد الروسي بعشرات المليارات ، مقابل أن تتخلى روسيا عن دعم العراق عسكريا وسياسيا ، وبالفعل حدث ما حدث ، وهوجمت العراق وحصل لها ما حصل 

وإذا كان الرئيس السوري يدرك ويعقل كل تلك المخاطر ، فعليه أن يسارع وبكل عقلانية للبحث عن مخرج من هذه الأزمة ، لأن من غير المستحيل أن يسكت العالم كله على إبادة شعب بأكمله من أجل كرسي وشخص بشار الأسد ، لأن البشرية تعي وتدرك بأن زوال بشار لن يكون له أي أثر سلبي على العالم ، بل عليه أن يعي أيضا ، بأن القتال الدائر في سوريا ، لن يبقى على هذه الشاكلة ، بين كرٍّ وفرٍّ ، بل وإن قسوة استخدام الجيش النظامي السوري في استخدام أشد أنواع الأسلحة ، لن ينال موافقة ورضى العالم كله . ولسوف يكون المبرر في مهاجمة سوريا من قبل قوات دولية على غرار ما حدث في العراق شيئا وشيك الوقوع ، وقريبا جدا .

وما الجرائم التي ترتكب على الأرض السورية ، من قتل للمدنيين ، وتدمير شامل لكل البنى التحتية فيها ، إلا مبررا يمكن الاعتماد عليه في مهاجمة نظام بشار ، وكم أتمنى أن لا يركب نظام بشار رأسه ، كما فعل صدام حسين ، وستكون النتيجة الحتمية هو زوال بشار ، وتدمير قواته وسلاحه تدميرا كاملا إذا ما نجحت بعض القوى في استثارة أمريكا وحلفائها من أجل مهاجمة سوريا .

ونحن لا نريد أن تدمر سوريا ، ولا أن يدمر سلاح سوريا ولا أن يدمر جيشها ، كما حدث للعراق الشقيق .. وكم نتمنى أن تبقى سوريا بقوتها وإمكانياتها وسلامتها من كل ما يشكل خطرا عليها ..
وعلى بشار الأسد أن يدرك جيدا بأن أمريكا لن تترك له الحبل على الغارب هكذا كقوة ضاربة في الشرق الأوسط ، وبهذا الجيش القوي الذي يشكل خطورة ممكنة على أمن الدولة الصهيونية ، وهذا ما لا ترضاه أمريكا ولا حلفاؤها ولا توافق عليه أبدا ..

وإن من غير المعقول أن يكون الرئيس بشار الأسد بلا مستشارين ، أو محللين سياسيين يمكنهم إدراك حجم المشكلة ، وتوقع تبدل المواقف بين لحظة وأخرى ، وبالتالي مهاجمة سوريا وتدميرها ، والأمثلة الحية ما زالت ماثلة للعيان ، ولا يمكن لأحد أن يشكك بهذا أبدا .. ومهما عظمت قوة الأسد ، فإنها ستكون مستهدفة بنفس الحجم والمقدار ، ما دامت تشكل خطرا على إسرائيل ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات