ضوضاء وضيقة حال


في بلاد الصنف الثالث، عُقدة الميكروفون موجودة لدى الكثيرين من شعبنا، في المدرسة التي استوطنت جوارنا والتي بُنيت في العطلة الصيفية في غضون (3) أشهر يستلمنا الأستاذ محمد صبّاحي لمدة لا تقل عن الساعة يصدح بها المايك بالسلام الملكي وتلاوة آي من الذكر الحكيم وحكمة اليوم وتعليمات الطابور والتحفيز لإلتهام الكتب في الصفوف، هذا بالإضافة الى عبارات التهديد لإبراهيم البارد وسعيد المسقّع، وهسّع باجاي برفش ببطنك. هذه المدرسة وغيرها كُثر، لديها دوام مسائي إيضاً ونشاطاتها كثيرة وصدقوني اني استمع لكثير من الحصص الجماعية من خلال المايك وسماعاته.
ومعاذ الله أن أطالب بإلغاء الآذان، إلا أن البعض يبالغ في الإطالة وإضافة الكثير من العبارات الإضافية والتي لا تعتبر من النص الأصلي المراد به التذكير والإعلان عن موعد الصلاة بإيجاز، فكلمات الآذان عددها (21) كلمة يمكن أن تنتهي في أقل من دقيقة وهي:
الله أكبر
أشهد ان لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله
حيّ على الصّلاة
حيّ على الفلاح
الله أكبر
مع تحفظي على الإقتباس عن الأمير الحسن بعد تصريح المنخل إياه، إلا أنه قد حاول في بداية الثمانينات سن تشريع للحد من التلوث الضوضائي وقامت قيامة الأخوان عليه بحجة أنه يريد ان يلغي الآذان وأن يمنع بث صلاة الجمعة ولكن ما فعله هو إيجابي تمثل بتكليف الجمعية العلمية الملكية بتوحيد الآذان. ثم أنه ليس من الضروري بث خطبة الجمعة من خلال المكبرات لأن السماعات الداخلية كافية لإسماع الحضور، ومن يرغب بسماع الخطبة من المنزل، فالتلفزيون موجود، ولكم في تركيا خير مثال على ذلك. أما في يوم الجمعة فيستولي على المايك خطيب المسجد وينطلق بالصياح، فلا أنت تفهم ما يقول ولا تستطيع متابعة خطيب آخر على التلفزيون. ومساءً يحل المايك ضيفاً في يد مُغني نصف كم في بث حي ومباشر أو مُسجل كوكتيل لعمر العبدللات يمتد إلى ما بعد منتصف الليل... حتى في الحراك الشعبي، المايك سيد الموقف، وقد شاهدت إختراعاً أردنياً في الطفيلة لوحدة مايك وسماعات متحركة على عجلات.
ألا يستطيع مسؤولينا ان ينقلوا تجربة الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا أو فرنسا في الحفاظ على الهدوء في شوارعهم، وصدقوني أن الدولة لا تقصر معهم وترسلهم الى جميع أنحاء العالم فترى صورهم مبتسمين على الفيسبوك اسفل برج أيفيل أو أمام البيت الأبيض أو في ساحة الكسندر بلاتس في برلين. رؤساء البلديات أو أعضاء مجلس الأمانة والبلديات مكثرون في السفر ومقلون في الاستفادة من السفر، وبمجرد وضع رجلهم في مطار الملكية علياء تعود الكشرة الى سحنتهم ويمتنعون على الإقتراب من منع الناس من فش خلقهم بالمايك وصب جام ضوضائهم في صيوان آذان البشر. الم يحن الوقت لسن تشريع لمعاقبة المتسببين بالضوضاء والإستناد إلى العلم لقياس شدة الصوت بالديسبيل لتحرير مخالفة لمن يعتدى على حق الآخرين بالسكينة في منزل أو التركيز في العمل أو الراحة لمريض. أما الضوضاء الفجائي المتمثل بالمفرقعات فحكايتها أردنية بإمتياز فأنت تحت رحمة أولاد شوارع ودكنجية البريزة، فإن كان من الصعب على موظفي الجمارك تفتيش جميع المستوردات لتطبيق تعليمات منعها، ألا يمكن لموظفي الأمانة والبلديات الإستدلال على أماكن بيعها وإغلاق هذه الدكاكين المرة تلو الأخرى حتى يستوعبوا أن راحة الناس أهم من برايزهم المصدّية.
إصلاح ولستم أهلاً له، وفساد ولستم محاربين له، وإنتعاش إقتصادي ولست بقادرين على تحقيقه، وعدالة إجتماعية ولستم متحمسين لتحقيقها، وإعلام حر ضقتم ذرعاً به ... فقد أصبحت الحياة في الأردن ضوضاء وضيقة حال، أرحمونا عاد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات