تركيا الى أين ؟؟


صعد حزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان لسدة الحكم عام 1996 بعد أن حقق تقدما ملحوظا في الأنتخابات بسبب تدهور مكانة الأحزاب العلمانية التي غرقت بالفساد بجوانبه الاقتصادية والسياسية .وكان الغرب وأمريكا يريان إستحالة وصول حزب الرفاه للسلطة لعدم قدرته على إيجاد حليف له من الأحزاب الموجودة، فعملت أمريكا على تشكيل حكومة من حزبي "الوطن الأم"و"الطريق الصحيح"للتصدي لحزب الرفاه ومنعه من الوصول للسلطة.إلا أن عدم الانسجام بين أعضاءالحكومة المشكلة , وظهور ملفات الفسادأدى إلى سقوط الحكومة, فغيرت المؤسسة العسكرية موقفها ولم تمانع في تولي حزب الرفاه بزعامة  أربكان الحكم، فأصبح لتركيا العلمانية بعد ثلاثة وسبعين عاما من تاريخ  الجمهورية التركية رئيس وزراء إسلامي، ورأت أمريكا أن مصالحها لن تتأثر بالحكم الجديد، لعدم قدرة تركيا التخلي عن التزاماتها تجاه الدول التي ترتبط معها بعلاقات اقتصادية وعسكرية قوية ، كما أن حزب الرفاه لايمكن أن يتخذ تشريعات إسلامية تتناقض مع الدستور التركي العلماني. وبرغم ذلك لم تثق  أمريكا بشخص أربكان فعملت على إجباره على الإستقالة ومنعه من العمل السياسي لمدة خمس سنوات بعد أن أدرك أن الحكم أصبح مستحيلا.


عملت أمريكا على إيجاد صيغة جديدة تحافظ من خلالها على والوضع  فوجدت في حزب "العدالة والتنمية"ضالتها، بعد أن انقلب على الأفكار والمبادىء التي كان يتبناها حزب الرفاه بزعامة أربكان،وتحَول الى أداة بيد الأمريكان لتنفيذ استراتيجيتهم في المنطقة. ورأت أمريكا النموذج التركي بزعامة أردوغان ما يمكن تعميمه والإقتداء به على الأحزاب الإسلامية بالمنطقة .


حاول أردوغان اسغلال عدد من القضايا الإسلامية ، وتقَرب كثيرا من دول المشرق العربي بعد أن أغلقت بوجهه كل الطرق للإنضمام في الإتحاد الأوروبي ، إلا أنه سرعان ما كشف حقيقته بأنه لايعدو تابعا ينفذ ما تمليه عليه أمريكا من أجندات تحقق مصالحها ومصالح حليفها الاستراتيجي في المنطقة " الكيان الصهيوني".


يدَعي أردوغان أن تركيا دولة علمانية إسلامية !! وأنه يمكن أن يدمج الإسلام بالعلمانية ، وهدفه هو اللعب على حبل العلمانية لدى الغرب ،وعلى حبل الإسلام لدى الدول الإسلامية! ولا يرى ضيرا من بناء علاقات استراتيجية عسكرية اقتصادية مع الكيان الصهيوني،والتقرب بنفس الوقت
من الأحزاب الإسلامية والمقاومة الإسلامية"حماس" !!.


إن سياسة أردوغان التي تعتمد المعايير المزدوجة في التعامل مع الأحداث،جاءت بردود سلبية عليه عند الشعب التركي الذي بدأانتفاضه شعبيه امتدت إلى المدن التركية مطالبه برحيله، والإنتهاء من حكمه الفردي المزاجي الذي خنق حريات المواطنين وضَيق على الأحزاب والمنظمات المعارضه لسياسته.


لقد أصبحت الإحتجاجات واسعة النطاق وانتشرت في أكثر من ستين مدينة تركية بسبب الأخطاء المتراكمة التي وقعت بها حكومة حزب "العدالة والتنمية"،ومنها تحَول الحكم إلى سلطة استبدادية، وطبعها بالطابع العثماني الطائفي،واعتقال آلاف الصحافيين ، وممارسة الشرطة للعنف المفرط،كل هذه الأسباب وغيرها أخذت تدفع إلى تنظيم الاحتجاجات ورفع مطالبها بتنحية رئيس الحكومة أردوغان.


إن الاحتجاجات والمسيرات الشعبية ستدفع بحزب العدالة والتنمية إلى الإنكفاء للداخل لمعالجة آثارها كما ستؤدي إلى ضعف دوره الخارجي بعكس ما كان عليه في المرحلة التي سبقت بداية الاحتجاجات.


إن ما يجري في تركيا يعتبر نقطة تحوَل لصالح القوى التركية المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب التركي الذي أسسه على أصول علمانية باني تركيا الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك"وستظهر نتائجها بوضوح أكثر في المراحل القادمة، كما إن الاقتصاد التركي سوف يتراجع،لأنه اقتصاد يعتمد على تدفق رؤوس الأموال الخارجية .


أما على الصعيد السياسي ،فقد استغلت قوى المعارضةانزلاق حزب العدالة والتنمية في الأزمة السورية مما أثر كثيرا على الوحدة الداخلية للمجتمع التركي الذي يتكون من عدة مذاهب وطوائف وقوميات،واعتبرت هذا الإنزلاق خطيئة سياسية كبيرة ارتكبها الحزب الحاكم.


إن تركيا ما قبل المسيرات والاحتجاجات هي غيرها بعدها، وسنرى تحولات  كبيرة في تركيا ستظهر نتائجها في الأنتخابات القادمة.


لقد أعلن أردوغان في بداية الأزمة السورية ،أن القيادة السورية فقدت شرعيتها لأن الشعب السوري خرج بمظاهرات تطالب بتنحية رئيسها!! فهل يستجيب أردوغان لنداءات الشعب التركي التي تطالب باستقالته لأنه فقد شرعيته؟








تعليقات القراء

mimi
صحيح كلام سعادة النائب انو سياسة تركيا المزدوجة والتي تكيل بمعيارين وعلى حسب الجهة التي يتعامل معها ولكن ارجو ان يعترف سعادة النائب بالجهود الجبارة لحزب العدالة والتي اتت بثمارها عند سداد كامل اقساط البنك الدولي وهذا دليل على نجاح سياسته الاقتصادية
12-06-2013 11:41 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات