ضرورة فصل الدين عن السياسة


تؤكد النظريات السوشيوسياسية أن الدولة ذات التنوع (الديني ، الطائفي ، الإثني، الثقافي ، السياسي ، الفكري ، الايدلوجي) ، لا يصلح لها إلا نظام حكم مدني علماني (يفصل الدين عن السياسة) - حتى لو كانت طائفة أو ديانة بعينها تمثل غالبية السكان - على اساس أن "الدين لله والوطن للجميع". وتؤكد تلك النظريات على أن ذلك يشكل صمام أمان ومصدر استقرار للدولة والمجتمع، لأنه حسب المفهوم العلمي الموضوعي يُفترض أن يقف النظام المدني العلماني الليبرالي على مسافة واحدة من الجميع، ويتيح للجميع حرية الحراك السياسي والاقتصادي والديني والطائفي وغيره من الحراكات .

أثبتت الأحداث التي تمر بها البلدان العربية، اننا (العرب والمسلمين) بحاجة الى بناء "ثقافة" مدنية علمانية ترفض تدخل "الدين" في شؤون الدولة وادارتها ، وتقف على مسافة واحدة من جميع البشر بغض النظر عن انتماتهم الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية والسياسية.. تفضي الى بناء دول مدنية ديمقراطية علمانية تحترم مواطنيها على أساس مبدأ المواطنة بصرف النظر عن الانتماءات سالفة الذكر..

"الدولة المدنية” تقوم على عقد اجتماعي أساسه )المواطنة( التي ليس فيها مفاهيم أهل الذمة والجزية والتكفير. وتقوم على الحرية فليس فيها عقوبة على الالحاد أو تغيير الدين وليس فيها حواجز أمام الدعوات الدينية والفكرية، ومصدر التشريع فيها هو البرلمان والمشرعون هم البرلمانيون .

أصبحت مسألة فصل الدين عن الدولة وشؤونها، من القضايا المسلَّم بها في الفكر السياسي العالمي كونها أمراً لازماً لكل دولة ومجتمع يطمح في الوصول الى مستويات متقدمة في التطور والحداثة والاستقرار والوحدة الوطنية. والدولة التي تفصل الدين عن شؤونها تكون "محايدة" لا تلتزم بدين (اي دين) ولا تحاربه ولا تنكره، بل تترك أمره للمواطنين يختارون ما شاؤوا من عقائد، ويلتزمون بما يريدون من قِيَم، ويمارسون ما يروق لهم من عبادات.

شعوب اغلب دول العالم حسمت خيارتها باتجاه إقامة الدولة المدنية العلمانية، إلا أن الشعوب العربية وقواها السياسية لم تستطع حتى الآن حسم خياراتها باتجاه إقامة الدولة المدنية، كما أن أنظمة الحكم في البلدان العربية هي أيضاً لم تحسم خياراتها نحو تحقيق الدولة المدنية، وفضلت البقاء في "المنطقة الرمادية" بين الدولة المدنية والدولة الدينية. على الرغم من تعدد الانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والقبلية في عالمنا العربي ..

المسلمون في الوقت الحاضر بحاجة الى صناعة تيار شعبي يرفض أي تنظيم سياسي يقوم على أساس الدين. ولابد ايضاً بعدم السماح للسياسيين باستخدام الدين في حملاتهم الانتخابية والتحشيد لمشاريعهم السياسية. الدين هو أحد المدخرات الاجتماعية التي يحتاجها الفرد لينهل منها الطاقة الروحية التي تعينه للاستمرار في معترك الحياة، اذن على المسلمين ان يعترضوا على خطف دينهم وتحويله الى ايديولوجيا سياسية والة قتل وارهاب.

أن حل المليشيات والأحزاب السياسية الدينية ضرورة تحتمها طبيعة الدولة المدنية مع ضرورة الفصل بين "العمل الدعوي" و"العمل السياسي" من اجل تفرغ المؤسسات الدعوية لبناء دولة (منظومة) القيم ، التي شهدت انهيارا كبيرا خلال الاعوام القليلة السابقة ، على أن تتفرغ التنظيمات والأحزاب السياسية المدنية لبناء دولة السياسة التي تشكل الإطار العام لمفهوم الدولة الحديثة بكافة مكوناتها وأركانها.

في ضوء ما يحدث في دول العالم العربي من اقتتال دموي بين بعض الطوائف الدينية ، وبين ديني ومدني، ومعتدل ومتطرف ، نرى أن تطبيق الحكم المدني العلماني مع وجود دور قيمي للدين في الحياة العامة هو سفينة نوح الجديدة لإنقاذ الأمة من الطوفان السياسي الحالي .



تعليقات القراء

متابعة
هذا هو الكلام الصحيح ، الله يوفقك وإلى الأمام ، وإذا بقينا على هذا الحال سوف نكون في مصاف الشعوب الجائعة والمتخلفة إلى الأبد .
ولذلك فإن معركة سوريا مع التكفيريين هي معركة مصير ليس لسوريا فقط وإنما للمنطقة بأسرها .
28-08-2013 10:39 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات