علاقة الدين بالسياسه


كثيراً ما نسمع عن الاسلام السياسي ، وكثيراً ما يستشهد البعض بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان سياسياً ،عندما يتحدثون عن الاتجاهات الاسلاميه المنخرطه في العمل السياسي ، والتي تمارس العمل السياسي من خلال مسميات مختلف ( حزب ، جبهه ، حركة ، ....الخ ) ، لكنهم لا يرغبون بالخروج من الاطار العام لمقولة الاسلام السياسي ، والبحث في جوهر كيفية أسلمة السياسه ، انما يتجهون الى تسييس الاسلام ، ولم يكن الاسلام يوما ببعيد عن السياسه ، فكثير من مظاهر السياسه وصورها التي نراها الان ، وجدت في حياة المسلمين ووجدت في قيادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وإدارته للدولة الاسلاميه ، ومن أهما مبدأ الشورى ، الذي توسع العالم الحديث في مضمونه الى مجالات عدة ربما انحرفت بها عن الطريق الصحيح ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينتهج مبدأ الشورى من خلال توجيه الهي له في القرآن الكريم ، حيث قال الله سبحانه وتعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} الشورى 38 {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين} آل عمران جزء من الآيه 159 ، ومن هنا كان الرسول يشاور أصحابه في كثير من أمور الدنيا التي تحتمل الرأي والرأي الآخر ، وكان صلى الله عليه وسلم يستمع الى أكثر من رأي ثم يأخذ رأيا واحداً منها ، وفي بعض الاحيان يترك الرأي الأكثر صحة وملائمة للموقف كما كان في غزوة بدر عندما طلب المشورة في الاسرى ، فأخذ برأي ابو بكر بأن يفتدي كل اسير من خلال تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، وترك رأي عمر الأكثر دقة وصواباً في تلك المرحله عندما أشار عليه بأن يقتل هؤلاء الاسرى وعدم مفاداتهم ، وجاء قول الله تعالى في القرآن الكريم (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ) سورة البقرة -جزء من الاية 85 -، موافقاً لرأي عمر رضي الله عنه ، كما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورة حباب بن المنذر في غزوة بدرعندما قال له : (يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال : يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أشرت بالرأي .

كما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورة سلمان الفارسي في غزوة الاحزاب عندما اشارعليه بحفر خندق حول المدينه ليكن حاجزا يصد المشركين عن المسلمين ، وغيرها الكثير من الشواهد على الأخذ بمبدأ الشورى الذي هو صورة من صور الديموقراطية ، أما بالنسبة لحرية الرأي والتعبير فالحوادث كثيرة على ذلك في الاسلام ومنها انه عندما قال ابو بكر رضي الله عنه للناس :(قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فان احسنت فأعينوني وان اسأت فقوموني) ، كما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للناس ،من رأى منكم فِيَّ اعوجاجًا فليقومه .

وقال رجل لعمر : اتق الله يا عمر فأجابه أحد الحاضرين بقوله : أتقولون هذا لأمير المؤمنين ، ولكن عمر نهره بتلك الكلمة وقال : لا خير فيكم إن لَمْ تقولوها ولا خير فينا إن لَمْ نسمعها ، أما فيما يتعلق بحقوق الانسان ، فكان الاسلام أكثر الديانات حرصاً على الحقوق ، وتعداه الى أكثر مما هو موجود الآن ، فبدأ بالحقوق من حق الحياه ، وجاءت الكثير من الايات التي تحرم على المرء الاعتداء على حياة الاخرين ، كما جاء في السيرة حرص الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده على حياة الناس حتى المشركين الذين لا يحملون السلاح وكانت وصاياهم دائما للجيوش بالمحافظة على حياة المدنيين ، كما حرص الاسلام على حقوق الطفل ، من الرضاعة ، واختيار الاسم ، وحق الامومة والنفقة ،وحق التعليم ، بل ذهب الاسلام الى أبعد من ذلك حيث أوجب للطفل حقاً قبل ولادته تمثل في أن يختر له أبوه اماً صالحة ، اما بالنسبة للمرأه فلم تأخذ المرأة حقها في كل الديانات والمجتمعات كما أخذته في الاسلام ، بدءاً من حق الحياه ، الى حق التعليم والعمل ، والحق في اختيار وقبول الزوج المناسب ، بالاضافة الى حقها في الميراث .

من خلال ذلك كله نجد أن الاسلام لم يكن بمنأىً عن السياسه فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم نبي الله ورسوله خاتم الانبياء والمرسلين حمل رسالة سماوية ومنهج الهي بنى من خلاله دولة اسلامية عظيمة ، اتسمت فترة قيادته وقيادة من بعده من الخلفاء الراشدين بالعدالة والمساواه ، بعيداً عن اعتبارات العشيرة والقوم والحزب والمكون السياسي ، أخذ المشورة من سلمان الفارسي وأحب صهيب الرومي ، من مبادىء رسالته ، لا فرق بين عربي وأعجمي الا بالتقوى ، لم يحصر المراكز القيادية في الدولة وفي الجيش وفي الادارة في بني هاشم أو في قريش ،، لم يتخذ برنامجا سياسياً أو فكراً متفرداً ليحكم به ويوزع مناصب الدولة من خلاله .

طبعاً انا هنا لا أقصد الاخوان المسلمين ولكن كل اتجاه سياسي في عالمنا يحاول أن ينأى بالحكم والقيادة بما يتلائم مع برامج حزبه ومكونه السياسي ، سواء كان ذلك الحزب أو الاتجاه اسلامياً أو قومياً او وطنيا او يسارياً او علمانياً .

برأيي أن الدين والسياسه لا يتوافقان اذا انحرفت السياسه عن مقاصد الدين في التشريع وسن القوانين وإدارة الدولة .

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان زعيماً دينياً وكان سياسياً بارعاً ولكن ضمن إطار شرعي بما أوحى له الله به ، وبالتالي كانت السياسه والدين متلازمان ولا ينفصلان لأنهما كانا في إطار منهج واحد ، ألا وهو منهج التشريع الالهي .

برأيي المتواضع أن الدين والسياسه في عصرنا هذا لا يتفقان ولا يلتقيان ،، فالدين قائم على اسس شرعية بما جاء في القران الكريم بالنص وهذا لا يجوز الاجتمهاد به ، وبما جاء في السنة النبوية الشريفه من تحديد لأسس ادارة الدولة وقيادة المجتمع ، إما تفسيراً لعناوين عامه جاءت في القرآن الكريم ،، أو تشريع متوافق مع الاراده الربانيه بما يوحى اليه صلى الله عليه وسلم .

واعتقد انه لو أن المكونات السياسيه التي تضفي على نفسها الصفة الاسلاميه التزمت بما جاء في القران الكريم لما بحثت عن الوصول الى السلطة في هذا الزمن إلا اذا كانت تضمن قدرتها على تطبيق أوامر الله سبحانه وتعالى .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة 44
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْظالمون ) المائدة 45
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة 47

فهل يضمن أي اتجاه اسلامي أن يطبق تلك الآيات إن وصل الى سدة الحكم ... وهل يكون مستعداً لترك الحكم إن رأى عجزه عن تطبيق هذه الايات في هذا الزمن على أقل تقدير .



تعليقات القراء

احمد الازايده
لا يكلف الله نفسا الا وسعها
سددوا وقاربوا الحدود والاحكام نزلت للمجتمع المسلم ولم تنزل لمخلوقات ع المريخ ثم ليش تفترض عدم القدره لولا علمك وغيرك انهم سينجحوا لم توضع العراقيل امامهم حتى لا يصلوا وان وصلوا كما في حكومة 89 الا ايام معدوده ترى لماذا ؟؟
اظن كما يظهر بالصوره انك تعلم ثم انك على علم ان اول الاوليات في قانون انتخابات تحجيم الاسلام وابشرك انه قادم بوعده للمسلم ارجع الى قوله تعالى وان تولو ا فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين..
لماذا هذه الفرضيه ان العصر هذا لا يصلح فيه ؟؟؟ هل تعلم ان هذا طعن في دين الله
نعيب زماننا والعيب فينا ..
02-07-2013 05:09 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات