للتذكير : صاحب فكرة بناء أوَّل مسجد ضرار هو عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد من الأوس ، وكان رأس الأوس في الجاهلية ، وأطلق على نفسه لقب ( أبو عامر الراهب ) ، فلما جاء الإسلام جاهر بالعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذهب إلى قريش يؤلــِّـبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضـّـهم على قتاله ، وشارك إلى جانب كفار قريش في معركة أحد ، وسمَّاه الرسول صلى الله عليه وسلم ( أبوعامر الفاسق ) ، ولما برز أمر الإسلام ذهب أبو عامر الفاسق إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم فوعده هرقل ومنــَّـاه ، فكتب الفاسق إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق يعدهم ويُمنــِّـيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه , وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك , فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء ، وبعد أن أكملوا بناء مسجدهم الضرار نزل الوحي الأمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفضح خـُـطة المنافقين لشق الصف المسلم :

( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ( ( سورة التوبة 107 ـ 108 ) .

بعد إفتضاح أمر مسجد الضرار بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد رهطا من الصحابة الكرام فهدموه .

تلك هي قصة أول مسجد ضرار لشق الصف المسلم ، وأحسب أنكم لاحظتم دور أعداء الإسلام وخصومه ( كفار قريش ، المنافقون ، هرقل الروم ) في دعم صاحب فكرة مسجد الضرار وتشجيعه على شق الصف المسلم .

وإلى جانب ظاهرة دعم أعداء الإسلام وخصوم الجماعة المسلمة لكل مساجد الضرار ، يُلاحظ أيضا أن كل مساجد الضرار بدءا من مسجد أبي عامر الفاسق مرورا بكل مساجد الضرار اللاحقة كانت تظهر في الوقت الذي يكون الإسلام والجماعة الإسلامية يواجهون فيه هجمات تهدف إلى إستئصالهم دينا وجماعة .

التاريخ الإسلامي يزخر بعشرات مساجد الضرار تحت مُسمَّـيات متعددة حظيت بدعم أعداء الإسلام وخصومه لشق الصف المسلم ، والدارس لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر طليعة الحركة الإسلامية الحديثة ، رضي من رضي وأبى من أبى ، يكتشف أنها تعرَّضت للكثير من مساجد الضرار تحت مُسمَّـيات مُتعددة حاولت شق الصف الإخواني ، بعضها في عهد الملك المخلوع فاروق وبدعم منه ، وبعضها في عهد جمال عبد الناصر وبدعم منه ، وبعضها في عهد السادات وبدعم منه ، وبعضها في عهد مبارك وبدعم منه ، وها هم الإنقلابيون الدمويون يعيدون الكرَّة لاستنساخ محاولة جديدة بائسة يائسة لشق الصف الإخواني ستكون نهايتها بإذن الله كنهايات ما سبقها ، ستفشل ، وسيبقى الإخوان المسلمون رقما صعبا يستعصي برعاية الله على الشق .

في الأردن ، أذكر شخصيا أكثر من محاولة تحت مُسمَّـيات عديدة لإيجاد أكثر من مسجد ضرار لشق صف الإخوان ، كلها فشلت ، وبقى الإخوان المسلمون ، وسيبقون رغم كل مشاريع مساجد الضرار الخائبة المطروحة على الساحة رقما صعبا يستعصي برعاية الله على الشق ، الخدمة الكبرى التي تـُـقدمها مساجد الضرار لجماعتنا أنها تـُـنقــِّـي شجرتها الوارفة من الثمار المعطوبة والأوراق اليابسة .