هواجس على منحدر الهاوية


لا تتعب من كتابة هواجسك يهتف شيطانك السري فتمضي قدما إلى ذكرتك أو تمضي ذاكرتك إليك وقد هدها الانتظار، وبعدت المسافة بينكما مسافة جيل تمضي إليك وتمضي إليها تتعانقان في منتصف الطريق. تعتصرها بين يديك، حبة عنب أسود فاتها الخريف فلم تقطفها أصابع العذارى تلين وتتنازل عن أسرارها لك تمشي جنبك على قدمين لا غير.

تسبقها أو تسبقك تهتدي إليها برائحة الحنين، وتهتدي إليك بفوضى ترسمها خطاك على رمل الطريق تختلس مفتاحها القديم قطعة حديد كساها صدأ السنين تنفضه وتختلي بظلك في منحدر يعبره العمر ركضا، نحو هاوية هي المستقر الأخير مشرعا أبوابه لكل ريح عاتية أو هبة نسيم تفتح درجا خبأت فيه سرا صغيرا ذات غفلة من زمن سحيق تسترجعه منتشيا، مخمورا برائحة الأمس البعيد وتعبر المنحدر ركضا كذلك نحو الهاوية تلحق بذاكرتك. تفاجئها وهي تفتش المكان شبرا شبرا بحثا عن شغبك .

تتأبطها وتتأبطك وتذهبان معا إلى موعد صاغه الزمن نيابة عنكما فالناس في عرفه (الزمن) قاصرون يتولى تدبير أعمارهم ريثما ينضجون فإذا نضجوا انتقى لهم مكانا قصيا لا تبلغه أنظار القاصرين سماه الموت وسماهم هالكين .

تمضي بها وتمضي بك بعيدا بعيدا كما يمضي السحاب بالمطر لا يتعب أحدكما من الآخر ولا يشبع من عرقه تستدرجك إلى مجاهلها، وترتب لك مع نفسك لقاء عجيبا أذهلتك واقعيته تعرفت عليها بعد طول تفكير، وعرفتك من رمشة عينها الأولى قامت إليك وقمت إليها لتعانقها لكنك أجهشت باكيا على بعد شهقة منها التقطتك فغرقت أنت فيها واستنجدت هي بك نسيتْ نفسك نفسها. ونسيتَ نفسك بينهما لكن ذاكرتك عادت قبل الأوان ، فأفسدت نشوة النسيان عاد كل منكما إلى موضعه ، نفسك إلى غياهب الماضي . وأنت إلى صدمة الحاضر، ريثما يداهمك الماضي من جديد.

لا تتعب من كتابة هواجسك يهتف شيطانك السري ، فتمضي قدما إلى هواجسك متخففا من تعبك مثلما تتخفف في آخر اليوم من جواربك تنظمها في خيط رفيع تعرضها لتنضج تحت شمس خبأتها زمنا لهذا الغرض تعلقها على حجارة التاريخ .

هواجسك هي أنت ، هي الصحراء بكل ما أوتيت من عناد وقحط هي مطر يبدد سراب الظهيرة ويبلل عظاما لم يرشها قطر منذ هجرتها الأولى من ليل الجسد إلى عشية الروح هي مطر لا يسقط في صحرائك إلا بمعجزة رآك تخرج من بطن أمك محفوفا بترقب أهلك وحر يوليو، فظنك المعجزة خدعته فلم يؤول صمتك على وجه صحيح ، وسقط مدرار في عام مولدك ذاك ظنك المعجزة وظن أهلك أنك المعجزة مثلما ظن آخرون، في خيام بعيدة أن صبيانهم الذين ولدوا في عام مولدك، هم المعجزة ومثلما ظن آخرون أن الصبيان لا يليقون بمعجزة إذ لم يبلغوا سنها بعد فأعادوا للمطر هيبته وبحثوا عن المعجزة في أحداث أخرى وقعت في ذلك العام.

من فرط الألقاب والمديح مات الشيطان الصغير بداخلك ومن فرط ما علقوا عليك من آمال وأحلام ، كبرت قبل الأوان ، من فرط ما علقوا على كتفيك من آمال كبرت قبل الأوان ، تعض على شفتك وتخبئ المال في موجة حنق تجرفك بعيدا عن طفولتك تسبح ضد التيار، تيارك عائدا إلى موضعك، فيقذفك التيار على صخور تتحطم فوقها مشاريعك الصغيرة صخور تؤثث عالما لا صلة ولا شأن لك به، هو عالم الكبار



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات