مشاكسات نيابية ضد المحكمة الدستورية


شهدت الأيام القليلة الماضية حالة من التوتر غير المسبوق في العلاقة بين مجلس النواب والمحكمة الدستورية وذلك ردا على القرار الذي أصدرته المحكمة حول قانون التقاعد المدني والذي اعتبره السادة النواب أنه يشكل اعتداء على صلاحياتهم الدستورية. كما شكك السادة النواب في شرعية ذلك القرار الذي حرمهم من التقاعد المدني، معتبرين أنه سياسي أكثرمنه دستوري، وأنه يتعارض مع أحكام المادة (94) من الدستور.

إن الخلاف الذي نشب بين مجلس النواب والمحكمة الدستورية تعود بداياته إلى رفض مجلس الأمة قانون التقاعد المدني المؤقت رقم (10) لسنة 2010 والذي حرم أعضاءه من التقاعد عن سنوات العمل البرلماني. وعلى ضوء قرار الرفض قررت حكومة فايز الطراونة في ذلك الوقت إعلان بطلان ذلك القانون المؤقت الذي تم رفعه إلى جلالة الملك للتصديق عليه. وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على ذلك، قرر جلالة الملك رفض الموافقة على إعلان البطلان، مما حدا بالسادة النواب إلى الطلب من المحكمة الدستورية تفسير المادة (94) من الدستور حول إلزامية الملك بالموافقة على إعلان بطلان القانون المؤقت خلال ستة أشهر، وذلك أسوة بالقوانين العادية التي يقرها مجلس الأمة.

وفي معرض تفسيرها للنصوص الدستورية، فقد أفتت المحكمة الدستورية أنه لا يجوز معاملة القانون المؤقت الذي رفضه مجلس الامة معاملة القانون العادي فيما يتعلق بمدة التصديق عليه أو رفضه التي حددها المشرع الدستوري بستة أشهر للقانون العادي، وذلك نظرا للطبيعة الخاصة للقانون المؤقت الذي يعتبر مختلفا في وضعه عن السياق العام للقوانين العادية. فالقانون المؤقت يتساوى مع القانون العادي في حالة اقراره أو تعديله للمصادقة عليه والأمر باصداره، إلا أنه لا يتساوى معه في حالة رده من مجلس الأمة وعدم موافقة الملك على إعلان بطلانه.

إن مثل هذه الحجج والأسانيد التي ساقتها المحكمة الدستورية تتوافق مع مقاصد المشرع الدستوري من إقرار الحق للسلطة التنفيذية في إصدار قوانين مؤقتة لا يمكن بأي حال من الأحوال معاملتها معاملة مشاريع القوانين العادية في كافة المناحي والجوانب التشريعية. فهي تتشابه مع مشاريع القوانين فيما يتعلق بإقرارها ومناقشتها داخل مجلس الأمة، إلا أنها تختلف عنها فيما يتعلق بحق الملك في التصديق عليها إذ لا وجه للمقارنة فيما بينهم. فالقوانين المؤقتة تكون سارية المفعول ونافذة أثناء فترة إقرارها ومناقشتها في مجلس الأمة على خلاف مشاريع القوانين العادية التي لا يبدأ نفاذها إلا بعد مصادقة الملك عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، وهذا ما يبرر تقييد صلاحية الملك في التصديق والإصدار في حالة مشاريع القوانين بفترة زمنية معينة، وعدم تقييده في حالة القوانين المؤقتة.

وعلى الرغم من إلزامية القرار التفسيري الذي يصدر عن المحكمة الدستورية واعتباره جزءا لا يتجزأ من النص الدستوري الذي تم تفسيره ويقرأ معه، إلا أن السادة النواب قد ضربوا بعرض الحائط هذه الحقيقة الدستورية موجهين سهام انتقاداتهم الشكلية وغير الموضوعية للقرار التفسيري الذي جاء مقنعا وفصيحا من الناحية الدستورية.

ولم تنته المشاكسات النيابية للمحكمة الدستورية عند هذا الحد، بل حاول بعض السادة النواب إحراجها من خلال الطعن لديها بعدم دستورية قانون البلديات الأردني وذلك استنادا لأحكام المادة (60) من الدستور. فقد استغل بعض السادة النواب اقتراب موعد إجراء الانتخابات البلدية للطعن بدستوية قانون البلديات وذلك لكي يضعوا المحكمة الدستورية في مأزق حول طبيعة القرار الذي يمكن أن يصدر عنها. فجاءت اعتراضات النواب على نصوص تقليدية في القانون، دائما ما تضمنتها كافة قوانين البلديات السابقة التي صدرت في الأردن كالنص القانوني بتعيين أمين عمان واعتبار القدس بلدية أردنية وحل المجالس البلدية. فسوء النية المبيتة من قبل مجلس النواب في مواجهة المحكمة الدستورية قد ظهرت جليا في أن السادة النواب الذين أثاروا الدفع بعدم الدستورية هم نفسهم الذين شاركوا في صياغة ذلك القانون وتشريعه في المجالس النيابية السابقة، والذين كان بمقدورهم التنبه لعدم دستورية تلك النصوص في قانون البلديات عند إقرارها وتعديلها بما يتوافق مع أحكام الدستور.

إلا أن المحكمة الدستورية قد لقنت أولئك النواب مثيري المشاكل درسا في أصول الطعن بعدم الدستورية أمامها، فلم تكلف نفسها عناء البحث في جدية الطعن من عدمه، وإنما اكتفت برده شكلا لعدم توافر الشرائط القانونية في الطعن بدستورية القوانين والأنظمة النافذة أمامها. فقد فشل مجلس النواب بما يضم بين صفوفه من أعضاء يدعون المعرفة بأصول الدستور وفقهه عن تقديم طلب أصولي للطعن بعدم دستورية قانون البلديات من حيث استكمال الشروط القانونية التي حددتها الفقرة (ب) من المادة (9) من قانون المحكمة الدستورية والتي تلزم مجلس النواب ببيان أوجه مخالفة القانون الطعين لأحكام الدستور. فجاء طعنهم بمثابة طلب استشاري حول دستورية بعض مواد قانون البلديات، وهو العمل الذي يخرج بحكم الدستور عن اختصاص المحكمة الدستورية.

إن الخطأ الذي وقع به مجلس النواب في ممارسة صلاحياته الدستورية والذي يعزى إلى قلة اهتمامهم بقراءة نصوص وأحكام قانون المحكمة الدستورية لا يغتفر، ويضاف إلى سلسلة العثرات التي وقع بها المجلس الحالي على الرغم من حداثة تشكيله. فعلى مجلس النواب أن يعي أهمية المحكمة الدستورية ودورها في تفعيل مبدأ سمو الدستور، وأن تكون علاقته معها علاقة تكاملية وتشاركية، وليست تنافسية تقوم على محاولة الإيقاع بها والنيل منها. فالمحكمة الدستورية وإن كانت فتية وحديثة النشأة، إلا أنها تملك رئيسا وأعضاء مشهود لهم بالعلم والمعرفة القانونية السديدة التي تفرض على مجلس النواب في المستقبل "عدم اللعب مع الكبار".



تعليقات القراء

ابن عباد
بس لأول مرة نسمع ان القانون المؤقت لايعامل معاملة القانون العادي بدليل ان الدستور يوجب عرض القانون المؤقت على مجلس النواب في اول اجتماع يعقده ؟؟؟
06-08-2013 11:27 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات