دستورية تعليق عضوية النائب الدميسي


شهدت جلسة مجلس النواب يوم قبل أمس أحداثا دراماتيكية غير مسبوقة تمثلت في قيام النائب طلال الشريف بإطلاق الرصاص على زميله النائب قصي الدميسي في حادثة لم تشهدها أروقة مجلس الأمة من قبل، والتي تعتبر تطورا ملحوظا في وسائل القتال وأساليب العنف التي يستخدمها السادة النواب، حيث انتقلت من مجرد التهديد باستخدام السلاح والتلويح به إلى استعماله وإطلاق الرصاص الحي داخل أروقة المجلس.

وعلى ضوء تلك الوقائع التي يندى لها الجبين فقد تسارعت مجريات الأحداث الدستورية بأن صدرت إرادة ملكية سامية بإضافة بند مناقشة قضية إطلاق النار إلى جدول أعمال الدورة الاستثنائية الحالية المقيدة دستوريا بالأمور المدرجة في الإرادة الملكية الأولى التي دعت إلى انعقادها. وعلى ضوء توصيات لجنة التحقيق النيابية التي شكلها مجلس النواب فقد تقرر فصل النائب طلال الشريف من مجلس النواب، وتعليق عضوية النائب قصي الدميسي لمدة سنة واحدة مع حرمانه من مخصصاته المالية خلال تلك الفترة.

إن قرار فصل النائب الشريف قد جاء تطبيقا لأحكام المادة (90) من الدستور التي تعطي الحق لمجلس النواب في فصل أي من أعضائه وذلك بقرار يصدر عن أكثرية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وهذا ما حدث فعلا على أرض الواقع، حيث صوت (134) نائبا من أصل (136) حضروا الجلسة على فصل النائب الشريف، الذي تم أيضا تحريك دعوى الحق العام في مواجهته بمجرد ارتكابه الجرم وقبل صدور القرار بفصله كونه قد ألقي القبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية هي الشروع في القتل، وبالتالي فلم يتمكن من الدفع بالحصانة النيابية لمنع توقيفه أو محاكمته.

أما بخصوص النائب قصي الدميسي الذي صوت مجلس النواب على تعليق عضويته لمدة سنة واحدة، فإن التساؤل الأبرز الذي يثور يتمثل في الأساس الدستوري أو القانوني لتلك العقوبة النيابية التي فرضها مجلس النواب على أحد أعضائه. فالدستور الأردني قد جاء صامتا عن إيراد أي نصوص أو أحكام حول تعليق عضوية النائب أو تجميدها، حيث اقتصرت مواده على معالجة حالة شغور محل أحد أعضاء مجلس النواب بالوفاة أو الاستقالة أو غير ذلك من الأسباب ومن ضمنها الفصل. وكذلك الحال، فإن النظام الداخلي الحالي لمجلس النواب لم يتضمن أي أحكام حول تعليق عضوية النائب وحرمانه من مخصصاته النيابية كعقوبة مسلكية أو تأديبية، مما يثير الشبهات حول دستورية القرار الذي صوت عليه مجلس النواب بخصوص تعليق عضوية النائب الدميسي.

وقد جاءت الفتوى الدستورية من داخل مجلس النواب أن حق المجلس في تعليق عضوية النائب الدميسي يستند إلى مبدأ "من يملك الأكثر يملك الأقل"، فما دام أن مجلس النواب يملك حق فصل أحد أعضائه فصلا نهائيا، فإنه من باب أولى أن يملك حق تعليق عضويته لفترة زمنية معينة.

إن مثل هذا الرأي الدستوري غير سليم ولا يمكن الاحتجاج به لتبرير قرار تعليق عضوية النائب الدميسي ذلك أن المبدأ العام الذي يحكم تطبيق العقوبات على اختلاف أنواعها يتمثل في أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فما دام أنه لم يرد نصا صريحا في كل من الدستور الأردني والنظام الداخلي لمجلس النواب على عقوبة تعليق العضوية والحرمان من المخصصات المالية، فإن التمسك بها وتطبيقها في مواجهة أحد أعضاء مجلس النواب يكون دون وجه حق ومخالف للأصول القانونية والدستورية.

كما لا يرد القول أن قرار الفصل يستند إلى توصية أقرها مجلس النواب في بداية جلسته والتي تقضي بفصل كل من يحاول الإساءة بالقول أو بالفعل أو بحمل السلاح تحت القبة أو في أروقة المجلس للمدة التي يراها مناسبة ذلك أن مثل هذا القرار يجب تضمينه ابتداء في النظام الداخلي لمجلس النواب، وأنه يجب أن يطبق بأثر فوري على الجرائم التي ترتكب بعد صدوره وليس قبل ذلك كما حدث مع النائب الدميسي وذلك عملا بالمبادئ العامة التي تقضي بأن العقوبات تطبق بأثر فوري على الجرائم التي ترتكب بعد صدورها.

إن الأثر المترتب على تعليق عضوية النائب الدميسي لمدة سنة واحدة يتمثل في أن مجلس النواب وخلال العام القادم من عمره سيجتمع بحضور (149) نائبا – بعد أن يتم إجراء الانتخابات التكميلية لملئ المقاعد التي شغرت في المجلس – وليس (150) نائبا كما هو محدد في قانون الانتخاب. فعلى الرغم من أن نية المشرع الأردني قد اتجهت صراحة ومن خلال قانون الانتخاب الحالي إلى أن يكون عدد أعضاء مجلس النواب (150) عضوا، إلا أنه قد قام بتقليص ذلك العدد لفترة زمنية محددة دون سند قانوني أو دستوري.

كما تظهر مخالفة قرار تعليق العضوية لأحكام الدستور في المادة (88) منه التي تشترط إجراء انتخابات تكميلية لملئ المقعد الذي يشغر في حال وفاة أو استقالة أو فصل أحد أعضائه، والمادة (71) التي تعطي الحق لمحكمة الاستئناف التي تنظر في الطعون المقدمة بصحة عضوية النواب في رد الطعن أو قبوله وأن تعلن اسم النائب الفائز في حال قبول الطعن. فمن خلال النصين الدستوريين السابقين نجد أن إرادة المشرع الدستوري كانت دائما ما تتجه نحو تكملة عدد أعضاء مجلس النواب ليصل إلى العدد المحدد في قانون الانتخاب، فلا يجوز لمجلس النواب بعد ذلك مخالفة إرادة المشرع الدستوري من خلال تعليق عضوية أحد النواب لفترة زمنية معينة مع حرمانه من مخصصاته المالية دون وجود أي نص دستوري أو قانوني صريح يستند عليه.

ومن المشاكل الدستورية الأخرى التي سيثيرها قرار تعليق عضوية النائب الدميسي لمدة سنة أن هذا النائب لن يفقد صفته النيابية وسيبقى ممثلا للشعب الذي اختاره لعضوية مجلس النواب ولكن دون أن يحق له حضور جلسات مجلس النواب أو التصويت فيها. وهنا يثور التساؤل حول مدى تكريس فكرة الديمقراطية النيابية المتمثلة في أن الشعب يحكم بطريقة غير مباشرة من خلال نواب ينتخبهم لفترة زمنية معينة. فالناخبون الذين صوتوا للنائب الدميسي أضحوا الآن محرومين من أي تمثيل برلماني لهم سواء من خلال النائب المعلقة عضويته أو أي نائب آخر يحل محله وذلك لمدة سنة واحدة، مما سيحول دون متابعة همومهم وقضاياهم المحلية داخل مجلس النواب.

كما ستثور مشكلة النصاب الدستوري لجلسات مجلس النواب والقرارات التي ستصدر عنه بعد قرار تعليق عضوية النائب الدميسي، فالتساؤل الأبرز يتمثل فيما إذا كان مجلس النواب سيعتمد العدد الكلي لأعضائه (150) عضوا لغايات احتساب الأكثرية المحددة في الدستور، أم انه سيعتبر العدد الكلي لأعضائه (149) نائبا خلال السنة القادمة ذلك على الرغم من وجود نائب منتخب وعلى قيد الحياة، إلا أنه محروم من ممارسة دوره النيابي دون أي أساس قانوني أو دستوري.

لقد كان من الأفضل أن يصوت مجلس النواب على رفع الحصانة النيابية عن النائب الدميسي لتتم محاكمته جزائيا عن أي أفعال جنائية قد ارتكبها بحق النائب طلال الشريف أو أي نائب آخر خلال جلسات المجلس السابقة بحيث إذا ما تقرر الحكم بحبسه لمدة تزيد عن سنة واحدة أن يتم إسقاط عضويته في مجلس النواب حكما وذلك وفقا لأحكام الفقرة الثالثة من المادة(75) من الدستور.



تعليقات القراء

الحلول الترقيعية لاتنفع أبدا في هذه المرحلة
بإختصار شديد يجب حل مجلس الدواب فورا والسير في أحد الطريقين إما عودة قانون عام89للإنتخاب أو إجراء انتخابات هيئة تأسيسية تكون مهمتها وضع قانون انتخاب جديد وإصلاح التشوهات الدستورية والقانونية التي أقرتها مجالس الدواب الغير شرعية فما بني على باطل فهو باطل
12-09-2013 03:06 PM
معاوية المجالي
كل الاحترام والتقدير لدكتور ليث نصراوين ، دائمآ تتحفنا بارائك القيمة .
13-09-2013 05:29 PM
صالح العبادي
كلام دقيق وصحيح ، والحديث من كان يملك الكثير يملك القليل غير دستوري فليس لمجلس النواب سلطة تقديرية في مواد الدستور الخاصة بالمجلس كما هو للقضاة في نصوص قانون العقوبات لبعض الجرائم والجنح والمخالفات ، فالمواد واضحة وصريحة ومحددة ، والأقتراح ان يعاود مجلس النواب قراره بناء على احكام الدستور لسد المخالفات التي تناولها الدكتور نصراوين بخصوص النائب الدميسي..
14-09-2013 11:25 AM
ابو دهباش
هسة صار كل واحد يفتي بدستورية وغير دستورية الشريف والدميسي
شو هالحكي الفاضي الاثنان مابستحوش ويجب طردهم امثر من المجلس واصلاتن احنا بدناش مجلس النواب بدنا قوانين ناظمة للبلد وجهات امنية ورقابية شديدية وفيها رجال مش امعات ومنتهزين وابتزازين .. وخلصت القصة
14-09-2013 12:53 PM
متغب
- يجب التعامل داخل المجلس بقمة الحضارة...وعدم مقاطعة الاخرين..ومن لا يجيد استخدام اللغة السليمة...فالصمت افضل له من الكلام...لاننا نشاهد بعض النواب لا ينطقون ببنة شفة الا عند منح الثقة..او ان نراه رافعا يده مصوتا لصالح قرارات الحكومة الجائرة...
اما اللجؤ الى قذف الاخرين في الاحذية فهذه جريمة خلقية...اصعب من استعمال السلاح...لكن الوطن هو الخاسر الاكبر..
وسمعة الوطن اصبحت في الحضيض...
14-09-2013 01:51 PM
حسام النعيمات
بصراحة الكلام غير مقنع مع انني لم اقتنع بطريقة تجميد الدميسي من ناحية قانونية ولكنني لم اجد في كلام الدكتور نصراوين اي منطق ، حيث ان الفصل في الدستور لم يذكر بالمطلق هل هو فصل عقابي نتيجة جريمة او لا فمثلا لو اجتمع ثلثي المجلس على فصل زميل لهم بدون ان يكون قد ارتكب جريمة فهل هنا يكون الحال بانه فصل غير دستوري ؟؟ ثانيا موضوع التمثيل والعدد ايضا غير مقنع وايضا لو كان احد النواب مصاب بمرض او غيبوبة وقد حدث في المجلس الاسبق ان فاز احد اعضاء المجلس وهو في غيبوبة او كان مرضه يقعده طريح الفراش ولا يستطيع تمثيل دائرته الانتخابية فما هو جواب الدكتور ؟؟؟ بصراحة تبريراتكم غير مقنعه منطقيا ولا قانونيا
15-09-2013 10:46 AM
نائب
يفضل استضافة خبراء دستوريين لمعرفة ارائهم مثل قانون المالكين والمستأجرين
15-09-2013 07:07 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات