دستورية التعديل الوزاري بعد الثقة !!


تشهد الدولة الأردنية ومنذ إعادة انتخاب مجلس النواب السابع عشر حالة من عدم الاستقرار السياسي والدستوري في مجلس الوزراء الذي تم تشكيله بعد مشاورات مضنية مع أعضاء مجلس النواب وكتله النيابية لاختيار شخص رئيسه الدكتور عبد الله النسور والوزراء الأعضاء فيه. وقد اختلفت الآراء في توصيف تلك المشاورات النيابية، حيث اعتبرها البعض صورية وشكلية، في حين وصفها البعض الآخر أنها واقعية تعكس بدايات مرحلة جديدة في تشكيل الحكومات في الأردن.

وقد كان بإمكان تجربة المشاورات النيابية أن تمر بكل سهولة ويسر لولا المواقف المتشددة التي اتخذها النسور من أعضاء فريقه الوزاري والذي يقال إنه قد استفرد في اختيارهم وانتقائهم على هواه الشخصي، دون تدخل أية مرجعيات عليا في الدولة. فلم تكن تمضي دقائق على أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمام جلالة الملك حتى أطلق النسور تصريحات مثيرة للجدل أمام وسائل الإعلام مفادها رغبته في إجراء تعديل وزاري على حكومته بعد حصوله على ثقة مجلس النواب على البيان الوزاري، وهو الأمر الذي أعاد التأكيد عليه مرارا وتكرارا مصرحا بأنه سيستأذن جلالة الملك بإجراء تعديل وزاري على حكومته لصالح إشراك السادة النواب كأعضاء في مجلس الوزراء وذلك فور عودة جلالته من زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وعندما عاد جلالة الملك أغلق ملف توزير النواب في وجه رئيس الوزراء داعيا النواب إلى الالتفات إلى مأسسة العمل النيابي في هذه المرحلة بدلا من الزج بهم في معترك السلطة التنفيذية. ومع ذلك فقد استمرت التصريحات الرسمية بقرب إجراء تعديل وزاري على الحكومة الحالية، وهو ما يثير تكهنات عديدة حول دستورية ذلك الإجراء خاصة وأن الحكومة قد خرجت لتوها من استحقاق الثقة على بيانها الوزاري.

لقد جاء الدستور الأردني خاليا من أي قيود أو ضوابط تتعلق بوقت إجراء التعديل الوزاري وآليته وذلك بصريح المادة (35) منه والتي تعطي الملك الحق المطلق في اختيار رئيس الوزراء والوزراء وقبول استقالتهم وإقالتهم وذلك بناء على تنسيب رئيس الوزراء. ومع ذلك فإن المنطق الدستوري يقضي بضرورة قراءة النصوص الدستورية معا كوحدة واحدة بغية التوصل إلى ما حقيقة ما قصده المشرع الدستوري من وراء الأحكام الخاصة التي أوردها ذات الصلة بتأليف الحكومات وتعديلها في الأردن. فقد ألزمت الفقرة الثالثة من المادة (53) من الدستور كل وزارة جديدة تؤلف أن تتقدم ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب خلال شهر واحد من تاريخ تأليفها إذا كان منعقدا وأن تطلب الثقة على ذلك البيان، وهو الإجراء الذي تقيدت به حكومة النسور الحالية حيث تقدمت ببيانها الوزاري وفق الأصول الدستورية، وحصلت بموجبه على ثقة ما مجموعه (82) نائبا من أعضاء مجلس النواب.

أما عن الأسباب التي دفعت أولئك النواب للتصويت على البيان الوزاري لحكومة النسور فهي متعددة، أهمها الثقة بشخص رئيس الوزراء وأعضاء فريقه الوزاري وقدرتهم على ترجمة ما جاء في البيان الوزاري من برامج ووعود على أرض الواقع. فرغم الجدلية التي أثيرت حول تشكيل الحكومة الحالية بأنها جاءت رشيقة ومنزوعة الدسم، إلا أنها تضم بين صفوفها وزراء مشهودا لهم بالخبرة والمعرفة القانونية والسياسية والاقتصادية والذين رأى النواب فيهم بريق أمل في المضي قدما في تنفيذ ما جاء في البيان الوزاري، فقاموا وعلى ذلك الأساس بالتصويت لصالح الثقة بالحكومة.

وعليه، فإن قيام رئيس الوزراء النسور بإجراء تعديل على حكومته بعد أيام قليلة من خروجها من امتحان الثقة يشكل مظهرا من مظاهر التحايل الدستوري على أحكام الثقة بالبيان الوزاري، والتفافا على أحكام المادة (53) من الدستور من شأنه أن يفقد عملية التصويت على الثقة شرعيتها الدستورية. فالنواب قد صوتوا على الثقة بحكومة في طريقها إلى التعديل، وأن نتيجة الثقة كانت ستتغير سلبا أو إيجابا لو أن التصويت قد تأخر بعد التعديل الوزاري، ذلك أن هناك العديد من السادة النواب كانوا سيمنحون الثقة للحكومة في حال انضمام وزير معين إليها، أو سيحجبون عنها الثقة بسبب خروج أحد الوزراء منها.

لذا، فقد كان الأجدر برئيس الوزراء أن يقر بالأخطاء التي رافقت عملية إخراج حكومته الحالية إلى قيد الحياة، وأن يجري تعديلا وزاريا عليها قبل الخوض في استحقاق الثقة وذلك لإضفاء الدستورية الكاملة على بيانه الوزاري وعلى عملية تصويت النواب عليه والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بشخص أعضاء الفريق الوزاري. وهذا ما سبق أن قام به رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عدنان بدران الذي أجرى تعديلا وزاريا على حكومته بتاريخ 3 / 7 / 2005 قبل خوض معركة الثقة مع مجلس النواب بتاريخ 17 / 7 / 2005. أما أن ينتظر الرئيس النسور الحصول على ثقة مجلس النواب على بيانه الوزاري وقبل أن تجف أقلام المتابعين والمحللين السياسيين لما حصل داخل أروقة المجلس يبدأ العمل على إجراء تعديل وزاري يقال إنه سيكون موسعا، فإن ذلك يعد إفراغا دستوريا للثقة التي حصل عليها من السادة النواب، خاصة وأن الدستور الأردني لا يلزم الحكومة بعد التعديل أن تقدم بيانا وزاريا معدلا إلى مجلس النواب.

وردا على أولئك الذين يرون أن ما يتضمنه البيان الوزاري من برامج وأهداف تكون دائما مرتبطة بالسياسة العامة للدولة وأنها يجب أن تطبق بغض النظر عن أشخاص الوزراء في الحكومة، فإننا نبدي أن شخص الوزير دائما ما يكون محل اعتبار على الأقل عند أعضاء مجلس النواب والرأي العام. فهناك العديد من الوجوه التي يرغب المواطن الأردني أن يراها وبشكل دائم في مجلس الوزراء، في حين أن هناك العديد منهم تثير حفيظته عند اختيارها في مجلس الوزراء، مما يلقي بظلاله على مجريات الثقة على البيان الوزاري والتصويت عليه من قبل ممثلي الشعب.

وعلى الفرض الساقط بصحة القول السابق إن أشخاص الوزراء ليست محل اعتبار، فإن الاستعجال الذي يبديه النسور في إجراء تعديل وزاري على حكومته من شأنه أن يحرم الوزراء الحاليين من حقهم في إثبات وجودهم وقدرتهم على تنفيذ ما جاء في البيان الوزاري كونهم لم يعطوا الفرصة الكافية كأعضاء في السلطة التنفيذية.

خلاصة القول إن شائعات التعديل الوزاري التي رافقت حكومة النسور منذ تأليفها تؤثر سلبا على قدرة الحكومة على أداء واجباتها الدستورية المتمثلة في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، كما يمتد أثرها السلبي ليشمل التأثير على مهام السلطة التشريعية في التشريع وإصدار القوانين اللازمة لاستكمال عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي، وفي الرقابة على أعمال الوزراء الذين لم يتم تثبيتهم بعد في السلطة التنفيذية.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

l.nasrawen@alarabalyawm.net



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات