الاحتفال بتخريج الفوج الرابع و العشرين من طلبة كلية الدراسات العليا في الجامعة الاردنية


جراسا -

رعى رئيس الجامعة الأردنية الأستاذ الدكتور خالد الكركي مساء الأحد الاحتفال بتخريج الفوج الرابع و العشرين من طلبة كلية الدراسات العليا .

و فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها الدكتور الكركي في الاحتفال :-


بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي العربي الأمين

الزملاء نواب الرئيس والعمداء

الزملاء أعضاء هيئة التدريس وإدارات الجامعة الأعزاء طلبة الجامعة الذين يتشبثون بالجامعة يوم الرحيل وفاءً ومودةً.

أقول لكم  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سلام للندى الذي يغمر صباحات الجامعة ,
للضوء الذي يتشبث بها قبل وصول الغروب , 
و للأعزاء الذين يمتدون بين شجرها و صفوفها
و مختبراتها أحلاماً  و رؤى و زمنا من الند
و الصبر و التذكر , و للأهل الذين تتشرف الجامعة بحضورهم هذا المساء :

هذه أماناتكم لدينا ترد إليكم هذا المساء , و منا
و منكم إلى الوطن الذي تحاول جامعاته الصعود به إلى الحلم القومي الذي يراه ثورة و كرامة , و حنيناً دائماً إلى القدس , شقيقة عمان , و هما العربيتان الإسلاميتان , الرافضتان أبداً ذلك الصدأ الاستعماري الصهيوني البغيض .
أقول لكم جميعاً باسم أهل الجامعة : و أهلاً بكم .
أيها الحفل الكريم ,

أذكر, فقد تنفع الذكرى , أننا ما نزال بعيدين عن انجاز مشروعنا .
فما نحن إلا جزء من أمة لم تعبر النهر بعد إلى الحرية والعدالة وإنتاج المعرفة, وما أبعدها الآن عن عصرها الذهبي الذي أنار الأرض قبل ألف عام. واذكر, أن العبور من ضفة الظلام والاستبداد والجهل سيحتاج عصر أنوار عربيا ما نزال نحاول فيه إنارة مشكاة أو اثنتين , وننهض كلما انتصر الظلام , واذكر أن البداية هي في نبذ التلقين إلى التفكير , والمسلمات إلى الأسئلة , والهوس بالسلطة الى الهوس بالمعرفة .
ومن اجل هذه الأخيرة نحاول انجاز الاستقلال الكامل للجامعات , وجعل مجلس أمنائها مرجعيتها النهائية , كي لا يصيب المناخ الأكاديمي أكثر مما أصابه بسبب تداخل السياسي بالمعرفي ,وكي لا يعود ينتج أفكارا لا تنفع الثقافة , ولانتفع السياسة , ولا تزيد الظلام إلا حلكة وسواداً.

أيها الأعزاء ,

لقد قال الله عز وجل "وان ليس للإنسان إلا ما سعى ** وان سعيه سوف يُرى" ونحن "نسعى " على الأقل , لمساهمة حقيقية في معادلة التقدم الوطني والإصلاح , و لا نتحدث , كغيرنا , عن الديمقراطية والإصلاح والشفافية ومكافحة الفساد من غير إدراك لمعنى ذلك كله , ولضرورة تطبيقه على الجميع بلا انتقاء أو وصاية . بل ندرك أن أسوأ ما قد يحدث لهذه القيم هو أن تغدو كلمات " في غير موضعها ". ولذلك حاولنا الكلام بالأفعال :فقد أسست الجامعة خمس كليات جديدة في العقبة , وفي الأغوار معهدا للزراعة .كما استحدثت إذاعة لا ينطق الطلاب فيها باسم احد , ومجلات لا وصاية عليها , ودار للنشر

لا مكان فيها للأهواء و المصالح و كذلك مراكز للتخطيط و الجودة , و دراسات القدس والإسلام المعاصر , ومراكز أخرى للعلاج بالخلايا وأمراض الكبد . وما يزال في خططها إقامة مستشفى آخر وكليات جديدة بل وجامعة ثانية للبحث العلمي والدراسات العليا.

ومع هذا كله , فان الجامعة لم تعم عن أن اتخاذ مثل هذه الخطوات بقصد " الاستعراض " غير اتخاذها بقصد " الانجاز " . وكي ننأى بأنفسنا عن الأول, ولا نكون ممن تعظم في أعينهم صغارها , فقد ضبطنا الدفق غير المنطقي على الالتحاق ببرامج الدراسات العليا , إلى أن يراجع مستوى الأداء الأكاديمي في كل قسم من أقسام الجامعة , ومدى حاجته لدماء جديدة ومناهج جديدة.

أيها الأعزاء , والكلام الآن للأكاديميين من أساتذة وباحثين وطلبة ,
إن هذه المؤسسة , بمراكزها أو هياكلها القديمة والجديدة , كما هي البلدان والأوطان : ليست كيانا افتراضيا يصلح وحده , أو يفسد وحده .فلا شهادة بلا شهداء , ولا علم بلا علماء , ولا فساد بلا فاسدين ومفسدين . والجامعة وان كانت مسؤولة عن توفير مناخ أكاديمي حر , فإنها لا تستطيع حقن أفرادها بالقلق وعشق المعرفة والطموح والإبداع . وإذا كان البعض يمضي وقته المخصص للبحث والدراسة في انتقاد المؤسسات والقائمين عليها (والذين قاموا وسيقومون عليها ) , فليسألوا  أنفسهم بصدق عما قد أنجزوا من أنفسهم لأنفسهم ولطلبتهم وللمكتبة العربية . وليعلموا أننا نعلم أن لا شيء أسهل من الشكوى والتبرير والتعلل بسوء الوضع العام , وبتأخرنا عن العالم ,وكأن أفضل جامعات العالم مستعدة لفتح أبوابها أمام مثل هؤلاء, الذين ينهون عن شيء ويأتون بأسوأ منه.
فليتذكروا , وقد تنفع الذكرى , أن الأفكار المبدعة تأتي من الأفراد لا المؤسسات , وإلا لكان كل من تخرج في هارفارد ادوارد سعيد , ولأصبح كل عربي درس في السوربون طه حسين.


أيها الأعزاء ,

لقد أدركت الجامعة هذه المعادلة , بما فيها حاجتها لأفراد متميزين يكملون معادلة الإصلاح , فالتزمت بإبتعاث الطلبة المتميزين بأعداد كبيرة إلى جامعات أفضل كي يعودوا ليسهموا في تطوير جامعتهم , التي لم تخذل طلبتها حين أعادت لهم نصف إرادتهم بجعل اتحاد الطلبة منتخباً انتخاباً كاملاً بعد انتظار طويل . ولم يأت هذا التحول من فراغ , بل أتى أولاً : بإرادة طلبة اعترضوا وطالبوا وأصروا على حريتهم وعلى ألا يحترموا من يسلبهم إياها , وثانياً : بإرادة الجامعة تدريب الطلبة على التجربة الديمقراطية كي لا يقبلوا بغيرها خارج أسوار الجامعة . واراهم يوماً يتعلمون أن الحرية وحدها لا تكفي , وان دورهم يتجاوز الاحتفال بانتزاع الحق إلى إثبات أحقيتهم فيه . واراهم يوماً ينتخبون البعيد لأنه أكفأ لا القريب لأنه اعز . واراهم يتعلمون أن أبا يوسف يعقوب بن اسحق الكندي , لم يملأ بيت الحكمة ويشغل الخلفاء والعلماء لأنه من قبيلة "كندة"  النجدية , بل لعلمه في الفلسفة والرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء والمنطق والموسيقى . واراهم يوماً يقرؤون كيف بدأت أحداث أيار 1968 في فرنسا بغضب طلابي واسع , أدى في النهاية إلى تغيير القيم الاجتماعية والسياسية في فرنسا , وكان من بين الشعارات التي رفعها الطلاب مع العمال وقتها : " كن واقعيا , واطلب المستحيل " .

أعزائي , أوصيكم بالمستحيل , وأوله أن تبعثوا فيكم مثل تلك الروح الحية رغم كل إنهزاماتنا و مآسينا  و ان تقرؤوا –في زمن اجترار الكلام – كي تعرفوا من انتم , و ما دوركم الشخصي و القومي و الكوني , و كي لا تبقى امة " اقرأ" ابعد الأمم عن رسالتها , و كي لا تبقى العربية الفصحى اقرب إلى عقل مستشرق من قلوبكم و ألسنتكم  انتم . و اعرفوا جيداً المتنبي , الذي لم يرَ " في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمام " , فالتمسوا التمام مهما أظمتكم الدنيا , و مهما ضاقت أو أظلمت . أيها الأعزاء , مرة أخرى أهنئكم , و اهنئنا و اهنىء أهلكم بكم , و اسأل الله العلي القدير أن يجعلكم من الذين يردون عن أهلهم غائلة العطش و الخوف ,

 و أن يجعل هذا الوطن الصابر عزيزاً و أن يحفظ قيادته و أهله لنا سالمين انه سميع مجيب .

                                                    
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات