بانتظار الارنبة البيضاء


كنت في صغري مشغوف بتربية الارانب. وقد تكاثرت عندي بشكل كبير. وكان من امتع الاوقات ان اجلس وباقي افراد العائلة ننتظر خروج فوج جديد من الارانب . ونمضي الوقت نعد افراده . وهي مهمة صعبة لدخول الارينبات (تصغير ارنبات) وخروجها السريع من الجحر. وكنا نغير التقارير بسرعة فالعدد قد يبدأ باثنين وينتهي بستة. ثم يعود لأربعة بعد ان يتبين اننا عددنا اثنين منها مرتين. ثم تناقصت الارانب عندي لتسلط القطط عليها حتى لم يبق منها إلا واحدة. كانت ارنبة بيضاء خالصة البياض ناصعته. وكنت آمل ان تكون حاملا وتملأ الحوش أرانب ثانية. ولكن ما حدث هو العكس تماما فقد اختفت الارنبة ولم اعثر لها على اثر. لم اجرؤ ان اصدق ان قطا اكلها. فهي كل ما املك من متاع الارانب ومتعتها . كما انها من كبر الحجم ما يستبعد ان يحتال عليها قط مهما كبر. قلت في نفسي لا بد انها خرجت من الحوش ودخلت في أحدى المغائر المجاورة ووجدت المكان انسب لها وتمثلت قول ميسون الكلبية
لبيت تخفق الارياح فيه – احب الي من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني - احب الي من لبس الشفوف
وقلت لا بد ان تعود يوما ومعها رتل من الارانب من مختلف الاعمار والألوان ولن تهون عليها العشرة .وقد تكون سمعت ان ميسون الكلبية قد ندمت على ما فعلت . وبمناسبة قصة ميسون الكلبية يقال ان رجلا ثريا سيدا في قومه تزوج من اعرابية وبذل لها كل ما لدية من رفاهية . الا انه سمعها في يوم من الايام تقول : يا مَحْلى عيشة هَلي : بعد العشا تِخْشَتَّه. فسألها زوجها وما التخشنة يا هذه ؟ فقالت هو شعير نقليه وننعثه على الارض وننبطح على بطوننا ننقب منه ونأكل. فقال زوجها لن احرمك من تخشنة اهلك فطلقها وألحقها بأهلها, كما فعل معاوية بن ابي سفيان بميسون الكلبية.
اذن كنت آمل ان تعود الارنبة سالمة غانمة بأسرتها الممتدة . وطال انتظاري ذلك وكبرت وعلمت انها لنتعود. وتمثلت قول بدر شاكر السياب محرفا له: هي لن تعود - أو ما علمت بأنها فتكت بها قطط المغار. هي لن تعود. فلترحن – رحل النهار.
تبينت عندما كبرت ان حلم الارنبة البيضاء ليس خاصا بي بل هو حلم كل الحالمين بالفرج وان لم يعرفوا كيف و اين ومن ومدى منطقية ذلك الحلم. بل تبينت ان الارنبة الحقيقية التي اختفت ربما لم تكن بيضاء تماما . لا بل ربما لم تكن حملا ولا حتى انثى . جاء الفرج بأشكال كثيرة متنوعة كانت الارنبة البيضاء ,بالنسبة لما تحقق لي بفضل الله من آمال, هي الاقل والأدنى . ومع ذلك كانت زادا طيبا في رحلة الانتظار. وقامت بدورها خير قيام .انها جودو الذي انتظره ابطال سامويل بكت في مسرحيته العبثية "بانتظار جودو". جودو لم يأتي في المسرحية ولكن الارنبة اتت وباشكال متنوعة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات