دُعاةٌ على أبواب الفتنة !


يقول الله تعالى في كتابه العظيم : { لوْ خرجوا فيكُم ما زادوكُم إلّا خَبالاً ولَأوْضعوا خِلالكُم يَبْغونَكم الفتنةَ وفيكُم سمّاعونِ لهُم} ؛والخبالُ هو الفساد والنميمة والاختلاف والأراجيف .
قال الإمام الشوكاني في ( فتح القدير ) : والمعنى يطلبون لكم الفتنةَ في ذاتِ بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد ! .
أولئك هم المنافقون الذين يُسرعون الدخولَ في المسلمين سعْياً للتأثير في عقولهم وفكرهم ، ودعوتهم إلى مذاهبهم وأحزابهم وأهدافهم بما يُذيعونه بينهم من الأخبار المكذوبة أو المُحرّفة ، والمُهوَّلَة أو المُخوِّفَة ؛ فيحدث لهم من الضعف النّفسي ما قد يدفعهم للتهوّر والانهيار والتشاؤم ،وربما نقَمَ بعضُهم بعضاً وحصلَ الاختلاف والتلاوُم ،وذهب الائتلاف والتلاؤم ؛ فيكون للمنافقين ما يَبْغون من نزول الفتنة في أهل الإسلام وضياع التّسالُم .
أعظمُ ساحة اليوم لخروج المنافقين و أمثالُهم هي وسائل الإعلام – المرئية والمسموعة والمُباحة والممنوعة! – لِما يُعْرفُ من سَعة الاتصال العالية بالجمهور ،وسرعة الوصول إليهم؛ زيادةً على انتشار عددٍ كبيرٍ منها غير ذات اهتمامٍ بالحدّ الأدنى للقواعد الشرعيّة والأخلاقيّة التي ينبغي حُكْمُها الاعلامَ بين المسلمين ؛ فتكاثرت المنابر والزوايا لمن شاء أنْ يقول ما شاء - ولو جاهلٍ في الفتنة والنميمة مشّاء - ! .
إنّ شأنَ الكلمة عظيم ، وأثرها جسيم ، فإنْ صَدرت من المرء رُصِدت من الملائكة ؛ فإذا هيّجت الناس وأوقعت بينهم العداوة والبغضاء – وفيهم ضعاف العزم والإيمان،و الرعاع والغوغاء – نبتت الفتن في القلوب ، وادلهمت الخطوب ؛ رحم الله من قال : الخروج بالكلمة أشد من الخروج بالسلاح ، واستغلال وسائل الإعلام والاتصال للتنفير والتحميس والتشديد يربي الفتنة في القلوب .
وأيّ قضيّة أو حادثة تمسّ المسلمين يجب فيها – وجوباً بيّناً – الرجوع للعارفين من العلماء ؛ وإلا صار الأمرُ خَبْطَ عشواء ،وفتنة دهماء .. ؛ فالنار أولها شرارٌ ثم تكون جحيماً ، والفتنة مبدؤها الكلام .
فإن كان الكلامُ من الجهلة أو المبتدئين في العلم عظمُ الشرُّ وطمَّ ،وانتشر الرّدى وعمَّ ؛ قال عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه - : " لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ومن أكابرهم ، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا" .
فكيف إذا تصدّر للكلام في أمر عامة المسلمين من ضلَّ سبيلهم واتّبع هواه ، { وكانَ أمرُهُ فُرُطاً } ، أو مَن تعصّب لحزبه وجماعته : ،يعادي من خالفهم وإن كان محقّاً ، ويوالي من وافقهم وإن كان على الباطل- زوراً وتخبّطاً - !.
والعجب اليوم أنهم – لمّا فقدوا العلم – صاروا كحال المنافقين ؛ يختلقون القصص ويدقّون الأسافين ، ويحوّرون الأخبار والعناوين؛ في سبيل اثارة الناس ،وحتى تحريضهم على بغض حكامهم واستفزازهم للخروج ضدهم ؛ ولو كانت قصصهم وأخبارهم صحيحة سليمة لم يُحسنوا الموازنة بين المصالح والمفاسد ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :" كفى بالمرءِ إثماً أنْ يُحدّثَ بكل ما سمِع " .
قال الشيخ عبد المالك الجزائري في كتابه ( مدارك النظر في السياسة ) : " وفي الصحيحين أن أبا هريرة كره التحديث بحديث الجِرابين الذي فيه تنقّص بعضِ الحكام لظهور بوادر الخروج عليهم في وقته مع تفشي الجهل ؛ وكان يقول : لو شئتم لسمّيتُهم ..
قال الحافظ : ولهذا كره أحمد التحديث ببعض دون بعض الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ..
فتأمل تصرف هؤلاء الحكماء من الفقهاء ، وقارن بينه وبين متناقضي زماننا "
قلت : واعرضوا عليه ما تبثّه بعض وسائل الإعلام الحزبيّة والمعارضة – في وطنها الأردن!- من مقالاتِ التهييج وأخبار التأجيج التي لا ترْقُبُ فينا أمناً ولا استقراراً ، ولا تُغني عنا من الصلاح شيئاً ؛ بل تحرّش بين الإخوان ، وتحرّض على بغض الأوطان .. وتابعوا – إنْ شئتم – عجيبَ التعليقات على مقالاتهم وأخبارهم في الوسائل الإعلاميّة الإلكترونيّة والفضائية التابعة لهم، وما تمتلئ به من السباب والشتم والقذف ، وتجاوز للأحكام الشرعيّة وأصول العقيدة ، وتطاول على العلماء والسّنة ..
فلمصلحة من هذا وذاك ؟
سيقولون لك : حرية الإعلام والرأي والفكر، ومحاربة الفساد .. !
فنقول : قد غلِطَ الكثيرون حول التطبيقات الشرعيّة لهذه المفاهيم في بلاد الإسلام ؛ فإذا سلّموا بكونها غير مطلقة ، وأنها مقيّدة بالقواعد والأصول الفقهيّة ؛ لم يسْلَموا من إهمال قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد ؛ وهذا الإشكال عندهم وإلّا ..
أيّ حرية رأي تلك التي باسمها – وسمّها – تذيع خبراً ، أو تنشر مقالاً ، أو تعرض تعليقاً لا يترتب عليه أدنى مصلحة في دين المسلمين ودنياهم ؛ وأغضّ الطرْف عن المفاسد الراجح حدوثُها جرّاء ما تتضمنه تلك المقالات والأخبار من إثارة العوام والشخوص ، وتحْمِيَة القلوب والنفوس ..
وأيّ حريّة إعلام هذه التي تُعطيك حقّ نشر الرذائل عن الوطن تِباعاً وتتبّعاً بعد اجراء عملية متقنة من التضخيم والتهويل على بناء الخبر ، وأن تمرّ على الفضائل مرور الزاهدين الكارهين المُكذّبين ..
وأمّا دعوى محاربة الفساد فليس نهجُ التهييج وفتح أبواب الفتنة ودعوة الناس إليها هو ( السبيل! ) لو كانوا يعلمون ؛ فما كان الرفق والعلم والعدل والإنصاف في أمر إلا زانَه ونفعنا اللهُ به ، وما كان العنفُ والجهلُ والظلم و الارجاف في منهج إلا شانه وعوقبنا بسببه .
إنّ الإصلاح وتلاشي الفساد لهو محلّ اتفاق بين المخلصين لدينهم وأوطانهم ،وهما مُنيةُ الصادقين من أبناء الأمة ؛ لكنّ الفُطناء منهم يعلمون – يقيناً - أنّ الفتنة أشدّ وطأةً على العباد والبلاد مما يتحدّث عنه أولئك المهيّجين من قضايا الفساد .
المحطات الفضائيّة والمواقع الإخباريّة والصحف الإلكترونيّة السائرةُ في هذا الرّكب برجالها وبرامجها ومقولاتها ومقالاتها ؛ لا تلتفت إلى الضوابط الشرعيّة المؤصلة لإذاعة الأخبار و التحليلات ، والآراء والتعليلات والتعليقات في كثير من أمورها الاعلاميّة ؛وصرنا نرى نزعتهم لكل ما يستثير الناس ويُفزّعهم وقد أصبحت آفة تنخر في جسد الأمة المنهك أصلاً .
يقول الله – تعالى – في كتابه العزيز : { وإذا جاءهُمْ أمْرٌ مِنَ الأمْنِ أو الخَوْف أذَاعُوا بِهِ ولَوْ ردُّوهُ إلى الرَّسول وإلى أُولي الأَمْرِ منهُم لَعَلِمَهُ الذينَ يَسْتنْبِطُونهُ منهُم ولوْلا فضْلُ اللَّه عليكُم ورَحمتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيطانَ إلا قليلاً } ؛ قال الإمام السّعدي في تفسيره : " هذا تأديب من الله لعباده ، عن فعلهم هذا ،غير اللائق [ أي : إذاعة الأخبار ] ، وأنه ينبغي لهم ، إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة ، والمصالح العامة ، ما يتعلق بالأمن ، وسرور المؤمنين ، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ؛ بل يردونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلى أولي الأمر منهم ، أهل الرأي ، والعلم والنصح ، والعقل ، والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدّها .
فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين ، وسروراً لهم ، وتحرّزاً من أعدائهم ، فعلوا ذلك ؛ وإن رأوا ليس فيه مصلحة - أو فيه مصلحة ؛ ولكن مضرته تزيد على مصلحته - لم يذيعوه " .
فما تقولون بالمحطات والمواقع التي لا تنفكّ – لا في ليلٍ أو نهارٍ – عن تزييت محرّكات الفتن لتقويتها !، وتزيين محكّها والمَحكي فيها ولو من وسائل الإعلام الغربيّة أو العربيّة اسماً .. !؛ وما ظنّكم بأصحاب المقالات المحمومة التي تُمطرنا كلّ يومٍ بدعواتٍ ظاهرها بحثٌ في فساد الحكومات والاعتراض ، وباطنها حثّ للناس على الخروج والمظاهرات والإضرابات والانتفاض! ؛ ورأينا مَن همّه الإنكار على وليّ الأمر والأجهزة الأمنيّة ،والتشهير بالأخطاء واختلاق العيوب ؛بغير علم ولا هدى ولا حُسْن نظرٍ في العواقب ! .
هؤلاء هم دُعاةٌ على أبواب الفتنة بما يُذيعون وينشرون ؛و وطننا الأردن لا تنقصه المصائب والمحن ، والعنفُ قد بلغ فينا مبْلغَ سقطة السيف في العجين الليّن ؛ فلا أقلّ من أنْ يهتدوا ويَهْدوا وينقدوا بكلمة طيبة فهي { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإذْنِ رَبِّهَا } ؛ وينفوا ( الكلمة الخبيثة ! ) فإنها لا تأتي إلا بالشرّ المستطير ،و ما لها من قرار في نفوس المؤمنين ولا تقدير؛ ثمّ لتكن أعمالنا وأقوالنا خالصة لله العلي القدير ؛ لا نتّبع فيها الهوى أو يُطْلَب بها من الدنيا ثمنٌ حقير ؛ فنخسر الدنيا والآخرة ..
لا خَيْرَ في الدُّنْيا لِمَن لَم يَكُن لَهُ مِنَ اللَّهِ في دارِ القرَارِ نَصيبُ
" إنّ القلوب ضعيفة والشّبُهات خطّافة " ، ونشْرُ (مقالات الفتنة ! ) اليوم آفة وأيّ آفة!
فطوبى لمن اتقى الله في المسلمين وأنصف ، ورفِق بهم وتلطّف..
وويلٌ لمن ابتغى فيهم الفتنة وتعسّف !
لن ينفعه يوم القيامة ولو تندّم هناك أو تأسّف ! .



تعليقات القراء

ابو ليث
وقد استطاع الاعلام الكاذب المدبلج بزرع الفتن الطائفيه وتحويل الصراع من عربي اسرائيلي الى صراع سني شيعي
02-06-2013 06:26 PM
ابو العبد العقباوي
يا ليت قومي يعلمون ..
جزاك الله خيرا فضيلة الشيخ
03-06-2013 08:39 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات