الأردن بين مطرقة المؤامرة وسندان المحاصصة


هناك كثير من الأدوات التي تحاول القوى الخارجية من خلالها تفتيت الشرق الأوسط وتحويلة إلى بقعة ثائرة سياسيا وغير مستقرة اجتماعيا، وقد بذلوا لأجل ذلك الغالي والنفيس ، مرة من خلال الحرب المباشرة ، كما حدث في العراق على سبيل المثال لا الحصر ، ومرة من خلال الحرب الثقافية ، والدينية ، والدخول إلى البيوت والتدخل بتربية الأبناء لقتل روح المبادرة والعطاء ، وتحويل الطاقات من الاهتمام بالمهم ، إلى إهدار الوقت والجهد والمال للإهتمام بالصفيق من الأمر ، وهذا ما أدى إلى زرع بذور الفرقة والضعف والاختلاف بين أبناء الدول العربية هذا من جهة ، كما أدى إلى إصابة الكيان الداخلي للدولة الواحدة بحالة من الوهن التي جعلت من الدولة مجسم كرتوني تسهل الإطاحة به والقضاء عليه في الوقت المناسب ،هذا بالإضافة الى تقسيم الدول العربية إلى وحدات طائفية عشائرية متناحرة ،تسهل السيطرة عليها، وبمفهومي البسيط لما يحدث وما يخطط له من قبل الدول الغربية للشرق الأوسط فهذا هو ما يسمى " بالمؤامـــــرة " .

وحصر الحديث عن الحالة الأردنية لتسهيل المهمة يقود إلى الحديث عن خطورة ما وصلت إليه البلاد من حالة الفوضى السياسية والإجتماعية والأخلاقية والتي قامت عليها عدة عوامل على فترة طويلة من الزمن ، وشاركت فيها الكثير من القوى الخارجية عن طريق الإعلام بالدرجة الأولى ، وعن طريق التدخل المريب في الكثير من المواطن التي لم يسهم التدخل فيها إلا إلى حالة من التدهور الأخلاقي والمجتمعي ، كما في حالة اتفاقية سيداو وما تنص عليه ، بالإضافة إلى كثير من التشريعات والنصوص التي تساهلت مع الجريمة أو الخطأ بحجة احترام حقوق الإنسان ، فأدت إلى حالة من التمرد غير مسبوقة ، هذه الحالة التي تنذر بحاضر سيء ، ومستقبل أسوأ ..

وتناولا للجزء الثاني من عنوان المقال ، سأتطرق إلى الحديث عن قضية كانت لفترة من الزمن واحدة من المحرمات ، أو ثامن السبع الموبقات ، وكل من يتحدث عنها يتناوله الكثيرون بوابل من الشتائم والإتهامات ، ما جعل القضية محاطة بدائرة من الألغام التي لا يحبذ الكثيرون الإقتراب منها حفاظا على سلامتهم ، فتفاقمت المشكلة وأصبحت ناقوسا يدق بالخطر ، فوجب التنويه والتنبيه ، من باب الحفاظ على الجزء البسيط الباقي من هيبة هذا الوطن ، إنها قضية " الوحدة الوطنية " ، " قضية الهوية الأردنية " ، وسمها ما شئت من التسميات .

وبعيدا عن السياسة والطريقة التي يمكن مناقشة القضية من خلالها سياسيا ،فإن شيئا من الهيبة الوطنية يفرض علينا أن نتفق جميعا على تعريف واضح لكلمة الأردني ، إنه لشيء محزن أن نحتار جميعا في وضع تعريف لهذه الكلمة ، وفي ظل المعطيات الموجودة حاليا ، والظروف التي عاشتها البلاد منذ تأسيسها ومرورا بفك الإرتباط بين الضفتين إلى ما حد ث بعد ذلك من حالات التهجير والنزوح لأشقائنا الفلسطينيين ، فإنني أجد أن أفضل تعريف ممكن أن نتوافق عليه جميعا ، هو أن الأردني هو كل شخص يحمل الرقم الوطني والجنسية الأردنية بغض النظر عن أصله ومنبته ، على أن نسقط جملة "من كافة الأصول والمنابت" من كل الخطابات الرسمية والغير رسمية التي تخاطب الأردنيين ، فنقول الأردنيون ، دون التعريج إلى ذكر "من كافة الأصول والمنابت" ، فتقسيم المقسم وتجزيئة ، يؤدي إلى الضعف ولن يؤدي أبدا إلى القوة والوحدة ، لا أنكر شخصيا ولا أظن أن من حق أي أحد منا أن ينكر على أي شخص افتخاره بتاريخ أجداده ومرابع الصبا لهم ، ولكن شيئا من رد الجميل لاحتضان هذا الوطن لكل من طرق بابه في حالك الظروف يقتضي أن نتحدث بما يمكن أن يتم الإتفاق عليه ، وهو أن كل من يحمل الرقم الوطني هو أردني على أن نحفظ جميعا حق العودة لمن كان من أصول فلسطينية إلى بلاده عندما يقضي الله أمرا كان مفعولا ، بشرط أن نقف جميعا ضد أية عمليات تجنيس جديدة من شأنها تأصيل فكرة الوطن البديل والتضحية بالمقدسات الإسلامية التي تعنيني كما تعني كل أردني بل وعربي أو مسلم مهما كان أصله ، فهذه قضية تتعلق بعقيدتنا الإسلامية لا يختلف عليها عاقلين.

إن الفترة الزمنية التي قضيناها معا ، وعلاقات النسب والمصاهرة والمصالح المشتركة ، تحتم علينا أن ننصهر في بوتقة وطنية واحدة ، على غير الواقع الموجود اليوم ، في فرقنا الرياضية ، وشركاتنا الخاصة ، ومعايير افراز النواب والمرشحين لأي منصب سياسي مهما كان ، وللأمانة فإن الفكر الذي يجعلنا نفرق بين أهل الشمال وأهل الجنوب ، وبين العشيرة الفلانية والأخرى العلانية ، هو ما يجعلنا أحيانا نفرق بين الأردنيين على أساس أصولهم ، ولكن الفرق بين الحالتين ، أن التفريق في الحالة الثانية يقود إلى عدم الإستقرار السياسي والاجتماعي بشكل أكبر ، فالأردن لا يكون قويا إلا بالفئتين متحدتين متآخيتين لا بعكس ذلك ، فتجريد الأردن من أي من الفئتين ينقله من دولة إلى دويلة ضعيفة هزيلة غير متماسكة ، لذلك ، علينا التعامل مع الواقع الموجود والتعايش معه ، المرارة كل المرارة عندما يتم تعزيز فكرة العنصرية والتفريق بين الأردنيين شرقهم وغربهم من قبل أصحاب القرار ، فيطلب البعض دون خجل تخصيص مقاعد كوتا للأردنيين من أصول فلسطينية في مجلس النواب ، أو مجلس الأعيان ، علما بأن هذه مخالفة دستورية صريحة لما ورد في المادة السادسة من الدستور الأردني التي تنص على أن الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين ، ويستغرب البعض من كون رئيس الوزراء من أصول فلسطينية ويطالبون بأن يكون من أصول أردنية ، فنتحدث علانية عن دولتين في دولة واحدة ، وعن قوى سياسية متناحرة لا يمكن أن تسير بالإتجاه الصحيح أو أن تحقق المطلوب منها ، وربما أن هذا لن يخدم أحدا غير المستفيدين من حالة الفوضى العربية والتي يقومون على تعزيزها أصلا . ينظم إلى هؤلاء الذين يشمرون عن سواعدهم يوما بعد يوم للمشاركة في عملية تقسيم الكعكة من باب المحاصصة ، كل الذين يشاركون في الإعتصامات ممن لا يستحقون ما يطالبون به في حالة من ضرب مصلحة الوطن بعرض الحائط ، موظفوا لجمارك بالأمس ، والمعلمون اليوم ، موظفوا الجامعات والإحصاءات العامة والضمان الإجتماعي ، وغيرهم سيظهر لنا بالغد أو ما في بعده ، فلكل طرف من هؤلاء مصلحة خاصة لا تتقاطع مع مصلحة الوطن ، ولا تنظر إليه إلا بعين الأنانية وتحقيق المكاسب الشخصية ، وفي نهاية المطاف ، فإن القليل الدائم خير بكثير من الكثير المنقطع .

إن ما نراه ونقرأؤه ونسمعه لهو خير دليل على أن مؤامرة تحاك في الخارج يوازيها عملية محاصصة لقوى سياسية في الداخل ستؤدي متشاركة إلى كارثة "اجتماعية سياسية " يتأثر بها جميع الأردنيين ، والمطلوب هو صحوة قبل أن تقع الفأس بالرأس ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات