الصراع في المجتمع البشري


عبر التاريخ البشرى كان الصراع تجربة إنسانية ملازمة، اتخذت بين الحوار والتنازع وبين الإعمار والدمار صوراً مختلفة. فرغم أن الإنسان في تطور وتغير مستمر من الناحية الفكرية والمعرفية إلا أن الجانب الثابت فيه هو قدرته على التنازع والتدمير. وهذه خاصية في الإنسان، رغم مخاطرها الظاهرية، يبدو أن ثمة حكمة إلهية جليلة تكمن فيها. إذ أن القرآن بيّن لنا أن النفس الإنسانية مفطورة على الفُجُور والَتَقْوى، وهي السمة التي لولاها لصار الإنسان مَلَكاً كريماً ولكن جعل الله تعالى مهمة تكييف تلك النفس وتهذيبها للإنسان لتتخذ موقعها بإرادته لا بالجبر والإكراه.إذ قال تعالى :(وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)(10)، وقوله تعالى ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) (11).

وهذه المجاهدة التهذيبية -التنظيمية المستمرة هي التي تعكس رسالة الإنسان في الحياة وتبيّن طبيعة الصراع الإنساني في أصوله التي بها تتحرك عجلة التاريخ وبها تقوم الحضارة والعمران. فكيف يكون الحال إذا رغب كل إنسان عن أسباب التنازع في الحياة، معرضاً عن التنافس في متاعها والسعي لتعمير الأرض فيها، كالرهبان في الأديرة ؟ هذه الخلفية للتدافع والتنازع هي التي دفعت بعض الباحثين إلي الميل نحو إثبات وظائف إيجابية للتدافع في إطار المجتمع البشري. من أهمها: إنه يدفع المجتمعات والدول إلى إعادة تقييم رسالتها وأهدافها. ومنها إنه يدفع إلى التغيير الاجتماعي من أجل إزالة الظلم وتحقيق العدل والسلم(12).

طبيعة الصراع من المنظور القرآني:

في إطار تنظيم الوجود الاجتماعي للإنسان وتحديد معالم لمجتمع الاستخلاف، بيّن القرآن الكريم بعبارات واضحة وبشكل دقيق صور التفاعل الاجتماعي في المجتمع البشري في سائر أوضاعه وفي جميع مستوياته المحلي والدولي. فالقرآن يستخدم مصطلح (التنازع) للتعبير عن التفاعل الاجتماعي بين البشر في صورة صراع مادي، وهو الأمر الذي لا يجوز حدوثه، ، بين مَنْ تربطهم عروة الإيمان أو أبناء الوطن والإقليم الواحد نظراً لمآلاته الخطيرة. قال تعالى:(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(13) فالتنازع، وفق المنطوق القرآني ليس قرين الضعف والفشل فحسب، وإنما يؤدي إلى فقدان الهوية وضياع الكيان الذاتي للجماعة، وفي هذا يستخدم القرآن مصطلحاً جامع لكل صور التفاعل الاجتماعي، وهو لفظ (التدافع) الذي يعبّر عن المشيئة الإلهية وسنته العامة في المجتمع والتي بها تتحرك عجلة التاريخ وتتحقق حركة الأمم الحضارية نهوضاً أو وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين).

غاية التدافع إذن في نظر القرآن هي صلاح الأرض- ليس بإظهار الحق ودحض الباطل فحسب وإنما أيضاً بالسعي فيها بالتعمير واستخراج كنوزها وخيراتها،فهو ابتلاء الإنسان لأن يتدافع على مستوى التفاعل الثقافي والاجتماعي بكل صوره. ومن هنا نفهم المنهج الفريد للقرآن الكريم في تنظيم التدافع في المجتمع البشري. وذلك بتقرير المساواة والتكافؤ بين الجنس البشري في الإنسانية، وباستيفاء الحاجات الضرورية للإنسان بصورة مرضية. فهو يتدرج في هذه المسألة، فيضع مبدأ الإيثار والتطوع في قاعدة التفاعل الاجتماعي، ثم يزيل الأحقاد وأسباب التباغض والحقد الطبقي بالتوزيع العادل للثروة وجعل جزء من مال الأغنياء حق واجب للفقراء لامنة فيه ولاصدقة . ثم إحاطة كل ذلك بضمان حفظ الحاجات الضرورية: النفس والدين والعقل والمال والنسب، ورعاية الأمور الحاجية وجعل عنصر (الرضا) هو أساس التعامل في المعاملات والتفاعل الاجتماعي، أما الأمور التحسينية فمباح ومجال للتنافس المطلوب بين سائر الناس.

واليوم تشهد الإنسانية زمن الألفية الثالثة تجاذب اتجاهين متناقضين في الرؤية الاستشرافية المستقبلية لآفاق الحضارة والإنسان محور الكون .

الاتجاه الأول يقوم على أساس الصراع وحتمية الصدام والتناحر بين الحضارات وأتباع الأديان والمذاهب ، ويرفض الإيمان بمبدأ التعايش واحترام التعددية والاختلاف بين الشعوب والأجناس والأعراق والثقافات والعادات. وهذا الطرح يزكيه ويلتحم حول مضامينه المتعصبون والمتطرفون والمتشددون باختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية، وبتلون اتجاهاتهم الفكرية والسياسية في العالم .

واتجاه ثاني : يؤسس مقولته على مفهوم التكامل والتعايش والتقريب وجعل المبادئ والقيم الدينية المشتركة بين الشعوب والأمم أساسا للتقارب والتعارف الإنساني، وهذا الاتجاه يتبناه المصلحون والحكماء والمؤمنون بالعدالة من كل الاتجاهات المذهبية والفكرية والسياسية ويتفقون على ضرورة الحفاظ على النتاج الحضاري الإنساني المكتسب تاريخيا ،مؤكدين على أن دائرة الخلاف بين أهل الدين الواحد ليست ثراء وتنوع وحرية ومجال حوار وجدل معرفي واستدلالي ، ما لم يتحول للعدوان والمصادرة والإلغاء وترويع سلامة الآمنيين .

والإسلام رفض مقولة الصراع المسوقة عالميا سبيلا لحل التناقضات والخلافات التي تحدث بين فرقاء التعددية، وذلك لأن غاية الصراع ومآله إلى نفي وإلغاء الآخر وبالتالي نفي وإلغاء التعددية واحترام الخصوصيات الثقافية للأمم ،واصل عوض الصراع لمفهوم التدافع والجدال بالتي هي أحسن.
قال تعالى: ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(14) والتدافع الذي يأمر به القرآن لا يلغي المختلف أو الآخر وإنما يسعى إلى ترشيده من موقع الخطأ إلى صوابية التوجه والسداد في تحقيق النجاح الدنيوي والأخروي.
وبالإضافة إلى التدافع ركز الإسلام على مفهوم التنافس فقال : (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)(15) . وحث على الإقبال بالمسارعة والتسابق إلى الخيرات : (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(16) (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(17).

ومفاهيم التدافع والتنافس والتسابق والمسارعة تبني المجتمعات ولا تهدمها ،تحفز على المشاركة الحضارية العالمية والإنسانية ولا تلغيها ،تجمع بين أفراد الأمة ولا تفرقهم،توحدهم ولا تشتتهم، وذلك لأنها تعتمد على أسس منهجية تنبني بتنوع وتعدد المشاريع والأعمال والأفكار - ضمن دائرة الدين والمجتمع والحضارة – فالتطلعات والأهداف مهما كانت مبرمجة في عقل الإنسان فإنه لا يستطيع إنجازها بمفرده دون تكامل وتنافس وتدافع وتعاون مع الآخرين.

ولعل التاريخ الإسلامي المشترك يفند لتطبيقات عملية وواقعية لمفاهيم التدافع والمسارعة والمنافسة في إطار المقومات الدينية والثقافية الواحدة التي تحافظ ولازالت على وحدة الأمة ضد مخاطر التجزئة والفرقة والتفتيت. فالفرق الإسلامية منتشرة في كل مكان، سنة وشيعة وإباضية ودرزية بل وأحمدية في أفريقيا وبهائية في الغرب، وإمامية وإسماعيلية في آسيا وفي الغرب. والمذاهب الفقهية واحدة منتشرة في كل ربوع الأمة المالكية في المغرب العربي، والشافعية في مصر، والحنفية في العراق والشام وتركيا وأواسط آسيا، والحنبلية في شبه الجزيرة العربية في الصيغة الوهابية، وفي السودان مع المهدية. وحكماء الإسلام عرب وعجم. الكندي عربي، والفارابي تركي، وابن سينا والرازي من فارس "لو كان العلم في الثريا لناله رجال من أهل فارس".

والتصوف والطرق الصوفية وحدت الأمة بين مصر والمغرب مثل أبي العباس المرسي، والسيد البدوي، وبين مصر والشام مثل عبد الغني النابلسي، وبين تركيا وأواسط آسيا مثل النقشبندي، وبين إيران والغرب في المولوية، وبين السودان وأفريقيا في التيجانية والميرغنية والمهدية. حلقات الذكر منتشرة في كل مكان توحد روح الأمة بعد تفتيت أوطانها واحتلال أراضيها وعجز شعوبها. والعلوم النقلية، القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه ثقافة دينية عالمة وشعبية في كل مكتبات الأمة ومساجدها وبرامج تعليمها ونشرها وتجديدها. بل إن العلوم العقلية والطبيعية الخالصة مازالت فخر الأمة، الرازي والخوارزمي وابن حيان من فارس، والحسن بن الهيثم من مصر، والغافقي من الأندلس، وأولوغ بك صاحب المراصد من سمرقند. والطب والصيدلة للرازي وابن سينا وابن رشد وابن البيطار يوحد علم الأمة. وكلما اشتد التمزق على الأرض وعظم التفتيت استدعت الأمة وحدة ثقافتها وعلومها وإبداعها التاريخي المشترك.

‌الإعلام ودوره في تدعيم الوحدة :

إن للإعلام دوراً أساسيا في استثمار القضايا تجاه تحقيق الأهداف الشرعية في المجتمعات ودعم سبل التعاون الثنائي بين دول وشعوب العالم الإسلامي ثقافياً واقتصادياً وسياسياً، وكذلك المساهمة في حل المشكلات الطارئة في هذه الأشكال الوحدوية والسعي إلى اكتمالها بنقل التجارب الناجحة وتسويق منتجاتها بين شعوبها. وبعرض تجارب التكتلات في العالم ونتائجها الإيجابية كالوحدة الأوربية أو منظمة الآسيان أو غيرها من التجارب الناجحة كي تكون أنموذجاً تسعى الأمة لتكوين وحدة مشابهة له ولو مرحلياً. ومن أهم الأدوار التي يمكن أن يلعبها الإعلام دعم أشكال الوحدة القائمة في الأمة واستثمار إيجابياتها ومعالجة سلبياتها بحنكة ومن ذلك: منظمة المؤتمر الإسلامي، جامعة الدول العربية، رابطة العالم الإسلامي، مجلس التعاون الخليجي والإتحاد المغاربي، ودعم سبل التعاون الثنائي بين المنظمات المهنية كاتحاد الكتاب والمحامين والأطباء العرب والمسلمين واتحاد الطلاب والنساء والعمال واتحاد مؤسسات المجتمع المدني العربي والإسلامي ، فهذه كلها أشكال وحدوية تقع على طريق الوحدة الإسلامية الشاملة، مطلوب الحفاظ عليها ودعمها والارتقاء بها نحو وحدات أشمل.

وبذلك يطالب الخطاب الإعلامي الإسلامي بالعودة إلى التوازن والواقعية والعقلانية والمرونة، تحقيقا لمقاصد وغايات الوحدة ،وذلك بمراعاة المصالح العامة على الخاصة واعتماد مقاصد العالمية الإسلامية التي ترفض منهج الغلو والتعصب، و تركز على النظرة الاجتماعية وتحترم الخصوصيات الثقافية والتعددية للشعوب والمجتمعات بحثا عن القيم والمصالح المشتركة والتعاون على تحقيقها نصرة لأهداف الأمة وقضاياها المصيرية .
وفي هذا السياق يمكن للإعلام إذا اعتمد مقاصد العالمية الإسلامية أن يساهم بقوة في معالجة المشكلات والتحديات التي تحول دون تحقيق الوحدة بين مجتمعات العالم الإسلامي ،وذلك بتدليل بعض المعوقات الأساسية في تغيير المواقف والتحفيز على الإرادة العملية والقدرة الإنجازية للشعوب والتي من ضمنها :
- دور الإعلام في المشاحنات السياسية التي تؤثر على علاقات الشعوب.
- التحيز في استضافة الوجوه فلا يستضاف إلا من هو خالص الولاء لهذه الوسيلة أو تلك . وقد يكون تخصيص إعلام لمؤسسة أو منظمة أمر معتاد لا لوم فيه إذ لا يمكن توقع إعلام محايد لا تؤثر فيه توجهات المؤسسات المالكة والمنفقة ولكن الإشكال أن يُدّعى أنها لعموم المسلمين في العالم وهي لا تعدو تتحدث عن تكتلات ومنابر تناصرهم بحق أوباطل.
- السخرية من بعض الشعوب إما بنعتها بالجهل أو الغرور أو الغباء أو الكذب أو الكسل مما يرسخ العداوات.
- التدقيق في نقل وعرض المعلومة بمصداقية والابتعاد عن التزايد الإعلامي الذي يؤدي للفرقة والصدام.
- المسابقات الرياضية.. ودور الإعلام السيئ في إشعال فتيل الخصومات والعداوات بين أبناء الأمة الذين يجتمعون على وحدة العقيدة والنبوة والصلاة والصيام والزكاة والحج .
إن الإثارة الإعلامية والسعي وراء تحقيق التميز جعل الاهتمام ينصب على 10% من الخلافات ويغيب الحديث عن 90 % من المشترك الديني والثقافي والجغرافي والسياسي والاقتصادي والحضاري لأمتنا، وهذا التغييب للأسف جعل الأمة تظهر وكأن الأصل فيها الخلاف.

ومن ثم لا بد أن يكون الإعلام الإسلامي مؤسسة ثقافية متكاملة تبني الشخصية الثقافية للمشاهد، وتبلور فكره، وتعمق قدراته الذهنية والفنية والعلمية وتطورها من خلال الفكر الجيد، والحوار الموضوعي والتربوي، وذلك من خلال ما يبثه عبر شاشاته وقنواته لجميع أفراد المجتمع الكبير والصغير، الشاب والشابة، الزوج والزوجة، عبر البرامج الهادفة البناءة التي تشكل الوعي الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي من خلاله.

لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه وبحدة في إطار الواقع الحقيقي لإعلامنا في المجتمعات العربية والإسلامية ،هو أين موقع قوة إعلامنا ثقافيا وتمويلا من بين إستراتيجية وسلطة مواقع الإعلام العالمي؟
فالإعلام الغربي ثقافي تعليمي ينطلق من طبيعة وثقافة ومستوى تعلم المشاهدين. بينما إعلامنا لازال يتعامل مع مجتمعات تتفرد بأرقام ضخمة من نسب الأمية، وبالتالي فهي تتميز بكونها بيئة مشاهدين ناقدة للمادة الإعلامية المعروضة ،وهذا أمر طبيعي بالنسبة لخلاصة ثلاثة قرون من الحداثة السياسية والثقافية التي أعادت صوغ العقليات والمفاهيم وطرائق التحليل والنظر للأشياء بشكل يختلف عن السمات التي تميز الوسط العام للمشاهدين في العالم العربي والإسلامي ،حيث ترتفع نسب الأمية الأبجدية وترتفع معها وثيرة تصاعد ظاهرة الأمية الثقافية المركبة . وبالتالي فإن مهمة الإعلام لإيصال رسالة الوحدة الثقافية والفكرية في إطار التعدد المحترم لقيم المرجعية الدينية الواحدة قد تكون مهمة صعبة وتدليل صعابها لن يتحقق إلا بإرادة ذاتية في التنمية إرادة تنمية الذات بالتعلم والتحضر والتمكن من تفعيل هذا التعلم بالمشاركة الانجازية في النسق المجتمعي لبلداننا بكافة جوانبه ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وقانونيا ومعرفيا .
هذا بخصوص المستوى الثقافي للمتلقي للرسالة الإعلامية المفترض سعيها نحو مشروع الوحدة الثقافية ،أما إذا عقدنا مقارنة من خلال الأرقام بين ما نمتلكه كمسلمين من تكنولوجيا في مجال الإعلام وبين ما يمتلكه الغرب فسنجد الهوة جدا فارقة وشاسعة من حيث استثمار الرأسمال الإعلامي العربي والإسلامي .

فعلى صعيد الإعلام المرئي تتحدث إحدى الدراسات عن حاجة القنوات العربية لبث أكثر من 300 ألف ساعة سنويًا، في حين أن الإنتاج التليفزيوني والسينمائي بمختلف أشكاله من الرياضة إلى البرامج الدينية مرورًا بالأعمال الدرامية لا يغطي أكثر من 25% فقط ، وهذه التغطية شبه منفصلة عن البحث العلمي بل وتساهم في تكريس التوجه الاستهلاكي للإنسان العربي والمسلم .

وتؤكد بعض بحوث اليونسكو أن القنوات العربية تستورد من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بحدود 60 % من مجموع البرامج، ويبقى 90% من هذه البرامج التي تعرض عبر الفضائيات العربية لتجسيد موضوعات تتعلق بالعنف والفرجة والجمال والاستهلاك وعولمة القيم الخاطئة وتغييب التاريخ.... وتقدر نسبة البرامج المخصصة للشباب والأطفال تحديدا بـ52,3% في المتوسط ، ولا يتعدى مؤشر مجموع البرامج الثقافية من 10 إلى 15 %.

وعلى صعيد الإعلام المسموع فالدول الصناعية الكبرى تتحكم في 90% من الموجات الإذاعية في العالم كما توجد أربع وكالات فحسب تبث 80% من أخبار العالم هي الأسوشيتدبرس (17 مليون) كلمة يومياً (واليوناتيدبرس) 11مليون كلمة وهما أمريكيتان، وأيضا رويتر البريطانية (مليونا ونصف) (وفرنس برس) 3,351000 كلمة .. وتخصص جميع هذه الوكالات العملاقة ما معدله 20% فقط للعالم النامي كله. بينما وكالة أنباء الشرق الأوسط التي تعد من أقدم الوكالات العربية فهي لا تبث أكثر من 158 ألف كلمة فقط ، لكنه رقم غير زهيد أمام وكالة الأنباء الإسلامية العالمية (أنبا) التي لا يتعدى بثها 20 صفحة يومياً تترجم للإنجليزية والفرنسية .

وفي عهد النظام العالمي الجديد يتصدر إذاعة صوت أمريكا بأكثر من ألف ساعة أسبوعيا بـ42 لغة في العالم ، بينما تبث إذاعة الفاتيكان على 6 موجات بـ 30 لغة منذ عام 1931 ولها تعاون مع 40 إذاعة تنصيرية تبث في مجموعها أكثر من 1000 ساعة في الأسبوع .

وفي الإعلام المقروء يمتلك اليهود والحركة الصهيونية العالمية أكثر من 954 صحيفة ومجلة تصدر في 77 دولة ، منها 344 في الولايات المتحدة و348 في أوربا و118 في أمريكا اللاتينية و 42 في أفريقيا و53 في كندا و5 في تركيا و3 في الهند ، بينما تبث صوت إسرائيل عبر محطات 15 موجة و 16 لغة بمعدل 300 ساعة أسبوعياً(18).
لكن ما قد يستثمر إسلاميا أمام مقاربة هذه الهوة الشاسعة إعلاميا هو توسع دائرة الإنترنت كفضاء انفتاحي تواصلي عالمي ، حيث تزداد الحاجة إلى التعاون الفضائي بين دول العالم الإسلامي الذي أصبح أكثر ضرورة من ذي قبل لمواجهة مستجدات ثورة الاتصال التي يشهدها العالم ، فمجتمعاتنا الإسلامية تتعرض اليوم وأكثر من أي وقت مضى لاختبار شاق في ظل التطور التكنولوجي وتسويق الصورة النمطية المسيئة للإسلام والمسلمين والمتخذة من قاعدة فرق تسد منهجا أساسيا للعمل ، فلا خيار أمامها سوى البحث الجاد عن سبل نبذ الفرقة والتحرر من أسر الصراعات الفكرية (التي لم يعد لها موقع في ظل تحديات القرن الواحد والعشرين) ، والتوجه نحو رسم خطط ومشاريع فكرية ثقافية للتوافق والائتلاف والحوار والتشارك والبناء العلمي والمعرفي والاقتصادي والتكنولوجي للتقدم ومواكبة متغيرات ثورة العالم المتسارع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات