السياسة و قيم المجتمع .. من يصنع الأخر !


لم تعد السياسة كما نعرفها أنها فن تحقيق الممكن ، فقد تحولت بفعل الأنظمة والسلوك الاجتماعي إلى فن تجنب قول الحقيقة

والشعب عليه ان يصدق تلك السياسة ويعمل بها رغم علمه أنها ليست حقيقة ....

الأنظمة العربية ابتدعت تلك السياسة ،ليس لأنها مبدعة في التطور ، بل لأن المجتمع بات يميل إلى تلقي الخبر والمعلومة وتصديقها والعمل بها حتى وهو يعلم أنها لم تكن صحيحة ومشكوك بها ..

السياسة التي تجري في بلادنا واضحة في نتائج انتخابات مجالس النواب والبلديات ، فبالرغم من ضعف مكانة المرشح وتاريخه " الإجرامي المعادي للمجتمع " أحيانا او باعتباره غير كفء لمثل تلك المجالس إلا أن الناس تتراكض إليهم وتنتخبهم وتوليهم الأمر ! يخاطبون الناس في النزاهة والدين وحسن الخلق وأكثر من يصفق لهم ه" المترزقين " من أموالهم الحرام ،والبقية هم من ينتظرون المنافع ..

تناقضات عظيمة لا تتوقف عند السياسة هنا. فالنفاق والكذب والتحايل جزءا من السياسة ،وبات جزا من سلوك وقيم المجتمعات ..

في المجتمع تعلم أن فلان ينافق لك ، لا يحبك ، يهادنك كي يحصل على حاجته ، لكنك رغم علمك بنفاقه تمنحه ما يريد ..

ونتناقل أمثلة ومعايير مخالفة للبشرية بالقول مثلا " بوس الكلب على تمه ، لتحصل على حاجتك !! أي لابد لك من النفاق والتحايل لتحصل على حقك الذي سلبه الكلب !! او حق الآخرين ..ونتناقل مقولة بوس الأيد الذي تضربك في العلن وتدعوا عليها في الكسر في السر ! وكذلك مقولة حط رأس بين الروس في دعوة انهزامية لتعيش كقطيع غنم تنتظر الذبح بالرغم من ضياع حقك المسلوب على يد الذابح او الكلب الذي تريد تقبيل يده ..

سلوك نعيشه في عالمنا العربي ، في المؤسسات، في علاقة الرئيس بالمرؤوسين ، وعلاقة الزوج معه زوجته ، والأبناء مع أبائهم .

الأب يقول اعلم انه دجال ، لكنني ماذا افعل ..سأمنحه ما يريد .

المعلم يعلم ان الطالب يكذب في تفسير السبب في سلوكه السلبي ،ويمنحه المعلم العفو ..

البعض يقول .أريده ان يكذب عليّ ، في حالة انه ينتظر العذر كي يصفح عنه او يمنحه ما يريد ..

فيروز تلخص تلك الحالة بأغنية نعرفها حين تغني : تع ولا تيجي ..واكذب عليّ كذبه مش خطية ..وقلي انك رح تيجي ، وتع ولا تيجي !

مجتمعنا العربي ، او أنظمتنا العربية او كلاهما معا ، ابدلا كثيرا من المعايير والقيم الإنسانية ، اختلط فيها الحابل بالنابل ، وما عدت تفهم ما يجري .

والغالبية تقول "حط راسك بين الرؤوس " ولا تخترق الخط و عليك ان تمارس تلك السياسات وإلا بت منعزلا ، شاذا عن قيم وثقافة المجتمع حتى لو امتلكت الحقيقة والصواب .

ألم يغضب منا الكثير لقولنا الحقيقة !

ألم نخسر الكثير ونعاتب من الأكثر إن كنا نتعامل معهم بمشاعرنا الحقيقية .

ألم يطلق على النبي عليه السلام لقب المجنون ، والساحر ، لأنه أراد تغيير بعض تلك القيم الموجودة في ذاك العصر .

القابض على دينه ، كالقابض على جمر ، فالدين وحده كفيل بعودة الأمور إلى جادتها وتصويب تلك المعايير والعودة بالناس الى الصدق والوضوح والشفافية وحسن الخطاب ..لأن النفاق بها محرما ، والكذب خطيئة ،وخداع الناس جريمة ،ولا يوجد في صفحاته كذبا ابيضا .

وهل "كما كنتم يولى عليكم " مقولة سبقت تبدل تلك المعايير القيّمية في مجتمعاتنا .

يتولى الحكم في غالبية دول الغرب وبعض دول أسيا وأفريقيا وغيرها حكام يخشون من التحايل والكذب والخداع وإخفاء الحقائق عن الناس ،هناك تتوافر معايير وقيم الصدق والشفافية بالرغم من غياب الدين وتعاليمه العظيمة ، وإن خرجوا عن تلك القيم المجتمعية بكذبة او تحايل او إخفاء حقيقة ، سقطوا وقدموا استقالاتهم قبل ان يطالبهم الناس بها ،فالمجتمعات تضع لنفسها معايير وقيم تفرض على الحكام ان يحترموها ويتعاملوا بها .

أذكر ان بطلا لمسرحية كانت تعرض امام عائلات وأطفال في اليابان قد انتهت قبل ان ينتهي العرض ،وثارت احتجاجات واعتذر الفنان ومدير المسرح وقدم وزير الثقافة استقالته ،لأن البطل المسرحي ذكر في عرضه كلمة " shit " بمعنى القذارة ، وهي كلمة لا يتردد الساسة والشعب الأمريكي في قولها للإعلان عن غضبهم من حدوث شيء مفاجئ غير مرغوب لكن المجتمع الياباني يرفضها ويلعنها وثارت ثائرتخ خشية ان ينطقها ويتعلق بها الأطفال هناك مقدمة لقيم " غربية " غير مرغوب بها على مستوى اجتماعي .

يبدو أننا أمام قيم عربية سياسية واجتماعية وثقافية مغايرة ليس لديننا فحسب وحتى مغايرة لقيم الجاهلية التي أبقى الرسول عليه السلام الكثير منها وخاصة الصدق والرجولة والكرم والطيبة والحرية والانتصار للضعفاء والآثار وغيرها مما نفتقده اليوم ، فالذي يجري بكل أسف أن هناك مصطلحات واستخدام كلمات لا أخلاقية "بذيئة معيبة " تمارس بشكل يومي ،ومنها ما يتناقله الأطفال والشباب من استخدام كلمات السب والشتم بما يعرف " بالتطعيم " ضد أمهاتنا وأخواتنا ،للحد أنها باتت طبيعية دارجة على لسان الكبار والصغار .

والأدهى والأخطر من كل هذا قيم معالجة الخلافات التي تنشا بين الناس ، فقد ألغينا من حسابنا الحوار والمواجهة والجدال ، وبات السلاح الناري وأحيانا العصا والبلطة هي الوسائل الأولى التي نتعامل بها مباشرة حين يدب الخلاف بيننا حتى لو كان على إشارة مرور !!وما جرى في مجلس النواب من حمل سلاح وإطلاق النار إلا اختصار لمشهد قيمّي نعيشه في بلادنا لتولي حل المشاكل التي تطرأ بين الناس بعضهم ببعض .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات