تراجع الإسلاميين في انتخابات الكويت


لأول مرة نشهد انتخابات عربية نزيهة يخرج في أعقاب إعلان نتائجها العنوان التالي: تراجع للإسلاميين! ففي انتخابات الكويت الأخيرة تراجع الإسلاميون ومؤيدوهم في البرلمان الجديد من 21 مقعداً من بين الخمسين إلى 11 فقط أي أنهم خسروا نصف مقاعدهم النيابية. وبدلاً من حصولهم على المراكز الأولى بين الفائزين كما جرت العادة في الانتخابات السابقة، ها هم يقبعون هذه المرة في المراتب الأخيرة بين الفائزين مقابل تعزيز الليبراليين والشيعة حضورهم في البرلمان الجديد.

لقد ردد كثيرون أن لا انتخابات حرة في بلادنا العربية إلا ويفوز فيها حتما وبالضرورة الإسلاميون، إن لم يكن بالكامل فبنسبة كبيرة بلا شك، حتى تحول هذا النوع من الاعتقاد إلى ما يشبه المسلمات الكبرى في عالم السياسة بل والقدر الذي لا فكاك منه. البعض، من الخبراء والمحللين، قاله في سياق تشخيص معين للواقع السياسي العربي ، والبعض الآخر، من السلطات الرسمية وسدنتها، عمد إليه تخويفا وإرهابا حتى لا يوجه لها أي لوم على الإقصاء أو التزوير.

لا بد من الاعتراف أولا أن الكثير من الانتخابات العربية كرست فعلا هذا الرأي بدءا من انتخابات الجزائر الشهيرة عام 1991 وصولا إلى انتخابات العراق قبل أربع سنوات مرورا بالطبع بانتخابات في مصر والمغرب وطبعا الانتصار الكبير لحركة حماس في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة. وبغض النظر عن أية تفاصيل دقيقة لفهم وتفسير ما جرى في الكويت فإن ذلك لا يقلل في شيء من أهمية هذه الهزة القوية لما أريد له أن يكون حتمية متلازمة مع أي انتخابات حرة في ربوعنا.

نسينا في حمى التنافس السياسي وحتى المناكفات في السنوات الأخيرة أن الإسلاميين، كأي قوة سياسية أخرى، تتقدم وتتأخر، يختارها الناس ثم يرفضونها أو يلفظونها نتيجة ممارسات معينة، وقد يعيدونها ثانية بعد أن يكونوا جربوا غيرها فلم يحوزوا على رضاهم وهكذا... فقد كان يمكن للجزائر أن تعرف مآلا آخر غير الذي شهدناه لو أنها قبلت بنتائج انتخابات عام 1991 حين اختار الجزائريون بكثافة مرشحي الجبهة الإسلامية للإنقاذ لأنه كان يمكن لنفس المواطنين الذين اختاروهم أن يعودوا في الانتخابات التي تليها أن ينزعوا ثقتهم فيهم خاصة وقد كان مردود الإسلاميين في البلديات التي فازوا بها قبل التشريعية وقتها غير مشجع. وفي مصر كان يمكن كذلك أن يفوز الإخوان المسلمون في الانتخابات البرلمانية السابقة قبل أربع سنوات بأكثر من الثمانين مقعدا المعلنة ثم ينزلوا إلى ما دون ذلك بكثير في الموعد الانتخابي المقبل بشكل يشبه المد والجزر الذي عرفوه في انتخابات كل من المغرب والأردن في السنوات الماضية. وكان يمكن لحركة "حماس" أن تأخذ فرصتها كاملة في الحكم وتجرب بلا تنكيد ولا حصار ثم يحكم لها أو عليها، فإما أن يرتفع رصيدها مع أول استحقاق انتخابي مقبل أو يتراجع كثيرا أو قليلا.

من غير المناسب تقديس الإسلاميين واعتبارهم البديل الأنسب والأكثر نزاهة في كل دولنا العربية تماما كما أنه من غير المناسب شيطنتهم واعتبارهم دائما ألد الأعداء، لأنهم باختصار سياسيون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ويعانون كغيرهم من السياسيين من نواقص وعيوب من يعملون في الحقل العام... فلا مجال لتعظيمهم واعتبارهم الدواء الشافي لكل عللنا ولا لازدرائهم كأنهم يحملون الوباء ذاته. الناس تختارهم أحيانا في سياقات معينة وقد تفضل عليهم غيرهم في سياقات أخرى، فلا شيء ثابتا على الدوام ولا حتمية في صناديق الاقتراع.... وهذا أبلغ درس من انتخابات الكويت.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات