اراء في التعليم العام


إن الجهود التي بذلت عبر السنوات الماضية لتحسين التعليم وزيادة تحصيل الطلبة اعتمدت بشكل يكاد يكون حصرياً على المعلمين الذين حضروا سلسلة من الدورات وعلى مجموعة من الإجراءات التأديبية والحوافز. إن هذه السياسات تفترض أن المعلمين لم يبذلوا الجهد الكافي في عملهم. في حين تقترح الأبحاث الحديثة في امريكا إلى أن الاستثمار في تحسين بيئة وظروف العمل ستعطي نتائج أعظم على المدى البعيد. وإن أردنا في الأردن جعل التعليم العام يتصف بالنوعية الممتازة والجودة العالية والعطاء الفعّال من المعلمين لا بد من الحرص على تحسين ظروف العمل في جميع المدارس لأن الإصلاح لا يمكن أن يكون وجبه جاهزة مسبقاً أو مفروضة بالطرق التقليدية من أعلى إلى أسفل.
إن تحسين ظروف المدرسة يمكن أن يعزز نوعية المعلم ويحفز المعلم على التدريس بفعالية أكثر، ويشجع على بقاء المعلمين. كما إن توظيف المعلمين الجدد والاحتفاظ بالقدامى كلاهما أمر مهم في تعزيز فعالية هيئة التدريس. إن تحسين ظروف العمل يتأتى من خلال مناسبة وعدالة المهام التعليمية: اذ يحتاج المعلمون إلى عبء تدريسي معقول وعدد معقول من الطلبة للتدريس بفعالية. والاساس ان يتم إعداد المعلمين وتأهليهم لتدريس مستوى معين ومرحلة دراسية أو مادة معينة ولكن غالباً لا يتم التقيد بهذا الأمر. كما أن وظيفة المعلمين المجهدة وغير المجزية مادياً تدفعهم إلى ترك العمل، بل ان هناك أعداد كبيرة من المعلمين خاصة المعلمين الجدد ومعلمي المرحلة الابتدائية يفرض عليهم - وبصورة روتينية - العمل خارج خبراتهم الميدانية. كذلك يجب أن يكون لدى معلمي المرحلة الثانوية تخصص رئيسي أو فرعي في المواضيع التي يدرسونها. ويُطلب من المعلمين أحياناً تدريس مواضيع ومراحل وصفوف مختلفة وأحياناً مدارس متعددة، وأحياناً يكون جزءاً من مهماتهم خارج تخصصهم مما يشكل عليهم عبئاً إضافياً. وهذا ربما يكون سببا رئيساً في وجود مئة الف طالب في الصفوف الثلاثة الاساسية لا يجيدون القراءة كما اشار الى ذلك وزير التربية والتعليم الجاد. ولقد أظهرت بعض الأبحاث في أمريكا أن نتائج الطلبة في الغرف الصفية التي تضم من (13-17) طالباً في مادة القراءة والرياضيات أفضل مقارنة مع الغرف التي تضم من (22-26) طالباً. وتستمر هذه الفوائد الايجابية مع الطلبة الذين كانوا في صفوف قليلة العدد لمدة ثلاث أو أربع سنوات من المراحل الاساسية في المراحل الأعلى. ولتحقيق أعلى معايير التعليم بنجاح, فإن المعلمين بحاجة إلى مناهج متطورة تتماشى مع المعايير العالمية وتكون مرنه في الوقت نفسه، لأنه غالباً ما تكون المناهج غير كافية أو فوق المستوى أو ضخمة الحجم.

مشكلة السياسة العامة للتطوير المهني في عصر الإصلاح هذا تمتد إلى أبعد من مجرد دعم المعلمين لاكتساب المهارات الجديدة أو لاكتساب المعرفة، حيث أن التنمية المهنية اليوم تعني ايضا توفير مناسبات للمعلمين لكي يعبروا عن ممارساتهم وخبراتهم وملاحظاتهم حول طرق التدريس والتعبير عن ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. كما أن التنمية المهنية تعني أن يدرك المعلمين مفهوم متعلمين ومدرسين في الوقت نفسه. اذ يعتبر " التعلم مدى الحياة للمعلم" من المفاهيم الجديدة التي أدخلتها دول الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وماليزيا وكوريا في نظامها التعليمي وذلك بهدف جعل المعلم مهنياً ومنتجاً للمعرفة ومطوراً لمهارته. ومن أسباب تبني هذا المفهوم عولمة الاقتصاد، واستمرار تطور التكنولوجيا والتغيرات في المجتمع. وهذا يتطلب تبني نظام إداري جديد في المدرسة والتركيز على مبدأ "التعلم كاستثمار" وتوسيع دائرة مسؤولية المدرسة. ومن عوامل نجـاح تطبيق هذا المفهوم عند تطبيقـه وجـود القيادة القادرة على الارتقاء بمستويات المعلمين ، وإدارة الموارد المدرسية بنجاح. وللمعلم ادوار قيادية جديدة آخذه في الظهور, لكن هذا الدور القيادي الجديد لم يمارس في الأردن بشكل حقيقي بعد, فالمطلوب توسيع النفوذ الوظيفي للمعلم. ويجب أن تكون هناك إستراتيجية تقييميه شاملة ودورية وموحدة للمعلمين. وهذا يتطلب وجود امتحان موحد على مستوى البلد كمتطلب للحصول على رخصة مزاولة مهنة التعليم وتجديدها.

تميل المدارس إلى أن تكون متماثلة في هيكلها العمراني لكنها تتفاوت في مدى توفر المرافق والأجهزة. فلا بد أن يصمم مبنى المدرسة ويؤثث بطريقة تجذب الطلبة والمعلمين على حد سواء مثل توفير التدفئة المركزية ومكتب لكل معلم وحمامات نظيفة وصيانة مستمرة. وهنا لا بد من دعم القطاع الخاص لمبادرة جلالة الملكة رانيا المعظمة : مدرستي. وأدعوا لانشاء مراكز للموهوبين لصقل موهبتهم وحثهم على الابتكار والإبداع وتحفيزهم معنوياً ومادياً ومنحهم منح دراسية داخل الوطن وخارجه (ولو لفترات قصيرة). ويفضل أن تنشأ مديرية في وزارة التربية والتعليم خاصة بالطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة على غرار المؤسسة العامة للتدريب المهني تهتم باحتياجاتهم وتساعد في دمجهم في المجتمع حتى يصبحوا منتجين.

ومن الضروري إنشاء مراكز أبحاث وترجمة متخصصة تعمل على عمل الترجمات والدراسات الميدانية والبحثية بشكل دوري لتراقب التطورات الدولية في التجارب التعليمية والاستفادة منها. ويجب الاستمرار –كما هو الحال في جائزة الملكة رانيا للمعلم المتميز- برعاية المعلمين المتميزين والعمل على تنمية مواهبهم وتوثيق إنجازاتهم ونشاطاتهم المتميزة في الدراسات والأبحاث وتعريف الآخرين بها وتحفيزهم مادياً ومعنوياً وإقرار إجازة تفرغ تدريس يقضيها المعلم بالتدريس خارج الأردن أو في المدارس الخاصة بعد مضي (5) سنوات تدريسية بتقييم لا يقل عن جيد جداً وحضور عدد معين من الدورات وعمل بحثي ونشاط خدمة مجتمع على ان يبقى راتبه مستمراً من وزارة التربية والتعليم. ولتحقيق الشعور بالأمن والرضى الوظيفي وللتفرغ لرسالته وعدم ممارسة أعمال أخرى يجب وضع برامج تقوية للطلبة برسوم معينة في العطل المدرسية تكون بديلة للطلبة عن المراكز الثقافية المنتشرة يعود (70%) من عائدها المادي للمعلم و(30%) للمدرسة. ولنجاح ذلك يتحتم عدم السماح للمعلمين في التدريس في المراكز الثقافية المنتشرة تحت طائلة المساءلة.

لا بد من ادخال مفاهيم الكتاب الإلكتروني والتعليم عن بعد وانشاء قناة فضائية تعليمية استثمارية وادخال مفهوم البيئة الافتراضية وكذلك فإن كل مدرسة يجب أن تسعى للحصول على شهادة الايزو لضمان الجودة وجائزة الملك عبدالله الثاني للتميز وإذا حصلت المدرسة عليهما يجب أن يكون هناك حوافز مالية للإداريين والمدرسين. وهناك مفهوم جديد للإرشاد وهو إرشاد الطلبة لبعضهم البعض كأن يساعد طلبة الصف السادس مثلاً طلبـة الصـف الأول. إن التعليم ليأخذ معنى جديداً ومظهراً خلابا إذا ما وجدت علاقات ودية بين الآباء والمعلمين، ويمكن للآباء المساهمة في نواحي النشاط المدرسي للفصل الدراسي عندما يحاطون علماً به ويعرفون أهميته .وعليه يجب تفعيل دور مجلس الاباء والمعلمين الذي يجب ان يجتمع مرتين في الفصل الدراسي الواحد مع مندوب من مديرية التربية والتعليم في المنطقة ويتم مناقشة مشاكل التربية والتعليم والطرق المثلى لحلها.

اما فيما يخص الدوام المدرسي فيفضل أن يكون وقت الدراسة في جو معتدل أي لا يكون في شهور الشتاء والثلوج وذلك لتقليل استهلاك الطاقة الكهربائية والمحروقات وترشيد الانفاق كذلك تخفيف أمراض الرشح والانفلونزا والتي تنتقل بسهولة بين الطلبة في فصل الشتاء وعليه اقترح ان تُقسم السنة لثلاثة فصول: فصل أول بين 1/9 و 1/12 وعطلة الشتاء بين 2/12 و31/1 وفصل ثاني بين 1/2 و1/5 وعطلة لمدة اسبوع بين الفصلين الاول والثاني وفصل ثالث بين 7/5 و7/8 وعطلة الصيف بين 8/8 وحتى1/9 . مع استثناء التوجيهي لارتباطه بالجامعات. ويجب العودة في التوجيهي لمسارين فقط هما الادبي والعلمي ليشكلا خلفية لمن يريد ان يكمل دراسته في مسار علمي أو أدبي.

واقترح ان يكتفى –على سبيل المثال للفرع العلمي- بالمواد الرئيسة وهي الرياضيات والفيزياء والكيمياء والاحياء والجيولوجيا (التي يبنى عليها مجتمع المعرفة) والدين واللغة العربية واللغة الانجليزية (وعاء المعرفة والقيم والتواصل). والغاء فكرة اسقاط ادنى علامتين من حساب المعدل كونها سبب رئيس في معدلات التوجيهي الخيالية. بالإضافة إلى كل ما سبق ينبغي تحسين وضع المعلم من خلال زيادة سنوية جزله في الراتب الشهري، وتحسين نظام نهاية الخدمة, ووضع سياسة ترقية واضحة ومنصفة. ولا بد من توفر الدعم الاجتماعي لتحسين صورة ودور المعلم وهذا من أهم مسؤوليات الحكومة والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمجتمع ككل. إن عملية تطوير المعلمين والمدارس تتطلب المال مما يستدعي وضع سياسة واضحة للاستثمار في وزارة التربية والتعليم والمدارس بشكل مستقل. وفي الختام فان تنمية المعلمين يمكن النظر إليها باعتبارها تعلم المعلمين بدلا من دفع المدرسين إلى التغيير.



تعليقات القراء

طبيب
اقتراحات غير مدروسة. يجب البحث في أسباب تخرج الآلاف من الجاهلين من بعض جامعاتنا. وأهم سبب هو الأعداد المهولة التي تقبل دون وجود أعداد كافية من أعضاء هيئة التدريس. هل يعقل ان يكون عدد الطلبة في بعض الشعب 500 طالبا؟
28-12-2013 12:53 PM
نظيرة
كتاب ألكتروني؟ من سيمول هذا الاقتراح؟ ولماذا البعد عن الكتاب الورقي العامل الأساسي في ثقافة الجيل الأول؟
28-12-2013 12:55 PM
أعطوا الخبز لخبازه
اعتماد ترقبة المعلمين بالأبحاث فرصة لمكاتب بيع الأبحاث التي ستجد فرصة جديدة للربح، وفرصة للمعلم غير الكفء للتهرب من واجبه الرئيس في التدريس فيشتري الأبحاث ويترقى ويصبح من أصحاب صنع القرار في التعليم العام.
28-12-2013 01:17 PM
ahed
أراء من شخص غير متخصص في التعليم ولا اعرف لماذا يزج نفسه في هذه المواضيع
28-12-2013 03:38 PM
حسين اخالد لمجالي
مقال رائع وشامل ودقيق
28-12-2013 04:00 PM
كامل العسلي
يا ريت يقرا المتخصصين في التربية هذه الافكار الرائعة
28-12-2013 04:01 PM
يزن عبدالمجيد فوزي الخزاعي
مقال رائع شمل المحاور الرئيسية لتحسين مستوى العملية الاكاديمية، كل التوفيق للدكتور الوهادنة الذي اينما وجد ترك دائما بصماته بالخير والتحسين والاصلاح والتطوير
28-02-2018 01:52 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات